كيف ستنجح حركة حماس في امتحان السلطة؟
وكيف ستتعامل مع العالم وبالتالي العالم معها؟
وما هي انعكاسات هذا "الانقلاب الفلسطيني" على العلاقات اللبنانية الفلسطينية؟
بداية، لا شك ان لبنان معنٍ أكثر من غيره "بالزلزال" الذي أوقعه فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية لأنه في قلب الدائرة الأولى للزلازل الارتدادية التي من الطبيعي حصولها. فالقضية الفلسطينية هي قضية لبنانية داخلية منذ اغتصاب فلسطين، وقيام مخيمات اللاجئين الفلسطينيين على امتداد أراضيه من نهر البارد شمالاً، الى صور جنوباً، من جهة. ومن جهة أخرى، لأن هذه القضية، هي ملف ساخن حالياً بسبب مشكلة انهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، المطروحة على قيد البحث الملح والسريع. وبداية فإن هذا الفوز الكاسح لحركة حماس هو كما وصفه الرئيس فؤاد السنيورة "يؤكد النظام الديموقراطي ويرسخه، كما يدل على حيوية الشعب الفلسطيني". ولذلك سارع وليد جنبلاط، بكل ما يملكه من سرعة في التقاط الحدث وأبعاده الى طرح فوز حركة حماس بالانتخابات من زاويتين: الأولى ما يعني الفلسطينيين وهو "اقامة دولة فلسطينية وفق الشرعية الدولية وبما يذكر احترام القرار الفلسطيني المستقل"، والثانية ما يعني لبنان أساساً وهو: أن تعزيز العلاقات اللبنانية الفلسطينية يكون من خلال معالجة مشكلة السلاح الفلسطيني لا سيما خارج المخيمات كي لا يتم الاستمرار في استغلاله لاهداف أبعد ما تكون عن مكونات القضية الفلسطينية ومستلزمات الصراع العربي ـ الاسرائيلي".
ولا شك أكثر ما يعني لبنان حالياً من نتائج هذه الانتخابات، هو طبيعة العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية في ظل فوز حماس، وانعكاسات هذه العلاقات على ملف السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، واستناداً الى مصدر لبناني متابع لملف هذه العلاقات "فان فوز حماس يشكل عنصراً جديداً في المحادثات التي بدأت والتي لم تتحول بعد الى مفاوضات جارية بين الطرفين" ويشدد المصدر اللبناني على "ان الحكومة اللبنانية التي بدأت خطوات لتصحيح العلاقات، بدءاً من تسهيل الحياة اليومية لفلسطينيي المخيمات الى حين صدور كافة القرارات المطلوبة انسانياً ومعيشياً واجتماعياً الى جانب قوننة العلاقات الرسمية ستتابع سياستها بصرف النظر عن حدث فوز حماس لأن ذلك من صلب سياستها. ولكن اي الحكومة اللبنانية وهي تقوم بذلك تجد نفسها امام سؤال لا بد أن يجيب الفلسطينيون عنه، وهو: من سيمثل منظمة التحرير مع حصول هذا التغيير نظراً الى أن حماس ليست عضواً في المنظمة وهي الآن تمسك بالسلطة في الأراضي الفلسطينية؟
تفاؤل لبناني
المصدر اللبناني يرى "أن لا مشكلة تلوح مع حماس باعتبار انها أبدت في السابق كل تعاون، الى جانب انها مهتمة في تحركها السياسي بين شعبها حتى الآن بالجانب الاجتماعي والمعيشي الى جانب الانتشار الأيديولوجي والسياسي، وهي لذلك لم تكن مهتمة بنشر السلاح بين مجموعاتها وتجمعاتها داخل المخيمات".
هذا التفاؤل اللبناني، يقابله موقف قوي ومتعاون من حماس فور اعلان فوزها بالانتخابات. فقد سارع اسامة حمدان، ممثل الحركة في لبنان، الى التأكيد "بأننا كفلسطينيين في لبنان لا ننازع الدولة اللبنانية سيادتها ـ واستقرار لبنان وقوته قوة لنا".
وبما يتعلق بالسلاح الفلسطيني خارج المخيمات كرر موقف حماس السابق على فوزها وهو: "لا نقبل ان يكون هناك طرف فلسطيني اداة لصالح احد اياً كان ولا نقبل بحال من الأحوال ان يؤدي الفلسطينيون أدواراً لا تخص قضيتهم".
هذا الموقف القديم ـ المتجدد "لحركة حماس"، لبنان، في العملية الصعبة ولكن الملحة في انهاء السلاح خارج المخيمات. ولا شك أن وجود حماس على رأس السلطة، يمنح هذا الموقف المبدئي المعتدل قوة دفع منطلقة من الفهم الميداني لشروط السلطة في وحدانية قرارها على ارضها انطلاقاً من حقها بالسيادة الكاملة عليها. ولذلك يمكن للبنان توقع أن يكون نصيبه من "الزلازل الارتدادية" وربما للمرة الأولى "انفراجات واضحة لكن ليست فورية لأنه يجب انتظار مرور فترة سماح تمتد اسابيع عدة، حتى تتشكل الحكومة الفلسطينية الجديدة".
فوز أكثر من المطلوب
فوز حركة "حماس" يعكس انجازاً تاريخياً في العالم العربي، وهو وجوب وامكانية تداول السلطة بين الأطياف السياسية، وان هذا التداول الذي تم وسط غابة من البنادق، لم تطلق خلاله طلقة بندقية واحدة، وأخيراً ان الطرف الخاسر، وحركة فتح تشكل البندقية الرسمية في السلطة الوطنية الفلسطينية، قد سارع للاعتراف بخسارته وفق مسار اكثر الديموقراطيات عراقة وبذلك فإنه هذا الحدث يضع العالم العربي وخاصة محيط فلسطين أمام تجربة مباشرة ومثيرة لحكوماتها ولشعوبها، تنطلق أساساً من مشروعية التداول، وعدم ربط مصير الأرض والشعب بوجود هذه السلطة أو غيرها وعلى قاعدة ديمومتها أو الفوضى الشاملة.
واذا كان فوز "حماس"، كما ترى أوساط فلسطينية قريبة منها، "أكبر من المطلوب" وأنه كان من الأفضل "عبور مرحلة انتقالية بين المعارضة المطلقة والسلطة المطلقة"، إلا ان ما حصل قد حصل والمفاجأة كانت كبيرة الى درجة ان ايهود أولمرت القائم بأعمال رئيس الوزراء الاسرائيلي، اتهم رئيس الأركان وقادة الأجهزة الأمنية بـ"قصور يوم الغفران" تذكيراً بمفاجأة الجيشين المصري والسوري الجيش الاسرائيلي في "حرب تشرين".
تجربة التساكن الجديدة
والآن، فإن الأسئلة الكبيرة تبدأ، من الداخل الفلسطيني أولاً وأساساً. ومنها: كيف ستعيش السلطة الفلسطينية على وقع تجربة "التساكن" بين رئيس دولة ينتمي في حالة فلسطين الى "حركة فتح ورئيس حكومة ينتمي الى "حركة حماس" المعارضة حتى الأمس؟
وكيف ستتصرف "حماس" وتعمل في نظام رئاسي حيث رئيس الدولة أبو مازن يملك حق الاشراف والمتابعة على السياسة الخارجية والأمن والمخابرات والقضاء، ومن صلاحياته تشكيل الحكومة وحلّها؟ وكيف ستتصرف حماس مع "بندقية فتح"، والأمن الفلسطيني المُتخم بآلاف الفتحاويين؟ وكيف "ستعيش في بيئة دولية وإقليمية وهي تقود الشعب الفلسطيني برؤية تنص على أن فلسطين من البحر الى النهر"؟.
وماذا ستعمل بالمقاومة، هل ستوقفها أم تجعلها مقاومة تذكر بها الاحتلال الاسرائيلي باحتلال أراضي فلسطينية على غرار تذكير المقاومة في لبنان بمزارع شبعا؟
وكيف ستواجه مشكلة الاقتصاد المحاصر أصلاً، والمعرّض للحصار الدولي أكثر وأكثر خصوصاً ان الغرب، من الاتحاد الأوروبي الى الولايات المتحدة، يعتبرها "حركة ارهابية"، وهل ستقدم "التنازل" الذي سارعت مستشارة ألمانيا انجيلا انكل الى مطالبتها به لتستعيد شرعيتها الدولية وهي "التخلي عن العنف وإلقاء السلاح والاعتراف بحق اسرائيل بالوجود"؟.
وأيضاً كيف "ستتساكن" حماس وهي في السلطة مع علاقاتها الخارجية وهي الآن داخل السلطة؟ وبالتحديد أين ستقف "حماس" من علاقاتها بدمشق وطهران، وهما في "خط مواجهة مع الغرب عامة والولايات المتحدة خاصة، من جهة والتزاماتها الجديدة في السلطة الواقعة تحت سقف "رعاية" هذه الدول وتحديداً الدول الرباعية الموقّعة على "خارطة الطريق" من جهة اخرى؟
حماس والمصلحة الوطنية
مصادر فلسطينية مطلعة تؤكد ان "حماس" هي حركة فلسطينية أولاً وأخيراً، والمصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني هي أولاً وأخيراً، وأنها وإن كانت وليدة خط فكري وإيديولوجي اسلامي، فإن علاقاتها بدمشق وطهران ستبقى دائماً في خدمة قضيتها الأولى والأخيرة وهي اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. لكن ذلك لا ينفي وجود فارق طبيعي تفرضه الجغرافيا والوقائع اليومية مع الأطراف التي تتعامل معها. ولذلك فان سؤالاً كبيراً سيظهر وهو كيف ستكون العلاقة بين قيادة الداخل الفلسطيني لحماس التي تعرف الأرض ميدانياً ومنهم محمود الزهار واسماعيل هنية، وقيادة الخارج والموجودة في دمشق وعلى رأسها خالد مشعل؟
وأمام احتمال انخراط حماس الداخل والخارج في مشروع فلسطيني داخلي يقوم على الواجبات التي تفرضها التزامات السلطة وممارستها مباشرة على عاتقها، فان سؤالاً اضافياً يصبح مطروحاً، وهو كيف ستتعامل دمشق وطهران معها؟ فاذا كانت طهران تستطيع أن تبقي علاقاتها في الاطار الفكري والايديولوجي والتحريضي وتبادل الدعم العلني في القضايا الملحة، فان المشكلة بالنسبة لدمشق أبعد وأعمق، اذ انها في مواجهة تجربة مباشرة تتعلق بطبيعة الاختيار الشعبي واختياراته من جهة، وتسلم فصيل اسلامي هو جزء من "حركة الاخوان المسلمين" للسلطة من جهة اخرى بكل ما يعني ذلك من انعكاسات على حركة التيارات الاسلامية في المنطقة وفي سوريا تحديداً التي تعيش منذ فترة طويلة في علاقاتها مع الاخوان المسلمين على وقع الطلاق والعنف والحوار والانقطاع!
الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي يعني العالم كله وليس العرب والمسلمين وحدهم، و"الزلازل الارتدادية" لحدث كهذا لن تكون محصورة بخط زلازل واحد، ولذلك شعرت به مختلف العواصم الكبرى والصغرى من تل أبيب الى واشنطن مروراً بباريس. وهذه العواصم مثلها مثل حركة "حماس" مطالبة بالبحث سريعاً عن اجابات ملحّة للتعامل مع هذا "الزلزال" لأنه كما قالت باريس مرة "إن هذا الصراع يشكل الثقب الأسود الذي يولد العنف في العالم".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.