ملف نزع سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات، يخفي "غابة" من الملفات الفلسطينية ـ اللبنانية والإقليمية والدولية المتداخلة والمتشابكة مثل حقول الألغام. ورغم الانقسامات والخلافات اللبنانية ـ اللبنانية، فإن إجماعا واضحاً يقوم بين مختلف الأطياف اللبنانية، على وجوب حل هذا الملف. لكن هذا الإجماع لم يحل دون الاختلاف حول الآلية التي يجب العمل بها، خاصة انها تشمل "الثمن" الذي يجب أن يدفعه الطرفان. فالمعالجة الشاملة للملف الفلسطيني "كما يريد اللبنانيون والفلسطينيون تعني معالجة الوضع الانساني والمعيشي والبيئوي الملح في المخيمات خاصة ولبنان عامة، وينتهي عند العقدة الصعبة وهي علاقة السلاح الفلسطيني، بما فيه داخل المخيمات بالتوطين وحق العودة!
لم يكن اللبنانيون ومنذ اتفاق الطائف راضين بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات، هذا عدا الاحتجاجات الضمنية عن سلاح الداخل الذي حول المخيمات إلى "جزر أمنية" لا يطالها الأمن والعدالة اللبنانيان. الوجود السوري، كان يشكل "كاتم الصوت" الذي يحول دون تحول التذمر إلى احتجاج علني فكيف بأي مطالبة لبنانية شعبية أو رسمية. وإذا كانت قواعد الفلسطينيين في أعماق البقاع لم تثر اشكالات يومية، فلانها كانت "بعيدة ومعزولة عن التأثر والتأثير" بينما قاعدة الناعمة وانفاقها كانت دائماً موضع رفض وقلق وازعاج للسكان، خاصة عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تغير عليها، أو عندما تقع إشكالات مع المسلحين الفلسطينيين من الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة، ويتم وأدها بسرعة في إطار الضبط والربط للوضع القائم. ولذلك فإن المطالبة الآن بختم هذه القاعدة وانفاقها "بالشمع الأحمر"، ليس سوى نتاج طبيعي، لرفع وصاية "كاتم الصوت"، ولأن "آحادية" العلم اللبناني في تظاهرتي 8 آذار و14 آذار المليونية، أكدت أن الاختلاف في المواقف بين اللبنانيين يتم "تحت العلم اللبناني الذي لا يريد أحد ان يعلو علم فوقه"!
تفهم لبناني للمطالب الفلسطينية
ويشدّد مصدر لبناني متابع لملف العلاقات اللبنانية ـ الفلسطينية، والذي يتميز بالخبرة والحنكة والوطنية، "أن الرئيس فؤاد السنيورة لم ينتظر حادثة الناعمة ليفتح ملف السلاح خارج المخيمات، وانما تعمد فتحه منذ البداية، ولذلك أصر عندما التقى الوفدين الفلسطينيين في السرايا الحكومية وأيضاً مبعوث الرئيس الفلسطيني محمود عباس على ضرورة الاجابة عن سؤال قائم وملح وهو "ماذا يمكننا العمل لحل هذا الوضع"؟ولذلك سارع الرئيس السنيورة وتأكيداً لرغبة الحكومة اللبنانية بمعالجة الوضع الفلسطيني كله إلى تشكيل لجنة لبنانية برئاسة السفير خليل مكاوي الذي سبق وان مثل لبنان في لندن وروما والأمم المتحدة وممثلين عن الوزارات المعنية بالملف بكل تشعباته ومنها الدفاع والداخلية والصحة والشؤون الاجتماعية.
ولتأكيد الإجماع اللبناني حول هذا الملف وتفهم وجدية الحكومة اللبنانية بكل وزرائها، على ابعاد ومضامين الملف الفلسطيني فقد صدر القرار رقم 41 تاريخ 13/10/2005 عن مجلس الوزراء وهو ينص في الفقرة ج: على اطلاق الحوار حول معالجة سلاح المخيمات لجهة تنظيمه ومعالجته، بينما تنص الفقرة ب: على وضع آلية لإنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات.
ويشدّد المصدر اللبناني نفسه ان قرار مجلس الوزراء، وضع "مفتاح" الحل المناسب لكل من "السلاحين". فإذا كان الفلسطينيون مطالبين وبالاتفاق مع السلطات اللبنانية المختصة بـ"تنظيم" السلاح داخل المخيمات ودائماً "بالحوار"، فإن "إنهاء" السلاح خارج المخيمات هو مسألة الاتفاق على "آلية" لتحقيقه.
تنظيم السلاح يلغي الجزر الأمنية
والقرار الوزاري نفسه، جاء متكاملاً آخذاً بعين الاعتبار أن معالجة هذا "السلاح" تتطلب معالجة "سلة" المطالب الفلسطينية العادلة. وهذا القبول اللبناني متكامل بإقتناع عميق بالمطالب الفلسطينية المدنية والانسانية والاجتماعية. ويعترف المصدر اللبناني نفسه، أن الفترة الماضية شهدت تشدداً لبنانياً ألحق أحياناً كثيرة صعوبات إلى درجة المظالم بالفلسطينيين. إذ لا يمكن التغاضي عن الوضع البيئي والمعيشي الذي يعيشه الفلسطيني العاديّ داخل المخيمات ومنها حرمانه من العمل الشرعي في 73 مهنة ومنعه من تملك شقة سكن علماً أن بعضهم كان قد دفع ثمنها، وحرم من دخولها بسبب ذلك فخسر أمواله وبقي في المخيمات حيث المجاري على وجه الأرض. وتعترف الأوساط اللبنانية الرسمية والشعبية الملاصقة للمخيمات "بأن حالة البؤس والحرمان تخلق بيئة وأرضية خصبة للمتطرفين والأصوليين إضافة إلى كل أنواع الخروج عن القانون. وتضيف تلك المصادر "أن هذا التضييق والحرمان ليس تأكيداً لحق العودة ولا لرفض التوطين مثل أن السلاح خارج المخيمات ليس الطريق إلى التحرير ولا الدفاع عن القضية الفلسطينية والدليل أن منح سوريا للفلسطينيين كل حقوقهم المدنية وبما فيها الانضمام إلى الجيش السوري لم يواجه بأن مثل هذه السياسة هي لدعم التوطين وإسقاطاً لحق العودة!"
وتأكيداً لجدية الحكومة اللبنانية في معالجة هذه الأوضاع قدمت مؤخراً تسهيلات حقيقية للبدء الفوري من جانب الفلسطينيين بتحسين أوضاعهم السكنية داخل المخيمات. كما أن الدراسات بدأت للبدء في عملية إعادة بناء البنى التحتية والتي تتطلب مشاركة واسعة من الوزارات اللبنانية المعنية، وأخيراً فإن تنفيذ الخطة الشاملة يقتضي عودة الدول المانحة للفلسطينيين والانروا بتمويل عملية إعادة البناء، ومن المنتظر أن تشجع سياسة الحكومة اللبنانية هذا الإنجاز.
واستكمالاً لذلك، فإن قراراً صدر بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية، علماً أن ذلك يتم تحت رعاية الرئيس محمود عباس أبو مازن الذي هو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في وقت واحد مما ينزع فتيل أزمة التمثيل وطبيعته وكل ذلك بانتظار تسمية أبو مازن ممثلاً له في لبنان.
وتصر الأوساط اللبنانية الرسمية وغيرها، "على أن السلطات اللبنانية لن تشهر السلاح في وجه الفلسطينيين، ولكن يجب حل ملف السلاح خارج المخيمات بسرعة ودقة حتى لا يبقى لغماً موقوتاً، ولذلك فإن المطلوب دورعربي فاعل ومؤثر خاصة مع سوريا لأن الجميع يعرف علاقة الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة وفتح الانتفاضة مع دمشق"!
"سلة واحدة"
الأوساط الفلسطينية بمختلف أطيافها تريد حل الملف الفلسطيني "سلة واحدة" فإلغاء السلاح خارج المخيمات وتنظيمه داخله يقتضي حل وضع المخيمات وابعاد البؤس الذي يعيشه الفلسطينيون خاصة وأن نتاج عملهم ومشاركتهم في الاقتصاد، سيبقى داخل لبنان وفي خدمة الاستثمارات اللبنانية لا يخرج منها كما يحصل مع باقي أموال العمالة غير اللبنانية. وتؤكد أوساط حركة "فتح" انها وهي تتفهم الموقف اللبناني من السلاح خارج المخيمات فإنها تطالب الجانب اللبناني التعامل مع القضايا الفلسطينية بالجملة وليس بالمفرق". واضافة إلى هذا "التفهم" وطرح طريقة التعامل فإن أوساط حركة حماس تطالب "بأن يبقى الملف الفلسطيني شأناً سياسياً لأن الوضع الفلسطيني ينضبط بالقانون!
ويؤكد مصدر فلسطيني مطلع على الوضع الشعبي داخل المخيمات "أن الشعب الفلسطيني داخل المخيمات يريد حقوقه المدنية كما يريد المسارعة في فتح سفارة تنظم شؤونه وعلاقاته مع السلطات اللبنانية. ويشير المصدر نفسه "إلى ان غالبية الفلسطينيين في لبنان هي ضد السلاح خارج المخيمات ومع تنظيمه داخلها. لأن هذا التنظيم يخفف الجزر الأمنية المنتشرة". ويشدد هذا المصدر على "أن الشعب الفلسطيني غير مستعد لدفع ثمن حماية القواعد خارج مخيماته من أمنه وممتلكاته وحقوقه لانها ليست قضيته، وما يريده هذا الشعب ايضاً ان يكون لبنان مستقراً وآمناً لأن في ذلك تحصيناً للشعب الفلسطيني المقيم في لبنان وقوة لقضيته التي تبقى أولاً وأخيراً العودة إلى فلسطين".
"حزب الله": ممنوع الصدام
ما لا يقوله الفلسطينيون، تؤشر إليه الأوساط المطلعة على مواقف "حزب الله"، فتقول: "لقد دخل حزب الله وسيطاً لحل المشكلة مع المعنيين من الفلسطينيين بالسلاح خارج المخيمات. ونزع السلاح يتم بالحوار". لكن كما تضيف هذه الأوساط الأزمة نشأت من محاصرة القواعد في البقاع فعطلت الاتفاق. ومحور القضية هو وجوب عدم استخدام القوة، ليس لأن الحزب طرف ولكن لانه يرى وجوب عدم دخول الجيش اللبناني في معركة خاطئة. ثم من يضمن ان لا تنتقل المواجهة إلى داخل المخيمات وحتى إلى أماكن اخرى هذا الاتفاق المطلوب، يخفي كما هو واضح ملفات تبدأ بالموقف السوري خاصة وان القيادة العامة و"فتح الانتفاضة" محسوبة على خانة دمشق وايضاً مربوط بالقرارات الدولية خاصة 1559، التي توقظ مخاوف "حزب الله" من ان يكون حل ملف السلاح الفلسطيني خطوة على طريق نزع "سلاح المقاومة".
مهما يكن، فإن حل هذه المشاكل المعقدة، يتطلب ولا شك تفكيراً مبتكراً، وخطوات تنفيذية جريئة وحاسمة، على قاعدة ثقة متبادلة، فلا منح الفلسطينيين لحقوقهم المدنية يسحب حق العودة منهم، ويقيهم التوطين. ولا اغلاق ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات يسقط الحماية عن فلسطينيي المخيمات مثلما أن تنظيم السلاح داخل المخيمات هو تعزيز مشترك لأمن واستقرار الفلسطينيين ولبنان معاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.