8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

زيارة السنيورة الى دمشق تتطلب تحضيراً مدعوماً عربياً لإعادة تأسيس العلاقات المشتركة

زيارة الرئيس فؤاد السنيورة الى دمشق، "ليست على نار حامية"، هذا ما تؤكده مصادر مطلعة، التي تضيف: "أن عدم الاسراع في اتمام الزيارة، هو لاستبعاد التسرع وليس رغبة بالتأجيل أو المماطلة، ذلك أن هذه الزيارة متى تمت يجب أن يكون نجاحها مضموناً، لأنها ليست لقاء مجاملات أو من نوع "تبويس اللحى". فهي وبعد زلزال 14 شباط 2005، فإن مباحثاتها ستشكل اعادة تأسيس للعلاقات اللبنانية ­ السورية تحت بند لبناني واضح وهو ان لبنان لن يكون ممراً ولا مقراً لأحد بما فيها سوريا". وتشدد المصادر نفسها: "اذن من الطبيعي أن يتم التحضير للقاء القمة اللبنانية ـ السورية بعناية شديدة وبناء على جدول واضح ومحدد للملفات العالقة وهي بمجملها مستقبلية ومصيرية".
والتحضير للقاء القمة اللبناني ـ السوري، يتطلب اساساً "مساهمة عربية تفتح الطريق أمامه وتزيل الالغام، وتصيغ ضمانات لا تكتفي بنجاح مؤقت، وانما تخلق حالة تنتج استقراراً عميقاً قإئماً على خريطة طريق كاملة ومتكاملة. وتشير المصادر نفسها الى "أن المباحثات اللبنانية ـ السورية، وعلى مستوى القمة تفرضها مجموعة من النقاط والملفات التي طرحت على طاولة الحوار في البرلمان، والتي جاءت تفاصيلها لتؤكد مرة بعد مرة، حجم الدور السوري فيها ان من حيث تعقيداتها او من حيث الحلول المطلوبة لها. ومن ذلك:
السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وهو مسؤولية سورية اساساً. لأنه ملك لمنظمات مقطوعة الجذور الشعبية فلسطينياً منذ حصار أبو عمار في طرابلس وافتعال انقسام حركة فتح تحت بند الانتفاضة. هذا دون الدخول في تفاصيل تشكل الجهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ القيادة العامة وبقاؤها على قيد الحياة عبر الوريد السوري والوجود في قاعدة الناعمة وأنفاقها.
تهريب السلاح عبر الحدود اللبنانية ـ السورية، بكل ما يعني من ذلك من تخزين لوسائل الشر والاقتتال في داخل لبنان.
ضبط الوضع الأمني، والعمل على وقف آلة القتل سواء كانت مضبطة الاتهام مباشرة أو بالتحريض والتوجيه.
الحصول على الوثائق اللازمة التي تحدد مزارع شبعا، وتثبت أمام المجتمع الدولي ملكية لبنان لها على طريق تحريرها. ذلك أن مزارع شبعا وان كانت ملكيتها لبنانية فانها أمام المجتمع الدولي تبقى مثل حالة مالك الشقة الذي ليس بحوزته "السند الأخضر".
اقامة العلاقات الديبلوماسية بين دمشق وبيروت وهو أمر يفرضه مسار العلاقات بعد الخروج السوري العسكري من لبنان، الذي أنهى حكم "القناصل" سواء من عنجر أو في بيروت.
ثوابت مؤتمر الحوار
ولا شك، أن الرئيس فؤاد السنيورة الدقيق في حساباته ومواقفه دقته في التعامل مع الأرقام، سيذهب الى دمشق متى دقت ساعة العمل، وهو يستند الى جملة ثوابت اكدها مؤتمر الحوار في ساحة النجمة، الذي تم بين شركاء وان كانوا مختلفين في الرأي. وأبرز ما في هذه الثوابت كما يقول مصدر تابع تفاصيل المؤتمر: ان لبنانية المؤتمر ونتائجه أسقطت عملياً محاولة خلخلة التماسك الداخلي. وأكدت وحدة اللبنانيين، وأنهت القول بالعمل لفصل لبنان عن سوريا ومحاصرتها. وأن حضانة المربع العربي ـ الغربي المشكل من الرياض والقاهرة وباريس وواشنطن هي حضانة منتجة للبنانيين وليست وصاية لقاصرين عن ادارة شؤونهم كما كان الحال في السابق.
ومن الواضح ان اللبنانيين على اختلاف مواقفهم، برزوا متحدين ومتضامنين في نواياهم وارداتهم الطيبة والايجابية والعملية باتجاه "اقامة علاقات سليمة" مع سوريا. ولذلك كما يوصف مصدر سياسي واقعي فان الكرة الآن في ملعب دمشق ولذا من الطبيعي أن يلعب "الحاضن" العربي، دور المستطلع والمحفز مع دمشق بانتظار تبلور الأوضاع والمواقف، والتأكد من أن أي مبادرة عربية مقبلة لا بد ان تنجح. ولا شك ان هذا النجاح لا يمكن أن ينجر بدون استيعاب كامل من دمشق وأن علاقات أخوية ودائمة لا يمكن أن تبنى على شعور بالاستقواء بسبب حصول تحول في موازين القوى نتيجة لتطورات عربية ودولية. وان ذلك يمنحها الحق في فرض ارادتها أو حتى البناء عليه ولو على قاعدة حق الفيتو هنا أو هناك. فالتحولات قابلة للتحول خاصة في منطقة مثل منطقة الشرق الأوسط حيث الصورة الاقليمية تتغير وتتطور وتنقلب بسرعة قياسية.
دمشق: اجادة القراءة
ومن مبادئ التعامل مع المتغيرات، اجادة القراءة بعقلانية وبعيداً عن الموقف من الطرف الآخر، ولذلك فان على دمشق كما يشدد مصدر مطلع في باريس، أن تحسن قراءة تقرير القاضي سيرج براميرتس، حتى لا تقع في الاخطاء التي وقعت فيها نتيجة لسوء قراءتها للقرار 1559. وهي وبعد أن اعترفت بمهنية براميرتس بعد أن أكد على اقدام دمشق على "خطوات مشجعة في تعاونها مع لجنة التحقيق الدولية المكلفة بالتحقيق في جريمة اغتيال (الرئيس الشهيد رفيق الحريري)، فان المطلوب وكما اشار الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسية جان باتيست ماتيي "اننا ننتظر من سوريا الآن ان تترجم هذا الموقف الى خطوات ملموسة بالرد سريعاً على مطالب اللجنة كما طالبتها القرارات الدولية".
ويرى مصدر قانوني متابع أن اعلان براميرتس في تقريره عن "التعاون السوري"، هو "الشجرة التي تخفي غابة" من المطالب الملزمة، وحيث كل مطلب فيها يشكل امتحاناً نافذ النتائج والمفاعيل". وفي قراءة دقيقة للتقرير يقول المصدر، ان البند التاسع في التقرير يؤكد على أنه "سيتم اختبار صدقية هذا التفاهم في الأشهر القليلة المقبلة". وترجمة هذا أن كل اجراء هو اختبار عملي ومباشر امام المجتمع الدولي ينتج مواقف وقرارات لاحقة". ويتابع المصدر "أن مطالب اللجنة المبنية على القرارين 1595 و1636 محددة وصعبة وتكفي العودة الى البند 93 من التقرير للتأكد من أن المهنية القضائية العالية لبراميرتس المعترف بها من دمشق تجعلها في وضع صعب لا تحسد عليه. فالمطلوب "النفاذ الكامل والمباشر من دون أية عراقيل الى الوثائق والمنشآت والمواقع بحضور اعضاء اللجنة الرسميين". كما أن البند 95 يؤكد على حق اللجنة في استجواب أي مسؤول سوري، وتؤشر في الوقت نفسه الى لقاء مع الرئيس السوري ونائبه في الشهر المقبل".
والسؤال الآن ماذا لو طلب القاضي براميرتس وبكل ما عرف عنه من "مهنية وحيادية" معترف بها، الدخول الى مقر من مقرات الاستخبارات العسكرية والاطلاع على ارشيفه المخزن في الحواسيب الالكترونية أو غيرها. هذا عدا أن "اللقاء" مع الرئيس بشار الأسد، يؤدي عملياً الى سقوط الحصانة عن أي مسؤول آخر ويجعل من استجوابه أمراً اجرائياً عادياً وهذا كله باختصار يعني حسب المصدر المطلع في باريس، وضع دمشق تحت الاضواء والمتابعة الدقيقة لكل أفعالها وممارساتها وردود فعلها على المطالب المستحقة عليها.
العمل العربي لإنضاج الوضع
من الصحيح القول انه لا توجد حتى الآن مبادرة عربية باتجاه بيروت ودمشق، ولكن من الدقة أيضاً القول إن الرياض والقاهرة تعملان بحرارة وتصميم لانضاج الوضع وتأهيله للنجاح. وإلى جانب التحركات الديبلوماسية المتلاحقة بين بيروت والرياض والقاهرة، فإن الكلام عن زيارة لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل إلى دمشق خلال عطلة هذا الأسبوع تعني أن لا شيء متروكاً لعبث المتغيرات والتحولات.
العالم العربي كله على موعد لا يمكن التعامي عنه وهو انعقاد القمة العربية في الخرطوم في 28 من الشهر الجاري. ولذلك فإن الدول العربية وخاصة الرياض والقاهرة لا يمكنهما الدخول إلى القمة وهي غارقة في مأزق أكثر تعقيداً من الملفات المطروحة أمامها ابتداءً من العراق وصولاً إلى فلسطين. وهذا المأزق كما يقول مصدر مطلع، "ما العمل إذا لم يرافق الرئيس فؤاد السنيورة وهو أمر منطقي، رئيس الجمهورية إميل لحود إلى القمة وما هي مفاعيل اجتماعاته ومواقفه مع القادة الذين سيلتقيهم اثناء أعمال القمة، وهو الذي فقد شرعيته الشعبية أولاً، وخسر القبول الدولي بعد ان قاطعه مختلف المسؤولين الدوليين الذين زاروا لبنان والديبلوماسيين المقيمين ثانياً، وتالياً ان توافقاً لبنانياً كاملاً قد وقع بين مختلف الفرقاء المشاركين في مؤتمر الحوار بأن رئاسة الجمهورية اصبحت مشكلة يجب حلّها لأن ذلك يشكل أمراً ملحاً وشرطاً ضرورياً لأي تغيرات سياسية ايجابية في المستقبل المنظور وهذا يعني ان الباب قد فتح باتجاه تسريع المشاورات لاختيار رئيس جديد للجمهورية مقبولاً من البطريرك صفير، ولبناني مئة في المئة بموافقه وعربياً في توجهاته.
جميع التطورات الحاصلة تؤشر الى ان لبنان الذي دخل عين الاعصار في 14 شباط 2005، اصبح على موعد حقيقي مع التغيير والصعود في "القطار السريع" الذي ليس المهم فيه ان تكون عربته مريحة فقط وانما المهم جداً فيه ان وجهته متفق عليها لبنانياً مئة في المئة.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00