8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اللقاء الروحي وجّه "رسالة" الى الداخل والخارج بأنّ السلم الأهلي ليس مهدّداً

كان الحوار مطلباً، أصبح بعد "الأحد الأسود"، حاجة ملحة وضرورية وسريعة. والرئيس فؤاد السنيورة التقط بسرعة هذا التغيير في الأولويات، فعقد اللقاء الروحي الجامع في السرايا الحكومية لتوجيه "رسالة" واضحة ومباشرة وغنية بتعددية اطيافها، الى الداخل والخارج معاً، كما تقول اوساط مقربة منه. والخطوط العريضة لهذه "الرسالة" كما تقول المصادر نفسها هي: "ان ما جرى يوم الأحد الأسود في 5 شباط كان خطيراً ووقعت خلاله أغلاط كبيرة كما حدث تقصير. وأن اللبنانيين وعلى اختلاف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والسياسية والفكرية، يعرفون ذلك ويدركون ان عندهم مشكلة ولكنهم متضامنين لتجاوز هذه المشكلة التي واجهتهم، ولذلك يمكن استيعابها ومعالجتها. وأخيراً وليس آخراً أن السلم الأهلي ليس مهدداً وإنما هو بحاجة لتثبيت".
ولأن الخط المستقيم هو أقصر الخطوط، فإن الرئيس السنيورة، عمد بعد لقاء السراي الى ربط الداخل بالخارج، لأنه لا يمكن الفصل بينهما خاصة اذا كان هذا الخارج عربياً وسعودياً بالتحديد ويعمل لحل يبقى في مقدماته وأساسه التوصل الى الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. واستناداً الى مصادر مطلعة "فإن الرئيس السنيورة الذي يريد للحوار أن ينتج مفاعيل ايجابية أعدّ بدوره رداً مفصلاً على نقاط الورقة التي تضمنت الأفكار المتعلقة بالعلاقات السورية ­ اللبنانية".
تسريع الحوار
واذا كان من غير الممكن حالياً معرفة تفاصيل الرد الذي حمل الرئيس السنيورة على "الورقة" التي جرى تقديمها في السابق فإن الأمر المؤكد ان عملية تسريع الحوار الوطني "للخروج من المناخ السلبي الذي يعيشه لبنان" كما قال السيد حسن نصرالله بكلمته في ذكرى عاشوراء، تجري على نار حامية. فالأوساط القريبة من الرئيس نبيه بري، تردد بأنه ينوي الدعوة الى طاولة حوار مستديرة واسعة وشاملة في مطلع آذار المقبل على أبعد تقدير. وان الرئيس بري يعمل لأن يكون المشاركون من الصف الأول من جميع القوى السياسية أي سعد الحريري ووليد جنبلاط والسيد حسن نصرالله وسمير جعجع وميشال عون ونسيب لحود وغيرهم" والهدف من عقد طاولة الحوار على هذا المستوى كما تضيف المصادر نفسها "تسريع الحوار لأن لا أحد سيضطر للرجوع في حال عقده على مستوى الصف الثاني الى مرجعيته السياسية من أجل اتخاذ القرار المناسب المتعلق بأي نقطة خلافية ستطرح. الى جانب ذلك، فإن حواراً على هذا المستوى وطاولة واحدة وداخل المؤسسات الدستورية، يكسر جميع الحواجز النفسية والأهم يحرّم المحرمات وصولاً الى البناء على أرضية بلا ألغام موقوتة أو مستقبلية".
"أوراق عمل" مختلفة
ومن الطبيعي قبل أن يبدأ الحوار حول "طاولة مستديرة" أن يكون لكل طرف وانطلاقاً من موقعه وهمومه وأهدافه، "أجندة" خاصة به مفصلة على مقاس طموحاته وما يستطيع التفاهم عليه وما لا يستطلع التنازل عنه. ومن هنا فإن وجود "أوراق عمل" و"مشاريع مفصلة" كما أخذت بعض الأطراف ومنها النائب وليد جنبلاط في الاعلان عنه أكثر من ضرورية. ولكن رغم اختلاف "الأجندات" باختلاف الأطراف التي ستدعى وتشارك في الحوار، فإن محاوره تبدو واحدة تقريباً لأن تداعيات "زلزال" 14 شباط، ومن ثم "تسونامي" 14 آذار فرضتها. وهي ثلاث:
القرار 1559 وكيفية التعامل مع نقاطه التي لم تنفذ منه خاصة وأن القول بأنه نفّذ بالكامل مستحيل لأن الأخذ بذلك يعني التموضع في مواجهة المجتمع الدولي كله.
التحقيق الدولي للتوصل الى الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومعاقبة المحرضين والمخططين والمنفذين.
العلاقات السورية ­ اللبنانية، لأن في تحديد طبيعتها وشكلها ومضامينها يتم التأسيس عليها لبناء لبنان المستقبل.
الفصل بين "المسارين"
والمشكلة التي تتقدم حالياً في هذه المحاور، أن بعض القوى تريد الفصل بين "المسارين" اللذين ترى قوى 14 آذار انه لا يجب ولا يمكن الفصل بينهما: وهما التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومستقبل العلاقات بين سوريا ولبنان. وتقول مصادر مطلعة من قوى 14 آذار "انه لا يمكن احداث الفصل بين المسارين لأنه لا يمكن مساعدة متهم أو مشبوه بالمبدأ فكيف اذا كان هذا المتهم هو المعني بتحسين العلاقات معه. ثم ان الحقيقة متى ظهرت ستحدد الأحجام لأن تحديد هوية المحرض أو الفاعل أو المنفذ، ستكشف كل شيء. ومتى صدر القرار الاتهامي سيكون التعامل مع أي طرف استناداً لوقائعه واذا كانت دمشق هي الطرف المتهم كما تتوقع هذه المصادر فإن ذلك يصيغ معادلات جديدة في التعامل اما ان يتم منذ الآن فصل المسارين، فإن معنى ذلك بناء علاقات جديدة على أسس غير ثابتة".
حماية عربية ودولية للبنان
وفيما ترى أوساط لبنانية تريد نجاح المبادرة السعودية، خاصة بعد انشغال مصر بالملف الفلسطيني وتداعياته بعد فوز حماس بالانتخابات التشريعية ان الحوار مع سوريا يتطلب الفصل بين المسارين ولكن في الوقت نفسه يتوجب أيضاً حماية عربية ودولية للبنان. لأن لبنان هو الطرف الأضعف والمستهدف حالياً. ومن الواضح كما ترى مصادر لبنانية "ان جبهة القوى اللبنانية المتحالفة مع دمشق او المتعاملة معها متعددة وواسعة وهي تعتمد سياسة "حرب العصابات" أي الكرّ والفرّ واختيار النقاط الضعيفة لمهاجمتها والانسحاب والانكفاء والصمت في حالة الضعف".
ويرى سياسي ومفكر مخضرم "ان الحوار الداخلي يفرض أيضاً التعامل في وقت واحد مع الملف الخارجي والذي يشمل ايران وسوريا معاً"، والسؤال الواجب هنا هو الرد على سؤال مهم هل هما طرف خارجي فعلاً أم داخلي أم داخلي وخارجي معاً. ويتابع السياسي والمفكر المخضرم "باعتقادي انهما طرف داخلي وخارجي معا. والتعامل مع ايران يبقى أسهل من التعامل مع سوريا لأنها دولة كبرى اقليمياً لها استراتيجية مرسومة. أما العلاقة مع سوريا فإنها صعبة ومعقدة، فسوريا تنظر دائماً إلى لبنان ككيان مصنطع وغير نهائي وعلى أساس انه ضعيف لأن وطنيته ضعيفة. ولذلك يجب أن يبقى الحوار مع دمشق من نوع الحوار الدفاعي الايجابي والذكي".
"أجندة" السنيورة الواضحة
بدورها، فإن الأوساط القريبة من الرئيس فؤاد السنيورة ترى "ان لدى رئيس الحكومة "أجندة" واضحة وهي تقوم على أساس ان تحسين العلاقات مع دمشق يتطلب قيامها بتنفيذ قرارات ملحّة لبناء عوامل الثقة وهي ضبط السلاح خارج المخيمات الفلسطينية والعمل لازالته. ووقف تدفق الاسلحة الى لبنان عبر الحدود، والعمل على وقف آلة القتل في لبنان".
وهذا الحوار الوطني الملح، وان كان يجيب على القضايا والمشاكل التي طرحت بعد 14 شباط ومن ثم 14 آذار، فإن مصادر لبنانية ترى "ان المشكلة الحقيقية لا تكمن فقط في الاتفاق على اجابات واضحة للقضايا الثلاث الخلافية رغم الاجماع عليها وهي القرار 1559 والتحقيق والعلاقات مع دمشق. فالمطلوب هو العمل للاجابة على السؤال الكبير وهو أي لبنان مستقل وحر وسيّد نريد؟ ودون الاجابة على هذا السؤال الحقيقي تبقى الحلول كلها مؤقتة. ذلك ان صدور التقرير الاتهامي في نهاية التحقيق يعني نهاية الخلاف حول التحقيق لأن الحقيقة تكون قد ظهرت وعرفت ويجري البناء عليها ابتداء من المحكمة الدولية وانتهاء بصدور احكامها. وكذلك فإن القرار 1559 ورغم تعقيداته ستنتهي مفاعيله مع الاتفاق حول سلاح المقاومة ونزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وتنظيمه داخلها. وبدورها فإن العلاقات السورية ـ اللبنانية لا بد أن تبنى والبناء سيكون على أسس نتائج هذا التحقيق الدولي. لكن المشكلة هي في ان يجيب اللبنانيون ونهائياً على سؤال هو: أي وطن يريدون وأي استقلال ينشدونه وما هي الديموقراطية التي يريدون العمل بها لأن في هذه الاجابات نهاية للتداخل الحاصل بين الداخل اللبناني والخارج الاقليمي والدولي. فلبنان وإن لم يكن جزيرة فإنه يجب ألا يبقى مختبراً لهذا الطرف أو ذاك، ولا متراساً لأحد يستخدم أي طرف للاستقواء به".
قبل الدخول إلى "طاولة الحوار المستديرة" التي لا بد أن تنعقد عاجلاً أم آجلاً، من الطبيعي والضروري ان تستعد كل الأطراف للمواجهة الكبرى تحت سقف السلم الأهلي الثابت، ولذلك فإن جبهة قوى 14 آذار مطالبة كما يرى أحد أقطابها أكثر من أي وقت مضى بأن تعيد قراءة مسار العام الذي مضى مع الذكرى الأولى لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، مقدمة لصياغة خطة جديدة متكاملة في بنائها شكلاً ومضموناً واهدافاً، لأن الجبهة المناهضة لها تستجمع كل قواها حالياً. وبداية كل هذه الصياغة تكون في بناء "مطبخ" سياسي يعالج كل مشكلة على حدة، دون الوقوع في فخ الاجتماعات الحدثية اليومية.
الرئيس فؤاد السنيورة وضع "لُبنة" مهمة للحوار الوطني أساسها في "الاحجام عن استخدام اللغة المزدوجة، واحدة تخاطب بها جماعتها الخاصة وأخرى موجهة إلى سائر اللبنانيين".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00