8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لا عودة للبنان إلى الوراء والحوار مستمر في موازاة تقرير براميرتس الأولي

رغم "القصف" الخارجي، و"المناوشات" الداخلية المحدودة، فإن "فشل مؤتمر الحوار ممنوع"، لأنه أولاً لا أحد يريد فشل المؤتمر، وحتى لو أراد افتراض أي طرف ذلك، فإنه ليس بقدرته تحمّل مسؤولية هذا الفشل أمام اللبنانيين أولاً وأمام العرب والعالم ثانياً. ومن الطبيعي ان الرئيس نبيه برّي الذي نجح في عقد المؤتمر أولاً، وفي دفعه باتجاه مسار إيجابي ثانياً، وفي منع انفجاره ثالثاً، يستثمر نجاحه من ذاكرته الغنية بوقائع مؤتمر لوزان، للوصول بالمؤتمر إلى النهايات السعيدة التي يتوقعها اللبنانيون منه ويرغب العالم بها. فلبنان الذي صبر حوالي خمس سنوات بعد مؤتمر لوزان وسط النار والدمار حتى ينعقد مؤتمر الطائف ليجد خلاصه، لا يمكنه اليوم انتظار ولو خمسة أسابيع اضافية ليرى الدخان الأبيض، إن بسبب استمرار "الهزات الارتدادية" بعد "زلزال" 14 شباط الكبير، لأن العرب لا يريدون ان يبقى لبنان في "عين الاعصار"، لأن أخطار العدوى مفتوحة وتبادلية، وأخيراً لأن العالم وتحديداً واشنطن وباريس يرى في انجاح "ثورة الأرز" ولأسباب احياناً متقاطعة وأحياناً أخرى مختلفة ومتباعدة، "هدفاً مطلوباً وضرورياً وملحاً، خاصة وأن زمن منح "الجوائز" الصغيرة أو الكبيرة لدمشق قد انتهى".
قطب الاعتدال
ولا شك ان الاعتدال والقبول بتقديم تنازلات معقولة، يفتح الباب نحو النجاح ومن الواضح الآن ان اليقين بضرورة نجاح مؤتمر الحوار رغم تعليق أعماله لأيام اقترن وبسرعة ودون تحفظ من مختلف الأطراف بأن النائب سعد الحريري أصبح يشبه "حقلاً مغناطيسياً يجذب الاعتدال وقواه إلى قلبه" مؤكداً بذلك أمانته للارث الكبير والغني الذي حمله اياه الرئيس الشهيد رفيق الحريري "عمود خيمة" الاعتدال في لبنان والمنطقة.
ومن الطبيعي أيضاً انه مهما كان الحوار في البرلمان لبنانياً مئة بالمئة، ومهما كانت الرغبات العربية والدولية "بترك اللبنانيين يعالجون قضاياهم بأنفسهم"، كما قال الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، أو كما قال السفير المصري حسين ضرار "ان الحوار دائر بين أهل البيت فهل يمكن لأحد أن يدخل؟". فالواقع يؤشر إلى ان كل "العيون" مفتوحة على التفاصيل الصغيرة لكل المحاولات الجارية للاجابة على الأسئلة الكبيرة المطروحة على طاولة الحوار. والسؤال المطروح في مواجهة هذه "العيون" العربية كما تقول أوساط مطلعة هو معرفة ماذا تتوقع هذه القوى من هذا المؤتمر: هل تريده حلقة من مبادرة كبيرة مرسومة في عواصم "المربع" الذي يوجد في وسطه لبنان وفي الرياض والقاهرة وباريس وواشنطن، أو مقدمة لفتح باب لمبادرة مطبوخة على النار اللبنانية بحيث تضمن للبنان حلولاً نهائية مقبولة وضامنة لحقوق جميع القوى ومزيلة لمخاوف الأطراف خاصة وأن كل الحروب تتأسس على زغل هذه المخاوف؟
المصادر المطلعة الفرنسية والعربية في باريس، ترى أن زيارة الرئيس جاك شيراك إلى المملكة العربية السعودية، قد حققت التطابق في الموقف من لبنان ومستقبله، وأن أي اختلاف في طبيعة الآلية المؤدية لترجمة هذا الموقف، أصبح محدوداً لأن ليس لدى باريس أجندة مخفية غير تحقيق واستقلال وسيادة وأمن واستقرار لبنان. ولذلك فإن باريس والرياض مستعدتان "للتجاوب مع أي طلب للبنانيين لمساعدتهم بأي نوع من المبادرات".
خطاب شيراك الملزم
وتضيف تلك المصادر أنه يجب النظر إلى الموقف الفرنسي نهائياً وبدون اضافات ولا تفسيرات جانبية على قاعدة خطاب الرئيس جاك شيراك أمام مجلس الشورى السعودي الذي يعتبر ديبلوماسياً بياناً نصه ملزم لأي تحرك مستقبلي"، ولذلك ربط الرئيس الفرنسي بين الحقيقة والعدالة واعتبرهما ضروريتان لاستعادة الثقة اللازمة لبناء مستقبل يضمن للبنان البلد المعذب استقلاله ووحدته وسيادته. أما بالنسبة لسوريا التي من حقها أن تحافظ على مصالحها الأمنية فإن عليها ان تأخذ بعين الاعتبار تطلعات الشعب اللبناني ولذلك عليها ان تغير تصرفاتها".
وفي هذا الإطار تقول المصادر نفسها، انه إذا كانت باريس تنفي التهديد بسقوط النظام السوري فإنها تريد أن يقوم النظام في دمشق بخطوات محددة على الصعيد السياسي حيال لبنان ومساره الديموقراطي. ولذلك فإن المصادر نفسها ترى أن أي كلام عن صفقات جانبية على ظهر استقلال وسيادة وأمن لبنان مرفوض ويدخل في إطار التعارض مع السياسة المطلوبة. ولهذا ايضاً فإن الكلام عن زيارة للواء آصف شوكت صهر الرئيس بشارالأسد إلى باريس ولقائه بالرئيس جاك شيراك قبل زيارته للسعودية لا صحة له مطلقاً. وفي الإطار نفسه فإن باريس وان كانت ترحب بأي مبادرة عربية باتجاه لبنان لمساعدته ولتطبيع العلاقات بينه وبين سوريا، فإنها تشدّد على ضرورة قيام دمشق بخطوات محددة حيال لبنان ومساره الديموقراطي لا أن تستمر في جعله يرقص دائماً على وقع القلق والخوف من عدم الاستقرار الأمني والأخطار غير المحسوبة.
لا عودة إلى الوراء
وتؤكد المصادر المطلعة في باريس بأن القناعة لديها أي مبادرة يجب أن تقوم على أساس ان لا مجال للعودة إلى الوراء وأن استمرار الرئيس إميل لحود في الرئاسة لا يريده أحد هذا الأمر متفق عليه مع واشنطن التي ترى أن إنهاء ولاية الرئيس إميل لحود أصبح أمراً ملحاً وشرطاً ضرورياً لأن أي تغيير ايجابي في لبنان وفي اطار المستقبل المنظور يجب أن يتم بدون أن يتعرض الاستقرار والأمن لأي اهتزاز.
وترى الأوساط المطلعة في باريس، ان أي أفكار مستقبلية حول لبنان وعلاقاته مع دمشق يجب ألا يكون لها تداعيات أمنية على الأرض. وذلك لأن سوريا دولة شديدة المركزية في حين ان لبنان دولة تشكل من جديد تحت ظلال "ثورة الأرز"، ويلزمها فترة زمنية مهمة حتى يمكنها استكمال جميع حاجاتها وضروراتها الذاتية بما فيها وحدانية القرار وعملية تنفيذه.
أجندة طبيعية
الى جانب ذلك فإن مسألة التطبيق الكامل لقرارات مجلس الزمن هو موضع تصميم كامل وموحد بين عواصم "المربع" العربي والدولي. ويقول مسؤول لبناني اطلع مؤخراً على موقف باريس، "ان ترك مسألة تنفيذ القرار 1559 للبنانيين، يتم الآن بناء على قناعة ان اجندة نجاح "ثورة الأرز"، قد فرضت نفسها. فالقضية الملحة الآن هي إنهاء ولاية الرئيس لحود ثم انتخاب رئيس جديد يكون مارونياً مقبولاً من المسيحيين، ولبنانياً بالممارسة وعربياً بالانتماء. ومن ثم عقد مؤتمر بيروت ـ واحد الضروري والملح لمساعدة لبنان للخروج من أزمته الاقتصادية الصعبة، ثم الانتهاء من ملف ترسيم الحدود مع سوريا بما يضمن حل اشكال السيادة على مزارع شبعا التي تشكل عقدة الفصل والربط بين مختلف الملفات، وأيضاً الانتهاء من ملف السلاح الفلسطيني سواء نزعه خارج المخيمات او تنظيمه داخل المخيمات وأخيراً حل قضية سلاح المقاومة بكل ما يتطلب ذلك من حلول سياسية ودفاعية وأمنية".
ويبدو انه لا يكفي القول دائماً بتداخل كل ما هو لبناني مع الخارج بطريقة طبيعية، فإن صدف التوقيت تأتي لتؤكد مرة اخرى حتمية هذه العلاقة، ذلك ان عودة الاطراف الى الحوار تحت قبّة البرلمان يوم الاثنين المقبل ستأتي على وقع حيثيات وتفاصيل التقرير الأولي لسيرج براميرتس في 15 الشهر الجاري ولا بد ان يكون لهذا التقرير "ارتدادات" مهمة ومؤثرة داخل قاعة الحوار وفي الخارج بالنسبة لدمشق ولعواصم "المربع" الخاص للبنان. الى جانب ذلك فإن اقتراب صدور قرار تشكيل المحكمة الدولية لتحقيق العدالة بعد الكشف عن الحقيقة الحل، يؤكد من جديد استمرار ربط خلاص لبنان بمعاقبة الجناة.
عودة الجميع الى طاولة الحوار مطلوبة لبنانياً وعربياً ودولياً، وانطلاقاً من نقاط الاتفاق للتأسيس عليها. أما مسألة تشكل مبادرة عربية مواكبة للحوار او ما بعده، فإن "خريطتها" أصبحت واضحة، وبذلك فإن لبنان لن يكون مرة أخرى في "عين الاعصار".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00