8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

انعقاد "بيروت ـ واحد" ضرورة والموافقة الدولية على خطة الإصلاحات دون شروط سياسية

يبدو الرئيس فؤاد السنيورة "مسكوناً" بالهم الاقتصادي، لأنه كما يقول "يجب أن تستمر أمور حياة الناس" وهذا الموقف ليس جديداً لدى رئيس الوزراء، ولكن أصبحت له الأولوية بعد أن أخذ الوضع الإقليمي المعقد، خصوصاً "حرارة" الملف النووي الإيراني ومخاطر تطوراته مع الولايات المتحدة الأميركية، لبنان "أسيراً" معها. وفي لحظة مصارحة واقعية يعترف أحد المطلعين على الوضع عن قرب "بأننا نعيش حالياً، أي قوى 14 آذار وإلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، مرحلة من حرب الاستنزاف الطويلة التي عنوانها الأساسي الصمود وتسجيل النقاط طالما أن كل التطورات لا تسمح بإلحاق هزيمة نهائية بالطرف الآخر".
وتسارع الأوساط المحيطة بالرئيس فؤاد السنيورة الى التقاط هذا التوصيف للحالة التي يمر بها لبنان وقوى 14 آذار للتأكيد مرة أخرى: "على أن أفضل أسلحة الصمود هو فتح كوة من النور أمام الناس الذين يشعرون أنهم يمرون في نفق مظلم ومسدود"، وطالما أن مفتاح الحل وهو "رحيل الرئيس إميل لحود مستحيل لأسباب دستورية أو غير دستورية"، فإن العمل يكون في الاندفاع بقوة نحو صياغة حلول اقتصادية عميقة وفاعلة ومؤثرة على المدى الطويل وليس مجرد إيجاد حلول موقتة تكون من نوع الأسبرين لمرض يتطلّب ربما أكثر من المضادات الحيوية، أي الجراحة لاقتلاع بيت الداء".
الطريق المفتوحة والفرصة القائمة
وترى أوساط اقتصادية وسياسية رسمية وغير رسمية: "ان زيارة الرئيس فؤاد السنيورة الى واشنطن والاستقبال والاهتمام النادرين اللذين حظي بهما والوفد المرافق له من قبل الرئيس جورج بوش وإدارته، إضافة الى مسؤولي المنظمات الاقتصادية الدولية، خصوصاً صندوق النقد الدولي، فتحت الطريق أمام اللبنانيين إذا عرفوا كيف يلتقطون الفرصة، للبدء في عملية بناء حقيقية مستقبلية". وتضيف هذه الأوساط: "يكفي ما خسره لبنان حتى الآن من فرص عظيمة للاستثمار في ظل فورة أسعار النفط ومثله في هذا المسار بعد الفورة نفسها غداة حرب تشرين 1973، فقد خسر لبنان كل شيء بسبب الحرب وخسارته المهمة كانت في هجرة الاستثمارات عنه".
وما يزيد من تفاؤل هذه الأوساط، كما أشار وزير المال جهاد أزعور الذي كان في عداد الوفد الى واشنطن "ان تقارباً كبيراً حصل بين سياسات الحكومة اللبنانية ورؤية الصندوق للإصلاح بعد أن كان يشدد دائماً على ربط الدعم بتنفيذنا لشروطه". والإنجاز الآخر الذي تحقق هو في "تحمّس صندوق النقد الدولي للمشاركة في العملية الإصلاحية اللبنانية"، ومن مظاهر هذه الحماسة أن بعثة من الصندوق ستزور لبنان في أواسط الشهر المقبل لمواكبة الوضع والعمل على تعزيز إنشاء "شبكة الأمان الاجتماعية" المواكبة للإصلاحات.
والتقدم في هذا المسار، يتطلب، كما تؤكد أوساط محيطة بالرئيس فؤاد السنيورة، "الموافقة على الخطة الإصلاحية التي سيعرضها بنفسه على مختلف القوى والأطراف خلال الأيام المقبلة". وتشدد هذه الأوساط "على أن طرح هذه الخطة الإصلاحية بهذه الطريقة هو لمناقشتها بالتفصيل وليس للموافقة عليها أو للبصم عليها كما يحلو للبعض الكلام عن ديكتاتورية الأكثرية". وهذه "الديموقراطية القائمة أولاً وقبل أي شيء على المشاركة في الرأي وفي القرار تتطلّب مناقشات عميقة وواقعية ومن دون مواقف مسبقة، خصوصاً السياسية منها، لأن مثل هذه المواقف إذا دخلت في المناقشات فإننا سنجد أنفسنا مرة جديدة أمام استحالة الخروج من النفق". ومما يعزز هذا المطلب، كما يقول الرئيس السنيورة نفسه، "ليس هناك من شروط سياسية على الإطلاق. علينا مساعدة أنفسنا فقط".
وتشير الأوساط نفسها الى "أن لبنان، وهو يستعد لانعقاد بيروت ـ واحد، لا يمكنه أن يتقدم إلا وبيده خطة إصلاحية واضحة الخطوط والآلية والإجماع عليها، خصوصاً وأن للدول المانحة تجربة مرّة تجسّدت في تجربة باريس ـ2. ولو كان لبنان يتقدم الآن من دون تلك الذكرى المرّة لكان حمله أمام الدول المانحة والمنظمات والمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية أخف والشروط التنفيذية عليه أقل".
تجربة فشل باريس ـ 2 المرّة
ومما يرفع من حرارة المطالبة بالاتفاق على الخطة الإصلاحية، أن خزينة الدولة فارغة ولا يوجد فيها قرش كما يقول مصدر اقتصادي مطلع جداً، وفشل باريس ـ 2، زاد من تراكم الخسائر الداخلية ومن ضعف الثقة الخارجية. ولذلك يجب الإسراع في المناقشات بجدية وصراحة وشفافية كبيرة، فالوقت أصبح سيفاً قاطعاً ضدنا.
ويشير المصدر نفسه الى "أن أي خطة إصلاحية تتطلب تنازلات وتضحيات واسعة وحقيقية وأن لا يعتبر هذا الطرف أو ذاك سواء لأسباب سياسية أو لارتباطات شعبية أن تقديم أي تنازلات هو محاولة من طرف آخر للانتصار عليه أو لتحقيق نقطة ضده. ومن بين الإصلاحات المطلوب تنفيذها بسرعة بعد الموافقة النهائية عليها إلغاء كل المجالس والمؤسسات المالية مثل مجلس الجنوب وصندوق المهجرين وغيرهما".
ومن بين النقاط الإصلاحية التي ستطرحها الخطة الاقتصادية مسألة قانون "التعاقد الوظيفي". وهنا تبدو المواقف دقيقة وصعبة. وترى الأوساط الاقتصادية المحيطة بالرئيس السنيورة "ان هذا المشروع ضروري لوقف كل الاستنزاف الذي يسببه التوظيف المتراكم بسبب طبيعة تركيبة النظام و"مطرقة" الوساطات، وبحيث أن الإدارات المتخمة بالموظفين الذين يقبضون رواتبهم ولا يعملون أصبحت تشكل ثقلاً كبيراً على كاهل الدولة والمواطن في وقت واحد".
ويتساءل المصدر نفسه: "لماذا الأستاذ الجامعي في الجامعات الخاصة يدرّس ساعات تزيد بضعفين وثلاثة عمّا يعلّم الأستاذ الجامعي في الجامعة اللبنانية؟. المشكلة هي في طبيعة الوظيفة، التي تحول دون الإنتاج. فالمشكلة ليست في الأساتذة مطلقاً". ويعترف المصدر "إن مثل هذا القانون يتطلّب أيضاً زيادة الحوافز المالية والوظيفية لتشجيع الإنتاج، وأن مسألة تمديد عمل الإدارات الى الخامسة بعد الظهر وجعل العطلة من الجمعة قبل الصلاة الى صباح الاثنين سيؤدي حتماً الى تمدد الانتقال من بيروت الى مدن وقرى هؤلاء ما يؤدي الى دورة عمل جديدة تفتقدها المناطق".
وفي حين تعرض هذه الأوساط الاقتصادية الوضع وتستفيض في شرح فوائده، فإن أوساطاً سياسية تؤكد على وجوب تنفيذ الخطة الإصلاحية، ترى أن هذا الطرح قد يؤدي الى حركة مضادة من الأطراف السياسية التي تريد وتعمل لإفشال الرئيس فؤاد السنيورة والدفع إما باتجاه استقالته وخلق أزمة وزارية إضافية، أو شلّه بسبب معارضة عمالية يتم تحريكها لأسباب داخلية أو بقوة دفع خارجية.
مخاطر المواقف السياسية
وأمام هذا الاحتمال الخطير، خصوصاً وأن "حرب الاستنزاف" بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار والعضو الجديد فيه العماد ميشال عون، يقول مصدر مطلع: "متى أقدم الرئيس فؤاد السنيورة على طرح خطته، ومهما كانت المواقف السياسية تزداد افتراقاً، فإن ذلك يضع الكرة في الملعب، خصوصاً في مربع "حزب الله" تحديداً". ويضيف المصدر المتابع لـ"حزب الله" ولنشاطاته، خصوصاً الاجتماعية: "الحزب في كل أدبياته يؤكد معارضته للفساد، خصوصاً وأنه لم يقع فيه ولا في ممارساته داخل الدولة لأنه كان بعيداً عنها، وهو دائماً يشدد على ضرورة الحفاظ على المصالح الشعبية وصيانة حقوق الشرائح الاجتماعية الواسعة. ومن ذلك أنه ضد فرض ضرائب جديدة. والسؤال المطروح على الحزب في ظل هذا الوضع المعقّد أنه أصبح اليوم جزءاً من المعادلة الداخلية للحكم فهو يشارك في الحكومة وهو يمسك بوزارتين مهمتين هما وزارة العمل ووزارة الطاقة والنفط، وهو يستعد متى دارت دورة التعيينات الجديدة لأخذ حصته منها. ولذلك لم يُعد الرفض سياسة فاعلة ومنتجة والمطلوب تقديمه لخطة بديلة تكون واقعية أساساً.
ولذلك فإن المطروح على الحزب هو كيف يمكن محاربة الفساد وليس فقط المحاسبة؟ كيف يمكن الخروج من معضلة الإدارة المتخمة بالمحسوبيات؟ وما هو البديل لسياسة فرض ضرائب جديدة؟ وما هو البديل مثلاً لمواجهة ارتفاع سعر النفط الذي أفقد لبنان عائدات مهمة ومثالاً على ذلك فإن صفيحة البنزين كانت تدرّ على الخزينة 12.500 ليرة وبعد ارتفاع الأسعار فإنها لم تعد تدرّ أكثر من 2500 ليرة ومخاطر إلغاء هذا مفتوحة مع استمرار ارتفاع الأسعار الجنونية، ويجب ألا ينسى أحد قطاع الكهرباء وكلفته الضخمة أساساً والمتزايدة يوماً بعد يوم للأسباب نفسها.
ويستنتج المصدر الاقتصادي من كل ذلك أن ساعة العمل دقت على الجبهة الاقتصادية، لدينا الآن فرصة كبيرة مدعومة بزخم ومساندة دولية واضحة، يجب ألا تعرضها للخطر أو للتفتت كما حصل مع مسار التغيير السياسي، والذي أصبح معلقاً بالعثور على حل لمسألة الرئاسة فهي أصبحت حالياً عقدة الحل والربط، وإذا كان البلد سيتحمل بكثير من التعب والقلق معاناة تقطيع الوقت، فإنه لا يستطيع الانتظار أمام واقع الأزمة الاقتصادية، لأنه أمام حافة الانهيار.
الرئيس فؤاد السنيورة وبما يملك من قدرة واضحة على الجمع بين واقع الحال الشعبي وضرورات السلطة وأحاكمها، يردد أمام بعض زواره: لقد حمل الرئيس الشهيد رفيق الحريري لوح الزجاج وحده متحملاً كل المسؤوليات ولذلك جرى تحميله المسؤولية الظالمة عند كسر هذا الزجاج. أما أنا فإنني بصراحة لن أحمل هذا الزجاج وحدي ويجب أن يشاركني الجميع في حمله. وليتحمل الجميع بما فيهم أنا المسؤولية الكاملة، من دون أن يمكن لأحد التهرّب منها أمام اللبنانيين"!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00