إجماع غير مسبوق، بين اللبنانيين من جهة والعرب والمجتمع الدولي من جهة أخرى على "عدم الرضى والقبول باستمرار الوضع في لبنان"، فهذا الوضع كما تجمع مصادر فرنسية وأميركية، يكاد يقذف لبنان ومعه المنطقة الى "قلب ثقب أسود" لا أحد يعرف تفاصيله وتطوراته وتفاعلاته ومفاعيله، خاصة في ظل ما يحصل حالياً في العراق، وما يحمله "الرقص الايراني" من مفاجآت على وقع المفاوضات حول الملف النووي.
وترجمة هذا الاجماع، يبرز حول كيفية النجاح في "أم المعارك" وهي بعبدا ـ2، باستعادة دمشق "لوديعتها" الكبيرة التي فرضتها في قرار التمديد بالإكراه، "دون تعريض الاستقرار لأي خطر" لأنه بالنسبة للجميع وخاصة باريس كما تشدد المصادر المطلعة فيها على "ان الاستقرار خط احمر لا يجب ان يخترقه أحد تحت طائلة المسؤولية الكاملة". واذا كان من فوارق أو تمايز حول صيغة الآلية التي يريدها هذا الطرف أو ذاك أو هذه العاصمة أو تلك في تحقيق ذلك، فإن هذا من طبيعة التعددية والديموقراطية التي يريد الجميع انت تظلل لبنان المستقل والسيد الحر.
الحوار وجهاً لوجه!
ولا شك أن الحوار تحت قبّة البرلمان الذي يعدّ له الرئيس نبيه بري، والذي يوحي كثيرون وخاصة الذين عايشوا وتابعوا "مؤتمر لوزان"، بأنه سيكون "لوزان ـ2" على أرض لبنان هذه المرة. وهو سيتيح كما خبر الرئيس بري في لوزان، الفرصة لمختلف "القوى والأطراف" بالحوار وجهاً لوجه مما يسمح لهم بتناول كل الملفات والقضايا والمشاكل بدون تحفظات ولا مخاوف من ترددات "الحوار" عبر الاعلام والمهرجانات على القواعد الشعبية المتوترة أصلاً بسبب دقة الأوضاع وتغيراتها.
ومن الطبيعي، انه مهما حاول اي طرف، بدفع الحوار بعيداً عن بعبدا ـ2، فإن كل الطرق ستؤدي اليها، ابتداء من النقاش حول القرار 1559 لأن انتخاب رئيس الجمهورية بدون ضغوط ولا ارهاب هو في قلب هذا القرار. وصولاً الى الحوار حول العلاقات السورية ـ اللبنانية، لأنه سيجر كل النقاشات حول مستقبل "الوديعة".
ويبدو جلياً، ان "عقدة العقد" هي في موقف "حزب الله" من بعبدا ـ2 خاصة انه ما زال يعتبره حسب مصادر الحزب الرئيس القانوني والدستوري رغم كل الملاحظات التي لدينا على طريقة التمديد التي جرت". وتصرّ هذه المصادر "ان هذه المساندة هي من باب الوفاء له أساساً ولأنه لم يرتكب خطأ استراتيجياً بحق المقاومة رغم ملاحظات عديدة على ادائه، وأخيراً لأن تنحيته تشكل بداية وليس نهاية لمسار طويل يتناول مستقبل المقاومة".
ورغم هذا "السقف العالي" في التعامل مع بعبدا ـ2 فإن أوساطاً متابعة لحزب الله، ترى "ان محور الحديث عن رئيس توافقي ينهي الأزمة ويفتح الباب نحو خروج لبنان من الحالة التي يعيشها خاصة في ظل التوترات الطائفية والمذهبية التي تحملها رياح الخماسين العراقية، يعني ان حزب الله مستعد لسماع الرأي الآخر والتعامل معه بواقعية".
"الواقعية" المنتجة
وهذه "الواقعية" التي ليست جديدة على مسار حزب الله في تعامله مع تطورات الوضع في لبنان، تستند الى نقطة اساسية لديه وهي مستقبل المقاومة في لبنان من جهة، وان لا يكون اسقاط النظام في دمشق "هماً" ولا "دوراً" للبنان فيه. في الوقت نفسه فإن قوى 14 آذار ترى "ان من مصلحة حزب الله العودة الى الاجماع اللبناني عبر الذهاب "بواقعيته" الى نهاية المسار السياسي الذي بدأ مع اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14 شباط وتأكد في 14 آذار. وتشدد قوى 14 آذار على ان لا أحد يريد التعامل مع سلاح المقاومة الا على أساس ان مهمة حله متروكة للبنانيين. والدليل ان النائب سعد الحريري حمل بتصميم وقوة وصلابة هذا الموقف الى مختلف العواصم التي زارها وخاصة واشنطن وباريس، وهو الذي حصل على ترك مهمة نقاش مستقبل هذا السلاح للبنانيين فترة طويلة".
وتشدد قوى 14 آذار، "ان المجتمع الدولي كان قد أخذ بالموقف الذي أراده اللبنانيون والذي تولى النائب سعد الحريري "المرافعة" عنه، لكن اصرار "حزب الله" على مطالبة مجلس الوزراء بإقرار ان المقاومة ليست ميليشيا"، هو الذي سلّط من جديد أضواء القرار 1559 عليه وعلى هذا السلاح. وأن الوقت لم يفت الآن للتعامل من خلال "الواقعية" التي عرف بها لحرف هذه الأضواء عنه عبر دفع كل الملف الى الدائرة اللبنانية المحمية من المجتمع الدولي الذي يقرّ على حماية السلم الأهلي وابقاء ثورة الأرز ثورة بيضاء لا تعرف اللون الأحمر الا في ظلال العلم اللبناني".
حرص عربي على تنفيذ القرارات الدولية
واذا كانت مواقف القوى اللبنانية على اختلاف توجهاتها وهمومها الذاتية والوطنية مهمة جداً للانتهاء من بعبداـ2 بأسرع ما يمكن، لفتح صفحة جديدة في عملية بناء "لبنان الجديد"، فإن ذلك يبقى بحاجة الى موقف عربي ودولي يدعمها ويحميها.
والهدوء العربي في التعامل مع الملف اللبناني حالياً، لا يعني ان العرب، وخاصة الرياض والقاهرة، قد فقدوا الرغبة والاهتمام والارادة في ملاحقة ما يجري، خاصة "ان ما يصيب لبنان يصيب المنطقة". ويبدو ان التحركات العربية ومنها ما تقوم به السودان التي ستستضيف القمة العربية المقبلة، ليس الا بداية عينية بنتائج التجارب السابقة، وقد يكون منها مد جولة الرئيس حسني مبارك الخليجية الى دمشق.
واستناداً الى مصدر عربي مطلع، فإن مختلف العواصم العربية متوافقة على ضرورة الحل، الذي يكمن في كيفية النجاح في فك الارتباط بين سوريا والقرار 1559 وهذه العملية تكون باقدام دمشق على "اثبات حسن نواياها، بالطلب من الرئيس اميل لحود الانسحاب من بعبدا بهدوء، خاصة أن الأزمة بدأت مع القرار الخاطئ بالتمديد له"، وذلك لبناء جسور الثقة مستقبلاً.
ومما يؤشر الى ذلك ان الضغوط على دمشق سواء من باريس أو واشنطن تتجه دائماً لتذكير دمشق بالثغرة المتعلقة بالانتخابات الرئاسية في القرار 1559، وبالتالي وجوب معالجتها عبر التحلل منها.
ويذكر هذا المصدر بالبيان الرسمي الذي صدر عقب اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي ووزير الخارجية الأميركية كونداليزا رايس قبل وصولها الى بيروت الذي اكد، "حرصهما على دعم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي للشعب اللبناني، والمحافظة على استقلال ووحدة لبنان وتماسكه. ومن أجل ذلك شدد الطرفان على ضرورة التزام الأطراف المعنية بقرارات مجلس الأمن الدولي رقم 1559 و1636 و1644 الخاص بلجنة التحقيق الدولية وبالتعاون التام مع اللجنة". ويشكل هذا التشديد على تنفيذ كل القرارات "دعوة واضحة لدمشق، بالدخول دون تردد على "مسار الحل" بما يضمن للبنان أمنه وحريته وسيادته واستقلاله. ولا تتعب باريس كما تؤكد مصادرها من التشديد في كل اتصالاتها الدورية مع واشنطن لدفعها باتجاه العمل معها بقوة لإخراج لبنان من وضعه وان عملية الدفع هذه تتم من خلال التركيز على ضرورة عدم ربط حل الحلف اللبناني بباقي ملفات المنطقة.
باريس ولبنان أولاً
أما باريس فإن ما يعنيها هو لبنان أولاً وأخيراً. ولذلك تشدد كما أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية، بأن عملها يهدف الى وضع حد للتدخلات الخارجية في هذه البلاد والسماح للبنانيين باستعادة سيادتهم الكاملة واستقلالهم بناء على القرار 1559". وتشير مصادر فرنسية مطلعة "ان فرنسا تقدر المخاوف العربية حول الاستقرار في المنطقة ولذلك تدعو الى اختيار خلَف للحود بالتوافق، لأنها مهتمة أيضاً بموقع الرئاسة في لبنان بعكس ما يوحي به قصر بعبدا ولذلك تريد ان يكون موقعاً لكل اللبنانيين ومتوافقاً ومدعوماً من كل اللبنانيين وليس كما هو حالياً من دمشق وطهران وحزب الله فقط".
واستناداً الى هذا الاهتمام الفرنسي الدائم، فإن باريس وكما تقول أوساطها ترى "أن دمشق ستبقى تحت الضغوط مهما شعرت أنها حققت بعض النقاط في المواجهة في العراق أو فلسطين كما توحي، والدليل ان لدمشق موعداً جديداً مع سيرج براميرتز في 15 آذار، وآخر في حزيران عندما سيقدم تقريره الدوري. وبهذا الاطار فإنها ستبقى تحت الأضواء والمتابعة الدولية في حال عدم تجاوبها مزيداً من القرارات التي سيكون آخر المطاف بها استعمال البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة المتعلق بالارهاب.
بدورها فإن واشنطن التي لديها ملفات كثيرة في المنطقة، ترى في "ثورة الأرز" علامة مضيئة للديموقراطية وهي ترغب وتعمل لأن تبقى غير ملوثة بدماء الصدامات. وهي أكدت في كل مرة سنحت لها الفرصة "على عدم اعترافها بشرعية إميل لحود. واستثناؤه من جولة كوندليزا رايس كان توقيعاً اضافياً على هذا الموقف. وقد أبلغت رايس بيروت "أن لبنان سيلمس بنفسه كم ان واشنطن مهتمة به وأنها تقف الى جانبه". ولذلك فإن واشنطن ومعها باريس وهما تدعمان الوفاق اللبناني المؤدي الى استعادة بعبدا وبناء لبنان الجديد، تعملان بجد لمساعدة لبنان اقتصادياً، عبر تحريك عقد بيروت ـ1، ومما يدعم هذا الموقف ان الرئيس جاك شيراك الذي يعرف تفاصيل الوضع الاقتصادي اللبناني بدقة لأنه تابع وساهم في انعقاد باريس ـ1 وباريس ـ2، يذكّر دائماً نظيره الرئيس جورج بوش بضرورة الاسهام بسرعة في تنفيذ هذه الخطوة الملحة بمجرد جلاء الوضع".
"صفارة" الانطلاق لإنجاز "تحرير" بعبدا من "وديعة" دمشق قد بدأت، بتوافق لبناني رغم التمايز والمطالب، وبموقف داعم لذلك من المجتمع الدولي والأسرة العربية تحت سقف عدم تعريض المنطقة لعدم الاستقرار. ولذلك لا لمصلحة لأحد من الأفرقاء اللبنانيين من "الاصطدام"، بهذا الاجماع، مثلما أن لا أحد أيضاً له مصلحة بدفع أي طرف للشعور بالعزلة والهزيمة مع انتهاء "أم المعارك".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.