لبنان الحاضر في اجتماعات لندن وبروكسل، رغم ان العنوان الطاغي والبارز، هو درس الملف النووي الايراني، وكيفية التعامل مع طهران من جهة، وبحث أنجح السبل للتعامل مع حركة "حماس"، بعد فوزها الصاعق والمفاجئ بالانتخابات التشريعية من جهة أخرى. وهذا الحضور للملف اللبناني ليس طارئاً ولا مفتعلاً، لأن لكل مسألة تطرح أمام اجتماع لوزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس الأمن بعيداً عن نيويورك لها حساباتها الدقيقة. والتزام المجتمع الدولي باستعادة لبنان لحريته وسيادته واستقلاله مهم جداً، ويشكل سبباً منشطاً ومحركاً لملاحقته. لكن ما دفع وزراء الخارجية للدول الخمس الاعضاء في مجلس الامن، وعلى رأسهم كوندليزا رايس، محاولات دمشق الحاضرة في الملفات الثلاثة المطروحة على البحث، وهي الملف النووي الايراني وفلسطين ولبنان، "الايحاء بأنها كسرت حلقة النار التي كانت في وسطها، وأن مرحلة جديدة قد بدأت، تقوم على اخذ مطالبها بالاعتبار، سواءً بالنسبة للتعامل مع النظام السوري او التحقيق او العلاقات اللبنانية السورية".
تشدد باريس وعلى أعلى المستويات، "اذا كان من الصحيح القول بأن مرحلة جديدة قد بدأت بما يتعلق بلبنان في ظل تطورات الملفين الايراني والفلسطيني، فإن كيفية التعامل معها يتطلب تنسيقاً على أعلى المستويات"، ودائماً كما ترى باريس "ان هذا التنسيق ليس احادي الجانب بمعنى انه ليس بين عواصم الدول الثلاث واشنطن وباريس ولندن فقط، وانما ايضاً مع العواصم العربية المعنية وأبرزها الرياض والقاهرة". وتضيف المصادر المطلعة في العاصمة الفرنسية "ان هذا التنسيق بدأ قبل اجتماعات لندن، وذلك عندما اوفد الرئيس جاك شيراك مستشاره الديبلوماسي الى العاصمة الأميركية، وان هذا التنسيق يقوم على أساس ان هذه المرحلة الجديدة تتطلب انطلاقة جديدة، قوية ومؤثرة، ودائماً بناء على القاعدة التي لم تتغير وهي: العمل لمصلحة استقلال وسيادة وحرية لبنان من جهة وتعاون سوريا الكامل مع لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري". ومن هذه المواقف التي تؤكد على "مسار" ثابت بالاهتمام الدولي بلبنان كما تقول المصادر نفسها: "البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن حول لبنان الذي لا يجب الاستهانة به ولا اعتباره عادياً او طبيعياً بل هو استثنائي ورسالة واضحة وقوية موجهة الي سوريا يجب ان تأخذها بدقة في كل حساباتها وتصرفاتها".
باريس مصرّة على الحقيقة
وباريس التي رحّبت وترحّب بأي مبادرة خاصة العربية منها لدعم لبنان فإنها دائماً على اساس القاعدة التي يكررها الرئيس جاك شيراك امام كل من يتباسط معه حول لبنان مباشرة أو هاتفياً او عبر القنوات الديبلوماسية: "ضرورة الوصول الى الحقيقة في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري". وما يريح باريس "أن إصراراً عربياً للوصول إلى هذه النتيجة تحت بند عدم المساومة على التحقيق والحقيقة، يبدو اجماعياً"، ولذلك تشدّد باريس ايضاً على أن "الفصل بين المسؤولية الفردية ومسؤولية الدولة في التحقيقات الجارية يبقى فعلاً موقتاً إذا كان ذلك لا بد منه، لكن حتى صدور القرار الاتهامي، حيث لا يعود عندئذٍ أحد فوق نتائجه. وأخيراً مما يؤكد ذلك أن الرئيس شيراك يشدّد أمام الجميع "أن هذا الهدف يعنيه شخصياً ويريد ان يتحقق قبل مغادرته قصر الإليزيه في ربيع 2007".
ولا تخفي باريس مطلقاً، ترحيبها وحتى غبطتها من الاستقبال الخاص الذي تحقق للنائب سعد الحريري في واشنطن، لأن في لقاء البيت الأبيض مع الرئيس جورج بوش وحده "رسالة" كافية فكيف مع اكتمال هذه "الرسالة" بالاجتماعات الاخرى مع نائب الرئيس ديك تشيني ومستشار الأمن القومي وليام هادلي، ووزيرة الخارجية كونداليزا رايس. وترى باريس أن كل ذلك اضافة "شجاعة وصلابة المواقف التي أعلنها سعد الحريري من البيت الأبيض وفي واشنطن بفتح الطريق أمام مواجهة المرحلة الجديدة بقوة وتصميم أكبر".
باريس متفائلة
باريس وبطبيعة الحال وواشنطن تريدان من جعل لبنان حاضراً في كل الاجتماعات كما ترى المصادر المطلعة في باريس "ابقاء حالة التجييش القائمة داخل المجتمع الدولي حامية طوال الأشهر المقبلة بحيث لا يؤدي فصل مسار التحقيق الدولي في جريمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عن مسار تهدئة وترطيب العلاقات اللبنانية ـ السورية، كما ترمي اليها الجهود العربية منفذاً لدمشق للتهرب من التزاماتها، خاصة وانها، كما ترى المصادر نفسها، تعتمد حالياً سياسة دفاع هجومية تحت بند تغير وجهة الرياح التي كانت تضربها، خاصة بعد فوز حركة حماس في فلسطين وقبلها تصعيد طهران لمواقفها بسبب حرارة الملف النووي دولياً وحاجتها اليها". ومما يشد من عزيمة باريس بهذا الاتجاه إدراك واشنطن الكامل، بأنها على موعد مع استحقاقات انتخابية بدءاً من الخريف المقبل وكذلك باريس مع أواخر الخريف نفسه.
ومما يضغط على باريس ومعها واشنطن للتشدد وللاصرار على احاطة لبنان بالانتباه الشديد، "ان تعاود ألة الموت عملها وأن يكون ذلك في عمليات تحدث فلتاناً أمنياً غير مضبوط، ولذلك تفضل باريس وتشجع على إبقاء التماسك اللبناني قائماً، والعمل لدفع كل الخلافات السياسية تحت سقف التوافق والتفاهم ولو على الحد الأدنى بين أطراف الأكثرية". ولذلك شجعت باريس، كما تقول مصادر فرنسية "ان يبقى تعامل واشنطن مع حزب الله في حدود المعقول. ورأت في موقف النائب سعد الحريري وتشديده على الحوار طريقاً للتوصل إلى حل لسلاح المقاومة أفضل سلاح لمواجهة كل المحاولات الرامية إلى فرط الاكثرية وإحداث خلل في الوضع يتجاوز مجرد المحافظة على الاكثرية وتماسكها في الحكومة اللبنانية".
ان هذه التطورات جميعها، بما فيها المحادثات والاتصالات المستمرة بين عواصم "الترويكا" الأميركية والفرنسية والبريطانية بكل ما يتعلق بلبنان يعود إلى ان مرحلة جديدة "لليّ الاذرع" قد بدأت، وأن هذه المرحلة شاملة، ولذلك فإن هذه العواصم تريد ان ترى كل "الأبواب" مفتوحة أمام رئيس لجنة التحقيق البلجيكي سيرج براميرتس لكي ينجح في تحقيقاته وبحيث يكون تقريره النهائي بعد اشهر ستة قوياً خاصة وأن تطورات عديدة في التحقيقات تؤشر نحو التوصل إلى نتائج مهمة. كما ان دقة الوضع في منطقة الشرق الاوسط تتطلب متابعة التشدد وليس الاعتدال مع دمشق، وذلك حتى لا تحول دفاعها الوقائي إلى هجوم يستند الى حماس فوز "حماس" في فلسطين، خاصة وأن لكل طرف من الأطراف حساباته الوطنية الخاصة، ومسؤولياته التاريخية أمام شعبه.
أمام هذا الاصرار الدولي على ضرورة نجاح لبنان ووصوله إلى ما بدأه في 14 اذار، يصبح مشروعاً القول "ان وضع قوى 14 آذار هو اليوم أفضل مما كان عليه في أي وقت مضى".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.