28 نيسان، ليس موعداً لبنانياً فقط، انه أيضاً موعد ايراني بامتياز. لبنانياً، سيعود المتحاورون في هذا الموعد الى تحت قبّة البرلمان، ليضعوا نقطة على حروف المواقف النهائية لمختلف الأطراف المشاركة حول اكمال اميل لحود لولايته الرئاسية، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة، هي مرحلة ما بعد 28 نيسان بكل موجباتها وشروطها الجديدة في التعامل معها ومواجهتها. وايرانياً، فإن النظام الذي يقوده آية الله علي خامنئي، ويدير يومياته التنفيذية الرئيس حسين أحمدي نجاد، سيكون على موعد ختامي وضعته له "وكالة الطاقة النووية الدولية"، لاتخاذ قراره النهائي من متابعته لعملية تخصيب الأورانيوم أو توقيفها مع كل ما يفتح ذلك من احتمالات خطيرة بعضها سيكون على المجهول.
ولا تقف حدود الصدف في التوقيت، عند هذين الموعدين، بل تتجاوزهما لتؤكد الترابط الكامل في حلقات الوضع، ففي الفترة التي كان فيها الرئيس فؤاد السنيورة يبحث مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان آلية تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي وطبيعتها، كان فريق المحققين الدوليين الذي يرأسه القاضي سيرج براميرتس يستعد لمقابلة الرئيس السوري بشار الأسد ونائبه فاروق الشرع، وذلك للمرة الأولى منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والبدء في التحقيق الدولي.
وحتى تكتمل حلقات السلسلة التي تؤكد وجود مختلف القوى المعنية بلبنان في "سلة واحدة"، فإن الرئيس جاك شيراك عقد في القاهرة قمة مع نظيره المصري حسني مبارك، وكان "الصحن الرئيسي" على طاولة مباحثاتهما الملف اللبناني والعلاقات السورية ـ اللبنانية من جهة والملف النووي الايراني من جهة أخرى. وجاء تقرير تيري رود لارسن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لتطبيق القرار 1559، ليكون مسك الختام "للسلة" العربية والدولية المتابعة أو المحتضنة للبنان.
سوريا الامتداد الموثوق لإيران
ومن البديهي عندما تتعقد الملفات الساخنة وتتشابك ويصبح لبنان "أسيراً" لمعادلة أكبر منه بكثير، بدلاً من أن يكون هو "القضية" كما كان الوضع لأشهر طويلة غداة زلزال 14 شباط، ان تنحرف الأنظار والاهتمامات نحو العقدة الأكثر سخونة وتهديداً، وهي الآن وبكل المقاييس الجمهورية الاسلامية في ايران التي "يرقص" العالم معها على وقع ارتفاع درجات حرارة الملف النووي المتصاعدة. يضاف الى ذلك كما يرى مصدر لبناني مطلع، "ان الحديث عن لبنان وسوريا وأهداف الأخيرة اصبح من نوع التطبيق المباشر للمثل الشعبي اللبناني: "دق الماء ماء". أي مهما حاولت ضرب الماء فإن ذلك لن يغير من لونه ولا من تركيبته ولا حتى من مسار جريانه لأن هذا المسار مرتبط أساساً بخريطة مسار "النبع" نفسه!.
الى جانب ذلك وكما يرى المصدر المطلع على ملف العلاقات الايرانية ـ السورية، "فإن الحديث عن طهران واستراتيجيتها وأهدافها حالياً، ينتج حكماً الحديث عن دمشق ومسارها لأنها كما وصفها مصدر فرنسي مرافق للرئيس جاك شيراك خلال زيارته للقاهرة تشكل امتداداً موثوقاً لإيران". ويتابع المصدر المطلع: "يحلو لدمشق المقارنة بين دور الأسد الأب مع ايران اثناء حربها مع العراق، والأسد الابن اثناء ما يدور من مواجهات في العراق والتحالف مع ايران". ويتابع المصدر: "الفارق كبير بين الحالتين كما هو الحال بين الأب والابن. فقد كان الرئيس الراحل يأخذ من "السلة" الايرانية ومن العرب في وقت واحد فوائد وامتيازات ضخمة. وكانت ايران المحاصرة عربياً واقليمياً مدينة للأسد الأب الذي فتح لها ثغرة واسعة في "الجبهة العربية". الآن، الرئيس السوري مضطر للقبول بما تعطيه له ايران لأنها هي التي تقود المواجهة "وهي التي تحميه. في وقت بقيت فيه على تواصل مع مختلف دول الخليج العربية وكان آخر ذلك زيارة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس هاشمي رفسنجاني لعواصمها.
ويتابع المصدر المطلع: ومن تفاصيل الفارق الكبير في الحالتين، ان ايران اليوم، هي "لاعب" كبير في منطقة الخليج العربي. وفي الوقت نفسه تكتفي بدور "الداعم" في منطقة البحر المتوسط لـ"حزب الله" وللفلسطينيين. وبذلك فإن طهران ان لم تكن شريكاً كاملاً في أمن المنطقة على اتساعها من مضيق هرمز الى ضفاف البحر المتوسط، فإنها الآن تستخدم كل براعتها في التفاوض عبر استخدام كل الأوراق التي تمتلكها ومنها حليفتها الملتحقة بها سوريا حول دورها وموقعها المستقبلي في المنطقة. ويأتي هذا كله في وقت لا تستطيع فيه دمشق ان تعلن بأنها "قائدة" في المنطقة، فالقيادة معروفة لمن فهي للرياض والقاهرة، والدليل انها لم تجد غيرهما لحضانتها ورفع "مطرقة" تغيير النظام فيها"، علماً ان الموقف العام من تحالف دمشق مع طهران كما يقول مصدر فرنسي في هذه المرحلة سواء في العراق أو غزة أو لبنان يزعج جميع العواصم المعنية".
الخوف على لبنان
و"الانزعاج" من التحالف السوري الايراني، يعود الى ان احدى عقد الوصل الأساسية فيه هي لبنان. و"لأن لبنان ما زال هشّ التكوين سياسياً وأمنياً بعد انتفاضة الاستقلال كما يقول مصدر مطلع، فإن الخوف يزداد من انعكاسات هذا التحالف في وقت تبدو فيها الأوضاع مفتوحة على كل الاحتمالات". ومن الطبيعي ان يكون في قلب هذا القلق هو التساؤل عن موقع حزب الله في كل ذلك".
ورغم التوافق الدولي "بأن الحل السياسي" ما زال هو "الحل" المطلوب للأزمة النووية الايرانية خاصة وأنه لم يعد من خيار آخر امام الولايات المتحدة الأميركية كما يرى مصدر مطلع جداً على الملف النووي الايراني، فإن الخوف هو ان تذهب الادارة الأميركية في ادارتها الحمقاء لملف الشرق الأوسط باتجاه الحل العسكري مع ايران. وهذا الحل يمكن ان يكون خياراً نووياً انفرادياً، لان الخيار التقليدي صعب بعد تجربة العراق، وفي ظل عدم حصول اجماع دولي له، لا يمكن ضبط ردود فعل الايرانيين ضده، خاصة وأن الفارق كبير بين الايرانيين واليابانيين الذين استسلموا بعد ضرب هيروشيما وناغازاكي، اذ ان الايرانيين بعقليتهم الاستشهادية وكونهم في بداية الحرب فإنهم لن يستسلموا، ولا بد لهم للجوء الى كافة اسلحتهم في المواجهة".
موقف دمشق من المواجهة؟
وفي هذه الحالة تساءل المصدر المطلع "ماذا ستكون ردة فعل سوريا في هذه المواجهة، هل ستدخلها كطرف مباشر فيها وهي التي تعودت منذ عقود على المواجهة بالواسطة، ومن وراء أكياس الرمل التي تضعها من قوى وأجساد الآخرين؟. والسؤال الذي يواجه سوريا ايضاً هو ماذا ستفعل اذا تفاوضت طهران مع واشنطن، خاصة وانها لن تكون "شريكاً" يفاوض ويعرض ويطالب، بل سيكون الطرف الذي سيبلغ بنتائج المفاوضات وموقعه منها على قياس ما توصلت اليه طهران، وليس على قياس ما تطمح اليه؟.
وماذا سيفعل "حزب الله" الذي يشدد دائماً على لبنانيته، هل يستطيع ان يبقى خارج المواجهة ويجنّب لبنان ثمنها الباهظ جداً، أم سيكون فعلاً كما يحلو لبعض الأطراف قوله انه ليس سوى "زناد" للبندقية الايرانية في المنطقة؟
ربما للمرة الأولى تجد فيه سوريا نفسها "ورقة" في يد "لاعب" آخر هو "اللاعب الايراني"، بعد أن تعاملت طوال عقود على قاعدة اللاعب الذي يلعب من كيس الآخرين، ولذلك تبدو دمشق محشورة رغم كل "الراحة" التي تشعر بها كما يقول المصدر المطلّع. ومدى قدرة لبنان على مختلف قواه، ألا يتحول الى "ملعب" للآخرين في لحظة الانفجار هو الذي سينقذه، ولا شك في ان المسؤولية هنا تقع في معظمها على كاهل قوى 8 آذار وليس قوى 14 آذار التي ترى ان الحل هو في ان يكون "لبنان" أولاً في استراتيجيتها وتحركاتها.
يبقى أن طهران، التي ليست باعتراف الايرانيين "كرماً على درب"، وانها ان أعطت فبحساب دقيق للمواقف المطلوبة، تعطي دمشق ما يتناسب حالياً مع احتياجاتها. ولذلك تتعامل مع واسطة العقد لبنان وخاصة "حزب الله" بواقعية، فهي تعتبر ان سوريا هي "رئة" يتنفس عبرها الحزب لكن هذا يجب الا يكون على حساب الآخرين من القوى وعلى قاعدة "ان سلام لبنان هو أقوى أسلحته". وذلك عكس دمشق التي تعتبر قواه وأطرافه مجرد "ورقة" تتلاعب بها تبعاً لاحتياجاتها.
رغم هذا هل تقع ايران في الفخ وتشتبك في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة فتجرّ المنطقة معها الى نهايات غير مضمونة؟
مرجع ديني كبير رد على سؤال وجه اليه، عما اذا كان بإمكان ايران هضم هذه "الامبراطورية الممتدة من أفغانستان الى غزة؟ بقوله: "الايرانيون أقوياء في الدفاع عن مصالحهم".
يبقى أن يكون الآخرون، وبخاصة اللبنانيون لديهم هذه "القدرة" للدفاع عن وجودهم!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.