8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

أحمدي نجاد يفك عزلة سوريا ورفسنجاني يأتي إليها برسالة "أقلّ" إيديولوجية

هل يدفع لبنان ثمن التحالف السوري ـ الإيراني في مرحلة التجاذبات الإقليمية والمواجهات الدولية، من مخزونه الاحتياطي من السلم الأهلي البارد الذي يعيشه حالياً؟
خوف اللبنانيين المتزايد، ليس وليد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد الى دمشق فقط، ولا هو نتيجة لتجديد التحالف القديم بين دمشق وطهران، ولكن لأن لبنان وقع على خط الزلازل منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط، وبعد أن فقد فيه "عمود" خيمة الاعتدال التي كانت تحصنه. ولأن "حزب الله" كان ولا يزال أيضاً حلقة القطع والوصل بين طهران ودمشق في الوقت نفسه على الساحة اللبنانية.
الرئيس السوري بشار الأسد، كان صريحاً جداً عندما وصف علاقات بلاده مع الجمهورية الإسلامية في إيران "بأنها تتحرك نحو الأعلى وبشكل مستمر، لأن الظروف في المنطقة تفرض عليهما ذلك". و"الظروف" المحركة لهذا التصاعد والنمو معروفة، من المنظار السوري، فالحليفان الإيراني والسوري في حالة "مواجهة" مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية.
مع أن الأسباب والتفاصيل والحيثيات والأهداف مختلفة جداً بينهما. وقد يبدو كما ترى المصادر المطلعة والمتابعة للشأنين السوري والإيراني، أن لا جديد في هذا التحالف سوى التشديد على "نموه وتصاعده"، لكن في الواقع يختلف كثيراً، حتى في العلاقة مع أهم حلقاته وهو حزب الله. فهذا الحلف الذي نشأ مع بدايات الثورة، وفي عز صعود دور الرئيس الراحل حافظ الأسد، تغيرت موازين القوى فيه. فقد كانت طهران بحاجة الى دمشق، لتكون الباب الخلفي لها أثناء الحرب مع العراق. وكانت الجمهورية الإسلامية محاصرة من كل الجهات و"حزب الله" لم يكن قد ولد بعد. بينما دمشق تلعب على كل "الكراسي الموسيقية" في وقت واحد. فهي وإن تحالفت مع طهران، فإنها حافظت على جسورها وحتى الأبواب المفتوحة مع الدول العربية. وهي وإن دعمت طهران في الحرب ووقفت الى جانبها، إلا أن الغرب وتحديداً واشنطن بقي على علاقة طيبة ووثيقة معها وكانت تتأكد يومياً، خصوصاً مع تثبيت الوجود السوري في لبنان، ولذلك استثمرت دمشق ـ الأسد الأب تحالفها مع طهران ـ الخميني الى آخر مداه سياسياً واقتصادياً. كانت دمشق تأخذ من طهران بلا حساب، ولا تدفع للعرب، بالعكس كانت تطالبهم وتأخذ منهم مستحقات تطالبهم بها، ثمناً لتحولها الى "جسر" لا يجعل الحرب الإيرانية مع العراق حرباً فارسية ـ عربية.
دمشق تستقوي بطهران
الآن وفي عهد الرئيس الأسد ـ الإبن، فإن سوريا تستقوي بالجمهورية الإسلامية في إيران، حتى إن "زيارة عمل" للرئيس الإيراني الذي لا يملك "مفاتيح" صياغة السياسة الإيرانية لأنها أصبحت منذ انتهاء ولاية السيد محمد خاتمي بين يدي مرشد الثورة آية الله علي خامنئي، تصبح "هدفاً بحد ذاتها" وتشكل "رسالة قوية جداً" بحسب مصدر سوري من دمشق للغرب، ومضمون هذه "الرسالة" أن سوريا ليست معزولة. والواقع أنها ليست المرة الأولى في تاريخ علاقات الدول تستقوي دولة محاصرة بالقرارات الدولية، والمطالب الدولية والإقليمية الملحّة، بدولة محاصرة بدورها بمطالب دولية ملحّة جداً. لكن المهم في كل هذه العلاقة أن دمشق "تستثمر" الموقف الإيراني، وهذا "الاستثمار" هو الذي يعني اللبنانيين أولاً وأخيراً، لأنه يتمحور حول أين يقع "حزب الله" من هذه العلاقة، خصوصاً وأنه برأي البعض "يشكل رصيداً مشتركاً للطرفين يصرف بامتياز وإن بنسب متفاوتة على الساحة المشتركة أيضاً وهي لبنان؟!".
إيران دمجت نصر المقاومة
في مشروعها
والواقع ان "حزب الله" أصبح منذ تحرير الجنوب "الشريك" القوي والرقم الصعب في المعادلة اللبنانية وإذا كانت دمشق، قد بنت تحالفها مع الحزب في إطار المعادلة الخاصة لوجودها في لبنان وبالتشابك مع علاقاتها مع القوى الأخرى، فإن طهران عملت على دمج تحرير المقاومة الاسلامية للجنوب في قلب مشروعها الاقليمي على الصعيدين الايديولوجي والتعبوي كما يرى العديد من الخبراء في الشأن الإيراني. وهذا الدمج "تستثمره" طهران بقوة لأنها هي الدولة الاقليمية الكبيرة التي تمتلك قدرات عسكرية واقتصادية متعاظمة، والتي لها مشروعها السياسي الاقليمي، القائم على استيعاب كامل لموازين القوى. ولذلك فإن إيران تشعر وهي في مواجهة الغرب وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية بسبب الملف النووي، أنها وإن كانت محاصرة إلا أنها في الوقت نفسه تحاصر الأميركيين في العراق وعلى الحدود في أفغانستان، وتثير قلقهم في فلسطين، بعد أن أصبحت حاضرة في تفاصيل نسيج مختلف القوى الفلسطيني ومنها حركة "فتح" وليس كما في السابق حركتي "حماس" و"الجهاد" فقط، وأنها تمسك بسهم أسعار النفط بحيث يمكنها إطلاقه بسرعة عالياً الى درجة يتجاوز بها المئة دولار، وأن توجه ضربة موجعة جداً الى المصالح المالية الأميركية ولوضع الدولار المعنوي، إذا ما عملت على إنهاء الحصرية العالمية لحكم الدولار عبر نقل سعر برميل النفط الى اليورو أو حتى الين الياباني.
وأمام موقف القوة هذا لا تحتاج طهران الى استخدام الساحة اللبنانية وتحديداً حزب الله فيها "بطريقة مفرطة". لا بل وهي العارفة جيداً بتفاصيل الحالة اللبنانية تدعو وعلى لسان الرئيس أحمدي نجاد ومن قلب دمشق "جميع التيارات والفئات الى اتخاذ الشكيمة والتحلي بالصبر لتجاوز المرحلة". أكثر من هذا، فإن اختيار الشيخ هاشمي رفسنجاني المجيء الى دمشق بعد زيارة الرئيس نجاد تحمل "رسالة" أخرى، فإذا كان الرئيس الإيراني، يقدم علناً "المواقف المتشددة" فإن رفسنجاني وبما عرف عنه "يضع المواقف الأيديولوجية في إطار استراتيجية بلاده السياسية، وهي تقدم بالنسبة للبنان (الذي قد يزوره بعد دمشق) التوجه المتفهم وحتى الداعم له بكل أطيافه ومعادلاته، خصوصاً ما يعني حزب الله وسلاحه".
حزب الله تحرر
من الوصاية السورية
أما دمشق التي ترى أن الملفات الساخنة مشتركة بينها وبين طهران وهي العراق وفلسطين ولبنان، فإنها في الواقع أصبحت محدودة الحركة الى درجة كبيرة. ففي العراق لها حضور بين مشايخ العشائر وما تبقى من البعث، وما تتهم به من الأميركيين بدعم لوجستي للمقاتلين الاسلاميين غير العراقيين، فإنه يبقى حضوراً محدوداً أمام الوجود الإيراني المفتوح في الجنوب والعلاقات الوثيقة مع الأكراد هذا عدا علاقات سورية محدودة مع بعض القوى السنية. وفي فلسطين لم يعد لدى دمشق ما تقدمه سوى "الحضور المعنوي" والاعلامي لقادة "حماس" و"الجهاد"، وفصائل مقطوعة الجذور مع الداخل الفلسطيني مثل الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، وفتح ـ الانتفاضة.
تبقى الساحة اللبنانية وعلاقتها مع "حزب الله"، وهي تشكل ساحة المواجهة الأولى والوحيدة لها. والمشكلة بالنسبة الى دمشق أنها منذ خروجها العسكري من لبنان لم تعد قوة ضاغطة على "حزب الله". فقد أنتج 14 آذار كما يقول العديد فيه حتى ولو رفض "الحزب" الاعتراف بذلك "رفع سيف الابتزاز العسكري والأمني عنه" وأصبح بذلك قراره أكثر لبنانية وأقل سورية. وإذا كان الحزب لا يزال يدعم "سوريا ـ الأسد"، فلأنه لا يريد استفراد دمشق ولا إضعاف حلفها مع طهران. ولذلك يتحرك "حزب الله" بحذر شديد ويعمل السيد حسن نصرالله على "ضبط الإيقاع" داخل القيادة وكادراته حتى لا يتحول الى أداة سورية من حيث لا يريد، فيتم كسر السلم الأهلي. ومما يشجع السيد نصرالله في موقفه هذا، أن تباينات واضحة طغت على سطح التوافقات المعلنة بين الرئيسين السوري والإيراني خاصة حول لبنان، ودعم إيران له التي تريد على لسان أكثر المتشددين فيها الرئيس نجاد، المحافظة على تواصلها مع جميع الطوائف، خاصة وأن لبنان التي عصفت به الحرب وأصبحت "اللبننة" مثالاً في العالم، قد يتعرّض هذه المرة "للعرقنة" أي لتقسيمات مذهبية وفيدراليات مستحيلة بسبب صغر مساحة لبنان وتداخل سكانه، خصوصاً على المستوى المذهبي حتى في الأزقة فكيف في المناطق.
إسرائيل والمواجهة الممكنة
المشكلة الوحيدة، هي ماذا إذا وقعت مواجهة أميركية ـ إيرانية؟
السيد حسن نصرالله، رفض وهذا من حقه، الدخول في تفاصيل موقفه في مثل هذه الحالة. لكن ذلك لا يمنع من أن لبنان سيتحول الى ساحة مشرعة على المجهول الأمني لأنه أيضاً لا يمكن معرفة الحركة الإسرائيلية على الحدود، لأن دورها في مثل هذه المواجهة قد يكون متحركاً ومشاركاً. فما يعني المقاومة وحزب الله، هو إسرائيل، وإذا كان يستطيع ضبط إيقاعه لبنانياً في مختلف الأحوال، فإنه لا يستطيع تجنب المواجهة مع إسرائيل لأن ذلك من صلب وجوده ودوره اللبناني في حماية لبنان.
والواقع أيضاً، أنه في حالة التفاوض، يبقى لبنان مفتوحاً على تجاذبات وقائع العملية التفاوضية، لأنه ورقة أساسية في موازين القوى. لكن مع إدراك تام لهذا الوضع، يمكن إبقاء هذه "التجاذبات" محصورة داخل حدود الدائرة السياسية المغلقة:
الجمهورية الاسلامية في إيران، متفرغة لتحقيق هدفها "القومي" في امتلاك القدرة النووية. لكنها في الوقت نفسه تمسك بمختلف الأوراق التي بحوزتها بقوة ولا تفرط بها سواء في العراق أو في فلسطين أو النفط. أما في لبنان فهي تريد المحافظة على قوة "حزب الله" لأنه "ابن" أيديولوجيتها وحليفها وامتدادها داخل الشيعة، ولكنها تعرف ومن شبكة العلاقات التي أقامتها مع باقي الطوائف ان كسر السلم الأهلي وتعريضه "للعرقنة"، ينزع منها الورقة اللبنانية، لأنه يحولها الى "خصم" للبنانيين. ولذلك فإنها وهي تترك حليفها السوري يستثمر تحالفها معها، لا تصل معه في لبنان الى درجة الموافقة على أي استخدام مفرط للساحة اللبنانية استناداً الى "علاقته مع حزب الله"، يؤدي الى كسر السلم الأهلي، لتخسر بذلك الحزب وما يمثله من النجاح اليتيم لثورتها في الخارج.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00