هوة كبيرة وعميقة تفصل بين "هجمة الربيع" التي أطلقها الرئيس إميل لحود، وبين الإرادات اللبنانية والعربية والدولية "بضرورة استمرار الأجواء الإيجابية التي أطلقها مؤتمر الحوار في البرلمان والعمل على استثمارها للتوصل إلى حلول للملفات المتبقية". ذلك أن "هجمة الربيع" تعمدت إلقاء "قنابل حرارية" على طاولة الحوار المقررة غداً الاربعاء "لحرف الحوار في الملفين المطروحين وهما: رئاسة الجمهورية وسلاح المقاومة"، بحيث يتوقف هذا الحوار وهو وسط حقلين من الألغام لا يمكن الخروج منهما بدون خسائر جسيمة.
لكن هذه "الهجمة" وكما يصفها مصدر متابع تبدو "آحادية وبدون مساعدة عملانية"، مما يؤكد أن القصف الذي وقع من بعبدا، لن يتبعه أي "هجوم بري" "فجنرال" بعبدا أصبح قائداً بلا جنود، فما حصل كما يقول مصدر مطلع من أجواء 8 آذار "أن لحود قام بهجوم وقائي لاثبات وجوده، قبل ذهابه إلى قمة الخرطوم العربية". ولذلك كما يضيف هذا المصدر، "فإن الحوار يوم الاربعاء سيستأنف انطلاقاً من النقطة التي توقف عندها للبناء على نتائجها الإيجابية وليس لمناقشة الملفات استناداً إلى حيثيات هجمة الربيع".
"آلية تسير إلى الأمام"
وهذا الموقف الذي يبدو "حزب الله" و"حركة أمل" في قلبه، يعود كما يشدّد مصدر مطلع، إلى إدراك عميق بأن حصيلة الجولات السابقة كانت إيجابية، ولا شيء يدعو إلىِ تضييع هذه الفرصة المهمة والاستثنائية من تاريخ لبنان، بسبب "هجوم وقائي أسبابه معروفة".
ولذلك تشدّد مصادر في حزب الله على "ان المرحلة المقبلة ستشهد المزيد من الانفراجات داخلياً". ولعل التوصيف الذي أطلقه تيري رود لارسن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان قبل وصوله إلى بيروت قبل نهاية الأسبوع الحالي يؤكد كل ذلك فبعد ان أشار إلى ان جلسات الحوار التي ستبدأ غداً ستناقش الموضوعات السياسية الأكثر صعوبة فإن ثمة آلية تسير إلى الأمام". وهذه "الآلية" مختصرة بما كان الرئيس جاك شيراك قد قاله سابقاً "لا تتركوا الحوار دون نتائج مهما كانت هذه النتائج ومهما كانت الصعوبات" مشدّداً مرة أخرى على "ان الحوار الوطني الذي جرى لأول مرة من غير وصاية أجنبية ينتج شيئاً فشيئاً إعادة الوحدة الكاملة إلى كل اللبنانيين".
ولا شك أن عملية "تحصين" واسعة عربية ودولية خاصة من دول "المربع" الذي يضم الرياض والقاهرة وباريس وواشنطن تجري يومياً لكي يتجاوز اللبنانيون كل الصعوبات والمناورات وجميع أنواع الهجوم الوقائية والمضادة وحتى الاختراقية وذلك لأسباب تتصل بواقع الوضع في الشرق الأوسط.
وتقول مصادر مطلعة في باريس تابعت لقاء القمة بين الرئيس جاك شيراك والملك عبدالله الثاني، إن لبنان وعلاقات لبنان وسوريا كانت في صلب المحادثات، وإن خطورة الوضع في المنطقة التي تدفع باتجاه واضح وهو أن لا أحد في ملجأ مما يحصل، أو كما يقول المثل الشعبي "لا أحد فوق رأسه خيمة إذا ما هبت رياح "العرقنة" خارج حدود العراق، ولذلك فإن تحصين لبنان الذي ما زال يحبو ولم تكتمل عوامل بنائه وقوته التي بدأت وتمت مع "ثورة الأرز"، هو واجب يقع على الجميع.
النجاح في ابعاد الخطر عن لبنان ممكن عبر انجاح مؤتمر الحوار اللبناني اللبناني، لكن دون التدخل في تفاصيله. إذ من الضروري والواجب ان لا يكون هذا التحصين أكثر من "رعاية إيجابية" خاصة وأن الجميع لا يريد في أي لحظة من اللحظات أن تقع شبهة وصاية اسقطها اللبنانيون في "ثورة الأرز".
مطلوب موقف لبناني موحد
ومن الجوهري جداً ان يبادل اللبنانيون عبر ممثليهم في الحوار الجاري تحت قبة البرلمان رمز السلطة التشريعية الناتجة من الخيار الشعبي المباشر، هذه الرعاية العربية والدولية بمجهود أكبر للتوصل إلى موقف موحد يتقاطع معها وهذا ما عبّر عنه الرئيس فؤاد السنيورة الذي قال "قبل ان نتقدم من العالم يجب أن نحمل موقفاً لبنانياً موحداً وفي صلب هذا الموقف الموحد ودائماً كما يقول السنيورة القبول بأن التغيير يعني تقديم تنازلات عن مكتسبات معينة".
ولان هذه "الرعاية" العربية والدولية قائمة ومتابعة، فإن تواصل الحوار على فترات زمنية غير متواصلة أي مع فترات توقف يجب ألا يدفع إلى التشاؤم والخوف من هذه "الهجمة" أو تلك. ومن ذلك ان جلسة الحوار غداً على موعد مع عودة الرئيس فؤاد السنيورة من اجتماعه مع وزراء 25 دولة اوروبية وهو استثناء سياسي وديبلوماسي مميز ومهم جداً. ومن ثم يقع استحقاق القمة العربية والأجواء المحيطة بها من حيث تمثيل لبنان وطبيعته وخاصة أن الرئيس السنيورة لم يحسم بعد مسألة مشاركته في القمة. ولا شك ان القمة العربية في الخرطوم سواء في اجتماعاتها الواسعة أو اللقاءات الثنائية والمتعددة التي ستعقد، ستشهد وبوجود سوريا، تكثيفاً حقيقياً لمعالجة الملف اللبناني ـ السوري.
ثوابت العلاقات السورية ـ اللبنانية
وفي اطار من عملية تناغم في التحركات العربية والدولية، عمد الرئيس جاك شيراك وبحضور الملك عبدالله الثاني إلى وضع النقاط على الحروف بما يتعلق بطبيعة وأفق العلاقات اللبنانية ـ السورية ودائماً على قاعدة تحصين لبنان في مواجهة الرياح الساخنة التي تهب على منطقة الشرق الأوسط. وقد وضع شيراك ثوابت محددة لهذه العلاقات التي يجب أن تطبع بأسرع وقت ممكن. وأول شروط عملية بنائها "توافر حد أدنى من الثقة، وثانيها ان تستطيع الحكومة اللبنانية أن تحكم حقيقة وثالثها ان لا تتدخل المخابرات السورية في لبنان ورابعها ان تطبق قرارات مجلس الأمن وخصوصاً القرار 1559". وإذا كانت عملية تطبيع العلاقات السورية ـ اللبنانية مهمة فإن الرئيس الفرنسي يقرر "اننا ما زلنا بعيدين عن تنفيذ كل ذلك".
صعوبة تطبيع العلاقات اللبنانية ـ السورية، بكل مفاعيلها على الأجواء اللبنانية، والتي يمكن ان تنسحب في ظروف معينة وفي توقيت غير متوقع مزيداً من التصعيد السياسي والأمني، يجب أن يسرع بخروج المحاورين الذين كسروا حتى الآن جميع المحرجات في نقاشاتهم بنتائج مطلوبة وملحة وسريعة لأن أي تأخير في الخروج باتفاقات واضحة يعني دخول اللبنانيين بارادتهم أو بدون ارادتهم كما يقول مصدر مطلع في لعبة الوقت التي تتقنها سوريا، ذلك ان دمشق تراهن على وقوع مزيد من الحرائق في منطقة الشرق الأوسط، سواء في العراق أو بين ايران والغرب وخاصة الولايات المتحدة الأميركية ومن ثم تلاشي هذه "الرعاية" العربية والدولية سواء لانتقال الأولى بالحرائق العراقية والفلسطينية أو لانشغال الحكومات الفرنسية والأميركية بالانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة فيهما. ولدى سوريا الكثير من الاوراق لتلعبها لبنانياً إلى جانب المراهنة على الوقت، ولا بد من ان تلعبها بسرعة معتمدة في هجومها على تصعيد الخلافات اللبنانية ـ اللبنانية. ذلك ان كل اتفاق بين المتحاورين يعني إسقاط ورقة من أيديها والدليل ان نجاح المتحاورين أدى إلى فصل المسار بين سلاح المقاومة من جهة والسلاح الفلسطيني من جهة مما يضع ما للبنانيين للبنانيين وما لغير اللبنانيين تحت سلطة اللبنانيين.
ولذلك، فإن الجميع أمام امتحان صعب لأن المهمات الكبيرة ستقع بعد المؤتمر، وبدايته في إنجاز الاصلاحات الضرورية التي كما قال الرئيس السنيورة "إذا لم نبادر بها الآن فإن كلفتها ستكون أكبر مع المستقبل".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.