8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باريس وواشنطن تعتبران أنّ على دمشق أن تدفع سلفاً في لبنان بدلاً من أن تقبض

لا تجد باريس على مختلف مصادرها الديبلوماسية والسياسية الفرنسية والعربية، أي حرج للاعتراف "بأن الرئيس السوري بشّار الأسد يتصرف وكأنه خرج من دائرة النار، وانه في وضع مربح يستطيع ان يمارس من خلاله سياسة الضرب بالمطرقة على الآخرين، وبخاصة اللبنانيون، بعدما عاش أكثر من 16 شهراً وهو يعاني ضربات المطرقة الدولية والعربية".
وتضيف هذه المصادر: "هذه السياسة خاطئة لأنها تقوم على قراءة خاطئة لوضع منطقة الشرق الأوسط". وتشدد على أن من "مصلحة الرئيس السوري أن يقرأ الوضع جيداً وأن ينتبه لكل خطواته وقراراته حتى لا يرتكب غلطة جديدة، لا سيما أنه لا يزال تحت الرَقابة والمتابعة الشديدة والمتشدّدة من المجتمع الدولي وخصوصاً من واشنطن وباريس معاً".
وتذهب أوساط فرنسية في وصف الوضع بقولها: "في تشرين الثاني من العام 2003، أوفد الرئيس جاك شيراك مستشاره الديبلوماسي ورجل المهمات الصعبة في قصر الأليزيه غوردوث مونتانبي الى دمشق حاملاً رسالة خاصة واضحة جداً تقول: العالم يتغير. لقد وقع حدث العراق. يجب التحرك. وحدهم الجامدون في مواقفهم سيجدون انفسهم خاسرين". وتؤكد هذه الأوساط "ان الرسالة بقيت بلا جواب من الأسد، حتى اذا جاءت قمة النورماندي للاحتفال بالذكرى الستين لإنزال الحلفاء ضد القوات النازية، شكّل لبنان نقطة الالتقاء والارتكاز للعلاقة الأميركية ـ الفرنسية الجديدة وكان ذلك فاتحة لصوغ القرار 1559 وصدوره عن مجلس الأمن".
وتخلص هذه الأوساط الى القول: "إن عدم اهتمام الرئيس السوري بالرسالة التي صدرت عن شيراك، الذي لا يخفي تعلقه وفهمه وتفهمه للعرب ولقضاياهم وخصوصية أحكامهم ومواقفهم، كان، كما ثبت فيما بعد، نتيجة لقراءة خاطئة مئة في المئة للموقف الفرنسي ثم الموقف الأميركي ـ الفرنسي الجديد".
متابعة سوريا وملاحقتها
ولكن ماذا عن المرحلة الحالية؟
تقول المصادر المطّلعة في باريس: "الرئيس بشّار الأسد يملك أوراقا عديدة في المنطقة. وهو مثلاً يملك في لبنان "مفاتيح" لقرارات مصيرية للبنان، مثل رئاسة الجمهورية، لأن الرئيس اميل لحود ما زال "وديعة" لا يمكن استردادها سوى بقرار سوري. وأيضاً ملف سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات. والى جانب ذلك فإن دمشق تقدّم حلفها القديم ـ المتجدّد مع طهران، في ظل رئاسة أحمدي نجاد، وكأنه مظلة ايرانية لها وفي خدمتها".
وتتابع المصادر نفسها، "صحيحٌ ان دمشق قد استقوت بحلفها مع طهران ولكنها تنسى ان طهران تخوض مواجهة مباشرة وأوسع وأعمق من مواجهة دمشق مع المجتمع الدولي. ولذلك فإن هذه المظلة يمكن ان تتحول في أي لحظة الى سلاح ضدها، اضافة الى ان الايرانيين تعنيهم مصالحهم القومية ولذلك فهم يضعون كل تحالفاتهم والأوراق التي يملكونها في خدمة هذه المصالح وليس العكس".
وتتابع هذه المصادر المطّلعة جداً في باريس، "نحن الفرنسيون لم نغير موقفنا، والمهم بالنسبة إلينا ـ كما يقول المثل اللبناني ـ أن يأكل اللبنانيون العنب لا أن يقتلوا الناطور، وقد أبلغت فرنسا وعلى أعلى المستويات بعض المسؤولين اللبنانيين الذين زاروا باريس هذا المبدأ. واستكمالاً لذلك فإن واشنطن تنسق بقوة وعمق مع باريس حول الملف اللبناني، ولذا فمن الضروري أن تبقى سوريا في موضع المتابعة والملاحقة. ومن الطبيعي ايضاً ان تبدر أحياناً بعض الاشارات المعتدلة من الديبلوماسية الفرنسية لأن هذا من صلب عملها، لكن المهم ان الأليزيه وبما عرف عن سيده، محافظٌ على تشدده".
والمشكلة كما تضيف هذه المصادر ان الدول العربية، وخصوصا منها الدول المعنية مباشرة بلبنان، اي السعودية ومصر، تتعامل مع الوضع اللبناني في اطار قراءتها للوضع في المنطقة كلها، اي على وقع التطورات في العراق وتفاعلات الملف النووي الايراني. وهي تأخذ في الاعتبار ضرورة استمرار استقرار دمشق داخلياً وعدم انخراطها في شكل كامل مع طهران. ولذلك فإنها طلبت من باريس مراراً، واستناداً الى العلاقات التاريخية والشخصية القديمة، أخذ هذا الوضع في الاعتبار".
وتشير هذه المصادر إلى "أن الرئيس الفرنسي الذي تربطه بنظيره الرئيس المصري صداقة شخصية وعلاقات قديمة قائمة على التفهم والتفاهم، سيبحث معه بصراحة كاملة في الملف السوري ـ اللبناني عندما سيزور مصر في 19 و20 من الشهر الجاري. وانه لا بد سيصارحه، بضرورة عدم تشجع دمشق كثيراً بالموقف العربي الحالي والاعتقاد انها قادرة على المقاومة طويلاً، وانه من الأفضل لها وللعرب ان تتعامل مع الملف اللبناني بشفافية أكبر وأن تسهم جدياً وبشفافية في دفع مسار الحل للوضع اللبناني، وان تعمل بجدية على نزع ادوات التفجير في لبنان، وهي قادرة عليها حتماً".
براميرتس الصّلب والمتطلّب
وتذهب المصادر الديبلوماسية والسياسية في باريس الى القول: "سوريا أمام حلين، إما الاستمرار في سياستها الحالية، وهي الممانعة والمماطلة والالتفاف والدوران، فتبقى بذلك مستهدفة من المجتمع الدولي، أو أن تغير سلوكها فتقوم بتقديم اشارات ملموسة وايجابية خصوصاً على صعيد الملف اللبناني. هذا عدا المطلوب منها اميركياً على صعيد الوضع الاقليمي، علماً ان الكلام عن حل مع سوريا على حساب لبنان، كما تفكر دمشق وتروّج له، اصبح ممجوجاً لا يستحق حتى الرد عليه لكثرة ما جرى تداوله".
وأمام هذا الوضع، فإن باريس ترى ان الرئيس بشار الأسد، كما تصفه مصادر مطلعة، "مدين يقف امام المجتمع الدولي ويتوجب عليه ان يثبت قدرته على الوفاء بديونه لا أن يطالب بمستحقات جديدة". وهنا تعترف المصادر المطلعة في باريس ان التحقيق الذي قام به ديتليف ميليس وما شابه من نقاط ضعف أساسها في استناد التقريرين على ظنون واستنتاجات في مواضع مختلفة، دفعت خلفه في رئاسة لجنة التحقيق الدولية سيرج براميرتس الى تغيير وجهة العمل كله وهو يعمل على تقديم اثباتات ووقائع تجعل تقريره تقريراً قضائياً.
وتشير هذه المصادر إلى "ان براميرتس، هو كما أصبح يعرف من الذين يتابعونه "مٌٌىَُّمه ٍِّّفئ"، أي انه سيّد يوحي بالرقة لطريقة تقديم نفسه كمحقق غير صدامي ولائق ويعتمد كثيرا على البروتوكول والاحترام في تعامله، لكنه في الواقع، وكما فهم ذلك السوريون اخيراً، صلب ولا يتراجع عن أي قرار يراه مناسباً لمجريات التحقيق. ولذلك فإن المسؤولين السوريين، كما لاحظت باريس، يعملون للتعامل معه على هذا الأساس وليس كما قدم نفسه".
وخلاصة هذا العرض انه يجب انتظار تقرير براميرتس الجديد الذي قد لا يكون على الأرجح نهائياً، لكن قد يمكن البناء عليه، مع الأخذ في الاعتبار على الصعيد اللبناني وجوب عدم التسرع، ولذلك فمن الأفضل للبنانيين متابعة حوارهم الداخلي اذ ليس قليلا ما توصلوا اليه خلال الجلسات الماضية من هذا الحوار، ويكفي ان كل جلسة منه تخفف درجات من حرارة الاحتقان الداخلي".
لارسن وممانعة دمشق
الى جانب براميرتس، فإن باريس وواشنطن تنتظران تقرير تيري رود لارسن الذي لا بد أن يشير الى مسألة التعاون السوري غير الكامل من جهة وتهريب السلاح الى لبنان.
وتشير مصادر مطلعة في باريس الى ان رود لارسن أبلغ الفرنسيين انه لم يزر دمشق ليس لأنه يقاطعها أو لا يريد التعامل معها، بل لأن لقاءه بالوزير السوري وليد المعلم لم يكن ايجابياً وقد تأكد لارسن خلاله انه لن يحصل على شيء اذا ما زار دمشق، ولذلك من الأفضل عدم الذهاب ومنح دمشق ورقة اضافية على صعيد التعامل الدولي معها".
أخيراً، ترفض باريس، "التشاؤم الذي يضرب اللبنانيين من وقت الى آخر، الى درجة اقترابهم من خط اليأس"، ويضيف مصدر ديبلوماسي فرنسي الى هذا الرفض قوله، "يكاد اللبنانيون يتفوقون على الفرنسيين في هذا الموقف. على الرغم من ان أي قراءة للوضع اللبناني منذ 14 آذار تؤشر الى حصول انجازات لم يكن ليحلموا بها، لو حدثهم احد عن امكان وقوعها ولولا اغتيال الرئيس رفيق الحريري لما كان من حق اللبنانيين في الإشارة الى احداث العام الذي انتهى مع 14 آذار الماضي سوى بالرضى التام". ويضيف المصدر نفسه، "إن ما حصل عليه لبنان من اهتمام واحتضان من المجتمع الدولي طوال العام المنصرم، لم تحصل عليه دولة في العالم".
وتختم هذه المصادر قراءة الوضع بقولها: "أولوية دمشق حالياً، فك العزلة الدولية عنها، وان يجري وضع سقف محدد للتحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكن الموقف المشترك لباريس وواشنطن هو ان على سوريا هذه المرة أن تدفع سلفاً، لا ان تقبض قبل أن تدفع".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00