8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

اختيار رئيس للجمهورية قوي يدعم الرئاسة ويحمي المقاومة وينهض بلبنان

التوافق والاتفاق على بعبدا ـ واحد، يفتحان الطريق إلى بعبدا ـ 2. والحل الذي حيك نسيجه بالحوار جعل من النائب القديم ـ الجديد بيار دكاش "همزة الوصل" في البرلمان، بدلاً من أن يكون "ذخيرة حية" الرابح فيها خاسر، لانها تبقى معركة فرعية وصغيرة أمام "أم المعارك" بعبدا ـ 2 التي يجب أن تنتهي بانتخاب رئيس للجمهورية يكون لكل اللبنانيين، و"قوياً" يستطيع النهوض بالوطن".
وهذا الاتفاق الذي أسقط مواجهة كانت ستفتح "خنادق" لا داعي لها، وتحرف الأنظار عن الهدف النهائي الذي بدأ مع "زلزال" 14 شباط وتأكد وتمحور في 14 آذار ببناء لبنان عربي حر وسيد مستقل، يعتبر إنجازاً مهماً حاول البعض إدخاله في خانة التنازلات الاضطرارية. ولا شك ان البطريرك مار نصرالله بطرس صفير قد لعب الدور الأول في التوصل إلى هذه النتيجة المرضية، لانه عرف منذ اللحظة الأولى أن الحرب حول بعبدا ـ واحد ستكون من "كيس" الموارنة، حتى وان كانت المواجهة بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي حامية.
توافق يلغي المعركة
واستناداً إلى أوساط مسيحية مطلعة أن بكركي أرادت منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الحشد للمواجهة في انتخابات فرعية لخلافة النائب الراحل ادمون نعيم التوصل إلى "توافق" لانها لا تريد معركة وانها تفضل حلاً سلمياً يرضي الطرفين أي الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون.
والآن فإن مسار التغيير الحقيقي الذي أعلن من ساحة الشهداء ـ الحرية في 14 شباط وهو استعادة قصر بعبدا من الرئيس الممدد له "بالإكراه" قد تجاوز حاجزاً مهماً، ولم يعد مضطراً للوقوف طويلاً أمام الإشارة الحمراء، التي كانت الاستعدادات من الطرف الآخر المعادي للتغيير تستعد لجعله توقفاً لا ينتهي إلا مع نهاية الولاية الرئاسية أي بعد عام ونصف، نتيجة للخلافات الفرعية.
ومسار التغيير أصبح محدداً للوصول إلى بعبدا ـ 2 وإنجاز المهمة في ثلاث تحركات متواكبة:
ضغط شعبي متحرك ومتعدد وسلمي.
تحرك نيابي داخل البرلمان عبر طرح مختلف الحلول الدستورية التي وان بدت للبعض صعبة جداً فإنها ليست مستحيلة. ذلك أن عقبة الحصول على الثلثين يمكن تجاوزها عبر تحويل الثلث المعطل إلى ثلث منتج ومثمر، نتيجة لبناء "جسور" الثقة المطلوبة، والاطمئنان بأن لبنان الجديد يقوم على قاعدة قديمة بأن لا أحد يعزل أحد ولا أحد يلغي أحد.
"رسائل" الحريري
ولا شك أن النائب سعد الحريري قد أعطى صيغة لذلك عبر التشديد على جملة نقاط تشكل في تجانسها وتكاملها خطة واضحة ورسائلها العديدة وجهت إلى مختلف القوى وعلى قاعدة ان مصلحة البلد أولاً لانها فوق مصالح جميع التيارات والاحزاب.
وفي هذه "الرسائل"، واحدة إلى حزب الله وحركة أمل، تقول ان اقالة إميل لحود هي مطلب شعبي ولا علاقة له بالقرار 1559 خاصة بعد أن جرى التسريب بأن الحزب والحركة يريان أن تغيير الرئيس هو خطوة على طريق تنفيذ القرار 1559، علماً ان رئيساً للجمهورية قوي هو الذي يستطيع حماية المقاومة كما يجب.
والثانية إلى الجسم المسيحي، بأن صلاحيات رئيس الجمهورية منصوص عليها في الدستور وفي اتفاق الطائف ولا أحد سيمسها. وبهذا المعنى فإن الرئاسة تكون موقعاً قوياً مع رئيس قوي وغير معزول.
أن اللبنانيين الذين لا يريدون اضاعة الوقت تساندهم حماسة غير مسبوقة من العرب والأوروبيين والأميركيين لمساعدة لبنان علماً اننا كلبنانيين نحن الذين سنختار رئيساً للجمهورية.
وهنا، يقع التلازم بين الداخل والخارج. فإذا كانت إرادة اللبنانيين في التغيير، قد أوصلت "رسالتها" بمليون توقيع في 14 آذار وجددته في 14 شباط، فإن التوافق الداخلي يجب أن يسنده توافق خارجي على دعم هذه "الرسالة" لإنجازها.
تحرك عربي مكثف
وبداية، فإن الدور العربي يبقى مهماً وفاعلاً لانه الدور الأقرب إلى لبنان، ويبدو استناداً إلى أوساط مطلعة، أن العواصم العربية قد تلقت بانتباه شديد رسالة 14 شباط الشعبية. ولذلك فإن التحركات العربية لتنفيذ أي مبادرة، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مضمون "الرسالة" اللبنانية. ولذلك فإنه جرى تكثيف الاتصالات والجهود خاصة السعودية والمصرية وايضاً السودانية ما عجل أكثر فأكثر في هذه التحركات، كما تضيف المصادر نفسها، أن العرب على موعد ملح لا يمكن إلا التعامل مع استحقاقاته وهو القمة العربية العادية التي ستعقد في 28 آذار المقبل في الخرطوم. وإذا كان جدول أعمال هذه القمة العادية لا يتضمن بحث الملف اللبناني إلا انه سيكون الملف الأكثر حضوراً في المناقشات العربية على مختلف الأصعدة الثنائية والمتعددة.
وتشدّد المصادر المطلعة، انه وان لم تتم صياغة مبادرة عربية حتى الآن تأخذ بعين الاعتبار الشعبي اللبناني الذي تجسد في 14 شباط حول إسقاط الرئيس إميل لحود، ولا في العثور على حل للعلاقات السورية ـ اللبنانية، إلا أن الدول العربية وخاصة الرياض والقاهرة تكثفان جهودهما لانه لا يمكن ترك الوضع في لبنان مفتوحاً على تفاعلاته وعلى كل النتائج التي لا يمكن حصرها داخل لبنان ولذلك لا يمكنها التغاضي عن المشكلة اللبنانية، خاصة وانها قد تتحول إلى مشكلة داخل القمة العربية، سواء من حيث تمثيل لبنان، خاصة وأن الرئيس الحالي إميل لحود ينوي المشاركة في القمة مع ما يترك ذلك من تعقيدات على طبيعة تشكل الوفد اللبناني وكلمته الرسمية ومواقفه في الملفات المطروحة وهذا مهم جداً في كيفية التعامل مع الوفد السوري الذي سيكون برئاسة الرئيس بشار الأسد.
وأمام هذه العقد ـ المشاكل، فإن الجهود العربية المكثفة خلال الفترة الفاصلة مع موعد القمة العربية، قد تنتج بصياغة مبادرة كاملة وواقعية تكون كما تؤكد المصادر المطلعة في إطار تفهم حقيقي لحاجات لبنان واللبنانيين للأمن والاستقرار والتغيير وفي الوقت نفسه منع إيذاء سوريا وسقوطها في الفوضى مع التأكيد على استمرار التحقيق الدولي إلى نهايته ومعاقبة الجناة.
الملاحقة الدولية للتحقيق وللتغيير
وفي الوقت نفسه فإن المجتمع الدولي بقطبيه الحاليين المهتمين بلبنان وهما باريس وواشنطن تتابعان عن قرب وبقوة تطورات الوضع في لبنان وعلى قاعدة ان لبنان يمر في مرحلة انتقالية وهذا يعني تفهم اوضاعه لأن لكل مرحلة انتقالية "شروطها وواجباتها ولا يمكن التغيير في اجندة الاستحقاقات ولا في استعجال ما لا يمكن استعجاله حتى لا يؤدي عدم الحل وعدم الاستقرار الى اطالة الفترة الانتقالية، وفي هذا الاطار فإن المجتمع الدولي وكما قالت كونداليزا رايس" ترى أن الرئاسة يجب أن تكون شيئاً يتطلع نحو المستقبل وليس الى الماضي" ما يعني مساندة مطلب جماهير 14 شباط في التغيير الرئاسي. ويبدو استناداً الى أوساط مطلعة في باريس فإن مسار التحقيق الدولي الذي يترأس لجنته القاضي سيرج براميرتز يسمح بملاحقة الوضع اللبناني عن كثب وخاصة بما يتعلق وقائع الموقف السوري من التحقيق وتعاونها مع اللجنة. كما ان القرار 1559 يشكل في النقطة الخامسة من البند الثاني "مفتاحاً" للدخول على خط دعم التغيير في لبنان، خاصة "وأن نصها واضح حول ضرورة انتخاب اللبنانيين رئيساً للجمهورية بإرادتهم دون ترهيب".
البطريرك مار نصر الله صفير وكما قال النائب سعد الحريري "موافق على اسقاط رئيس الجمهورية". والأوساط المسيحية ترى ان رسالة بكركي واضحة وهي "ان على الرئيس اميل لحود ان يتحمل مسؤولياته الوطنية"، بما يعني ضمناً دعوته للقبول بالاستقالة خاصة لان ضعفه هو اضعاف للرئاسة الأولى.
وبدوره فإن حزب الله "الذي هو حزب لبناني سينظر في النهاية الى مصلحة لبنان"، كما قال النائب سعد الحريري لا يمكنه الوقوف في وجه التغيير نتيجة لمخاوفه وحساسياته التي قد يكون بعضها مشروعاً. ولا شك ان بالحوار يمكن ازالتها خاصة متى كان وجهاً لوجه وعلى قاعدة اساسية هي بناء لبنان ـ الوطن وعدم بقائه لبنان ـ الساحة. ومما يعزز ذلك ان حزب الله وحركة أمل يعرفان من خلال قراءة الوضع العراقي ان التردد او التأخر في الصعود الى "قطار" التغيير يسحب مواقع عديدة منهما كما حصل مع السنّة في العراق الذين صعدوا متأخرين ويضطروه للقتال يومياً للحصول على مكسب جديد لهم كان حقاً مشروعاً في السابق.
ساعة الحقيقة دقّت. ولا بد من بعبدا ـ 2 و"ان طال السفر".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00