الحوار لن يتوقف، لانه كما يقول الوزير طراد حمادة، هو "كالتنفس" وهو كما يتفق الجميع من لبنانيين وقوى وأطراف عربية ودولية "ضروري ويساهم في تنفيس الاحتقانات، حتى يخرج لبنان من الحالة الرمادية التي يمر بها".
واستمرار الحوار لا يمكن أن يكون على قاعدة "الحوار للحوار" ولا أيضاً لمجرد تقطيع الوقت وصولاً الى الموعد النهائي للولاية الممددة قسراً للرئيس اميل لحود، حيث لا يمكن لأي طرف أن يهرب أو يتهرب من التعامل مع الاستحقاق سلباً أو إيجاباً فالمسؤولية كبيرة وتحمل نتائجها أكبر أمام اللبنانيين وأيضاً أمام العرب والمجتمع الدولي.
ولا شك أن لبنان واللبنانيين "خسروا انطلاقة جديدة، مع النجاح في وأد مشروع التغيير المطلوب في رئاسة الجمهورية سواء لبناء "الجمهورية الثالثة" أو للتعامل مع الجو الحاضن والايجابي بطريقة استثنائية من المجتمع الدولي لاحتياجات الجمهورية الحالية للخروج من أزمتها الاقتصادية، وللتعامل بثقة مع "تسونامي" فائض أموال النفط نتيجة لارتفاع اسعاره بدون ضوابط وعلى وقع تطورات الملف النووي الإيراني. ويقول مصدر مطلع "إن اقفال الملف الرئاسي، والقبول على مضض باستمرار الرئيس لحود في ولايته الرئاسية جرى بناء لمعادلة بسيطة هي "أن الثمن الذي طلبته قوى 8 آذار وتحديداً حزب الله ومعها الجنرال ميشال عون كان أكبر بكثير من القبول به فالولاية الرئاسية تفقد مع كل يوم جزءاً منها فهي مثل ساعة الرمل التي كلما مضت دقيقة، خسر الرمل المحبوس كمية اضافية.
ما العمل؟
ولكن رغم واقعية هذا الحال فان السؤال يبقى: ما العمل، حتى لا تتحول خسارة الانطلاقة الجديدة الموقتة الى خسارة عميقة ودائمة تضع لبنان أمام مخاطر اقتصادية واجتماعية ضخمة؟
وبداية الحل كما ترى الأوساط التي تتابع نشاط الرئيس فؤاد السنيورة، هي "أن تنخرط الحكومة بمعالجة مصالح الناس وعدم التوقف أمام مشكلة الوضع غير الطبيعي للرئاسة وهذه المعالجة الضرورية، أساسها في العمل على اقرار الخطة الاصلاحية علماً أن ذلك لن يكون بين ليلة وضحاها، خاصة وأن النقاش الموضوعي صعب وأن العامل السياسي لمواقف القوى على اختلافها سيطغى على النقاشات. والمهم خلق نقاش حقيقي بين كل قوى وشرائح المجتمع اللبناني مواز للحوار الوطني الجاري داخل البرلمان، من جهة والعمل على جمع ملاحظات كل الأطراف لتدعيمها".
ومما يدفع باتجاه مثل هذا الطرح، أن الأطراف الدولية جاهزة لمساعدة لبنان وكذلك الدول العربية التي تحتضن لبنان برعايتها الخاصة والتي يملك معظمها الامكانات الاقتصادية والمالية المترجمة لهذه الرعاية. وإذا كان من الصعب تقديم الخطة الاصلاحية سريعاً وبموافقة اجماعية عليها، فإنه على الأقل يجب أن يتم تقديم "سلة" من القرارات الملحة تتناول الكهرباء التي تزيد تكلفتها عن 800 مليون دولار والمرشحة للوصول إلى مليار دولار سنوياً والضمان الاجتماعي بكل ما فيه من سوء لاستعماله وحل مجلسي الجنوب والمهجرين وجهاز امن الدولة وخصخصة الهاتف وخطوط الشرق الأوسط. باختصار يجب اظهار الجدية امام المجتمع الدولي".
طي ملف الرئاسة لا سحبه
وهذا المسار الاقتصادي والمعيشي لا يكفي وحده بل يجب تفعيل النقاط التي تم الاتفاق عليها في الحوار كما ترى أوساط 14 آذار والمتعلقة بتحديد حدود مزارع شبعا والعلاقات الديبلوماسية مع سوريا، وجمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات".
وهذا النشاط اللبناني يتزامن في مسار واحد مع الالتزام الدولي الواضح بمساعدة لبنان لبناء استقلاله وسيادته وحريته ولذلك يتابع المجتمع الدولي عن كثب وبدقة كل خطوة يقوم بها أي طرف من طرفي 14 آذار و8 آذار من جهته، ويلاحق بالمجهر وتحت اضواء مكثفة كل قرار وكلمة تقوم بها دمشق أو "بيادقها" في بيروت.
وفي الوقت الذي يتم فيه الانتقال داخل الحوار الوطني الى ملف سلاح المقاومة بعد طي ملف الرئاسة دون سحبه من التداول، فان اوساط 14 آذار تتابع يوماً بعد يوم "الأجندة السورية" المضادة. وأول الغيث لهذه "الأجندة" هو في تولي "أوركسترا" منظمة جداً ادواراً ومهمات، عملية اشغال الساحة والضغط على 14 آذار والعمل على تطويق الحكومة سواء لاغراق الأولى تحت وطأة الضغوط في ردود الفعل وعدم الفعل المؤثر والمنتج أو لاسقاط الثانية في الشلل أو حتى للدفع باتجاه خلق أزمة وزارية لها مفاعيل مخطط لها على مجمل الوضع كله.
ضرب الحكومة واسقاطها
وتتابع اوساط قوى 14 آذار نفسها، ان اهداف هذه "الأوركسترا" ليست فقط ضد الحكومة كحكومة إنما تتجاوزها لتصل الى تحقيق هدف اساسي هو في تطويق ولادة المحكمة الدولية. ذلك أن دمشق ومعها قوى 8 آذار و"بيادقها" يريدون ضرب تشكيل المحكمة الدولية وعملية اختيار القضاة اللبنانيين من السلطة اللبنانية على أساس أن المحكمة الدولية ستكون مختلطة من قضاة دوليين ولبنانيين" وقد وصل الأمر في محاولة وقف عجلة المحكمة الدولية أن وزير العدل الدكتور شارل رزق، الذي يعالج المسألة "بموضوعية" أصبح هدفاً أساسياً للقوى المعارضة علناً أو ضمناً لانشاء المحكمة الدولية من ضمن أهداف إسقاط الحكومة والمجيء بوزير للعدل على قياسهم حتى تكون تسمية القضاة اللبنانيين الذين سينضمون الى المحكمة تحت مظلتهم أو حسب الكلام الشعبي يمونون عليهم".
وهذه "الأجندة" التي لم تعد خطوطها وآليتها خافية على أحد تعود الى أن دمشق تعرف جيداً أن "السيف" المصلت عليها بحديه، الأول في نتائج تقرير سيرج براميرتس المعترف حتى من دمشق بحياده وموضوعيته ومهنيته، قد فات آوان التشكيك بمطالعته في التقرير الذي سيقدمه في منتصف شهر حزيران المقبل، والثاني في المحكمة الدولية التي هناك ضوابط على عملها وأحكامها غير الضوابط القانونية.
سلاح المقاومة واستراتيجية "حزب الله"
وفي مواجهته كل هذا فان أوساط قوى 14 آذار، تشدد على أنها ستترك للمجتمع الدولي من مهمات ما لهذا المجتمع من جهة، ومن جهة اخرى ما لبراميرتس من اسلوب ونهج في العمل الصامت والبعيد جداً عن الأضواء الاعلامية والاحتكاكات السياسية. أما هي فانها ستستمر في عدم التراجع عما اتفق عليه حتى الآن داخل البرلمان وعلى طاولة الحوار، بما فيها التضحية الكبيرة في القبول في الفصل بين التحقيق والعلاقات مع سوريا. كما انها متى بدأت مناقشة سلاح المقاومة فان على حزب الله الذي طالب بخطة دفاعية استراتيجية بديلاً من هذا السلاح، أن يقدم بنفسه هذه الخطة لتجرب مناقشتها في الحوار الهادئ والبناء، خاصة بعد اقتناع مختلف الاطراف الدولية بان ذلك يتطلب الوقت وانه يجب أن تترك هذه المهمة للبنانيين".
وترى أوساط أخرى من قوى 14 آذار "أن كل هذا جميل والالتزام به مهم جداً ويرفع سقف دعم الرئيس السنيورة وحكومته في مواجهة محاولة تفكيكها أو اسقاطها. ولكن ما ينقص هذه القوى والذي يجب أن يعمل عليه هو في انشاء "هيئة اركان اعلامية" ان صح التعبير أو ما يمكن اختصاره "بهيئة رئاسة تحرير" تكون مهمتها استباق ومواجهة "الأوركسترا" التي فتح الستار عنها بعد اعتبار القبول موقتاً بالتمديد القسري انتصاراً في حرب وليس في معركة. وهذا الاستباق يكون في وضع خطة اعلامية واقعية ومتحركة، خاصة بعد أن تبين أن معظم الدعوات للحوارات الاعلامية منظمة جداً وأن هدفها مكشوف في انجاز كسر مصداقية قوى 14 آذار أو اظهار فشلها أو عجزها عن مواجهة خطاب القوى الأخرى.
دمشق وقرار دولي جديد
مشكلة دمشق كما يرى مصدر مطلع، "انها تتابع قراءتها الخاطئة للوضع في لبنان ولتطورات الموقف الدولي منها. ومن الطبيعي أن كل ما يبنى على خطأ ينتج الأخطاء التي بعضها يكون مدمراً. والدليل أن دمشق التي اخطأت في قراءة الموقف الدولي وخاصة الفرنسي ـ الأميركي عشية اصدار القرار 1559، تابعت البناء عليه وفرضت التمديد فكان ما جرى من تطورات ومواقف وخسارات لا تحصى لعل أكبرها خروجها بهذه الطريقة من لبنان". ويتابع المصدر نفسه: "دمشق ماضية في هذا المسار، وهي ارتكبت خطأ قاتلاً، أمام مجلس الأمن، فهي في الوقت الذي تعرف فيه أنها تحت المراقبة، صعدت من موقفها ورفضت علانية وأمام المجلس التبادل الديبلوماسي مع بيروت، وترسيم الحدود. ولذلك ستدفع الثمن الآن في صدور قرار جديد من مجلس الأمن يضاف الى الحمل الثقيل من القرارات الدولية التي تحملها أصلاً".
وهي تتابع هذا الاستفزاز للمجتمع الدولي وخاصة واشنطن، عبر كلامها عن تهديد هذا الموقف لأمن واستقرار لبنان علماً أن البند الأساسي في اندفاعة الموقف الدولي هو في ضرورة تمتع لبنان بالأمن والاستقرار".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.