المساواة بين الجنسين في فرنسا، ما زالت حبراً على ورق، رغم كل المواثيق والقوانين وحتى العقوبات المالية، وهي تبدأ في العمل وتنتهي في السياسة. لكن يبدو أن تحولاً عميقاً بدأ يتشكل في فرنسا، باتجاه جديد وعلى مثال ما يحدث من تحولات في العالم وخاصة على صدورها في المانيا حيث زحف المرأة أو صعودها إلى القمة يتأكد يوماً بعد يوم.
فرنسا التي تعيش على وقع التغيير خاصة مع دخولها باكراً دائرة الانتخابات الرئاسية بدأت تشهد معركة فريدة، أبرز ما فيها أن ثلاث نساء تخوض في وقت واحد السباق إلى الرئاسة مع ثلاثة رجال، ولا يعني هذا أن النساء في جبهة واحدة ضد جبهة المرشحين الثلاثة. وذلك أن حرباً طاحنة تدور بين كل امرأة مرشحة والاخرى وبين كل مرشح والآخر.
على جبهة النساء، ثلاث هن: سيغولان رويال الاشتراكية، وميشال اليو ماري اليمينية الجمهورية، وماري جورج بوفيه الشيوعية وفي جبهة الرجال: دومينيك دوفيلبان رئيس الوزراء، ونيكولا ساركوزي وزير الداخلية وجان ماري لوبن زعيم اليمين المتطرف.
سيغولان رويال فيها كل شيء باستثناء أن تكون "ملكية"، حسب اسمها. فهي ابنة كولونيل ومن عائلة كبيرة جداً بالمقياس الفرنسي إذ أن واحدة من ثمانية أشقاء وشقيقات ولذلك عانت صعوبات كثيرة، فاتجهت نحو الدراسة، ومثل كل معظم الكادرات في فرنسا تخرجت من كلية الإدارة في دفعة فولتير. والطريف أن والد أطفالها الأربعة وهو فرنسوا هولند الأمين العام للحزب الاشتراكي، ودومينيك دوفيلبان هما ايضاً من الدفعة نفسها التي من قواعدها مثل كل الدفعات التكامل والتعاون في الحياة الوظيفية.
وسيغولان رويال، عاشت "حياة سياسية" متواضعة فهي كانت وزيرة للعائلة والبيئة ثلاث مرات، وعاشت دائماً في ظل رفيقها فرنسوا هولند، حتى قفزت قبل أشهر إلى الواجهة عندما سربت كلمة السر وهي انها مستعدة لكل المناصب وفهم الجميع انها تريد الرئاسة.
وإذا كان الأمر قد بدأ "مزحة" في البداية، أو تكتيكاً من هولند ضد خصومه المسترئسين من "الفيلة" امثال دومينيك ستراوس كان وجاك لانغ وحتى "استاذه" ليونيل جوسبان، فإن "المزحة" تحولت إلى "كرة ثلج" حقيقية. وفي أقل من أسابيع، اجتاحت شعبيتها كل "فيلة" الحزب، وهي الآن المرشحة الأولى المؤهلة حسب كل الاستطلاعات للفوز ضد ساركوزي ودوفيلبان وبعدة نقاط دفعة واحدة.
"مام" أخت الرجال
الثانية وهي ميشال اليوم ماري أو اختصار "مام" وزيرة الدفاع الحالية، التي لم تخف يوماً طموحها وأكدت مراراً استعدادها لتولي المسؤولية خاصة بعد أن نجحت في وزارة الرجال وهي الدفاع الوطني، بعد أن أكدت بمؤهلاتها الدراسية وهي الأعلى بين كل السياسيين من رجال ونساء في فرنسا، قدرتها على الجمع بين النظري والعملي في الحياة خاصة السياسية، وهي تعتبر "الرصاصة" الأخيرة في حزام الرئيس جاك شيراك لمواجهة نيكولا ساركوزي اذا ما تأكد خروج دومينيك دوفيلبان من السباق.
أما مارتي جورج بوفيه الأمين العام للحزب الشيوعي، فهي موظفة بلدية صغيرة تدرجت منذ العام 1969 في هرم الحزب حتى وقفت الى جانب روبير هو هو الذي كسر الرقم القياسي في انهيار شعبية الحزب عندما لم يحصل على أكثر من 3.8% من أصوات الفرنسيين في الانتخابات الرئاسية. وبوفيه التي تريد توحيد اليسار، مرشحة جدية للرئاسة لكنها تعلم جيداً انها لن تفوز انما تريد تأكيد شعبية الحزب الصاعدة، خاصة بعد ان ارتفع عدد الأعضاء الى 138 ألف حزبي.
طموح ساركوزي
أما الرجال، فإن نيكولا ساركوزي وزير الداخلية، ينام ويستيقظ منذ عشرين عاماً عل حلم دخوله قصر الاليزيه. ومن اجل تحقيق هذا الحلم لا يترك سلاحاً ولا ورقة الا ويستخدمها وشعاره الأول والأخير "الغاية تبرر الوسيلة" وهو القادم الى فرنسا من عائلة مهاجرة جمعت بين الارستقراطية الهنغارية لوالده، والجذور اليهودية الجزائرية لوالدته. بدأ حياته السياسية من تجمع "الشباب الشيراكي" لدعم المرشح للرئاسة جاك شيراك ثم عندما ترشح الأخير "خانه" وانضم الى خصمه بالادور. ثم عاد الى الشيراكية ليتزعم الحزب ويحضر نفسه من باب فرض الأمر الواقع للرئاسة.
برودة المثقف دوفيلبان
أما دومينيك دوفيلبان رئيس الوزراء الحالي فإنه ولد في المغرب حيث كان والده في عضوية مجلس الشيوخ الفرنسي وعاش معظم شبابه متنقلاً في العالم، حيث اكتسب ثقافة واسعة متميزة في جيله كله. وبعكس زملائه وخاصة فرنسوا هولند وساركوزي فإنه امضى وقتاً طويلاً في الديبلوماسية حتى اصبح مديراً لمكتب رئيس الوزراء آلان جوبيه ثم أميناً عاماً للأليزيه مع الرئيس شيراك.
وقد حاول شيراك الذي حضنه سياسياً منذ بداياته لكي يلتقط "الحس الشعبي" عبر الاحتكاك بالفرنسيين العاديين في وزارة الداخلية أولاً ثم في رئاسة الوزراء، لكن برودته وثقافته لعبتا دوراً في بقائه محصناً في برج عاجي كما يصفه خصومه. وهو الآن بعد فشله في معركة عقد العمل الأول يتلقى الضربة تلو الضربة ولا يعرف احد ما اذا كان سيصمد طويلاً في منصبه. عائق وحيد يمنع استقالته كما يقول العارفون في فرنسا، عدم استعداد احد لحرق نفسه سياسياً خلفاً له.
صعود اليمين المتطرف
أما جان ماري لوبن، فحدّث ولا حرج عن تطرفه. فهو زعيم "الجبهة الوطنية" وسابقاً الضابط المتطرف في "الجزائر الفرنسية" الذي شارك في الحرب وتعذيب المناضلين الجزائريين كما يتهمه الجزائريون وخصومه. وهو لا يترك دورة رئاسية، تشكو من غيابه. وقد نجح في تحويل تطرفه الى تيار استولى على خمس اصوات الفرنسيين. وهو يعتقد ان نيسان عكس لما حصل في العام 2002 سيوصله الى الرئاسة، أي انه في مواجهة المرشح الاشتراكي سيحصل على اصوات اليمين الجمهوري المتبرم من البطالة والفوضى والحوادث الأمنية والهجرة غير الشرعية.
الحرب بدأت بين الجبهتين من جهة وفي داخل كل جبهة على حدة. أمر ايجابي واحد كما يجمع الفرنسيون، ان الفائز او الفائزة على السواء في الانتخابات الرئاسية سيكون او تكون بداية للتغيير خاصة على صعيد انتهاء جيل سياسي كامل مع جاك شيراك وبداية جيل جديد قد يحمل معه بعض الحلول لفرنسا "المريضة" سياسياً واقتصادياً واجتماعياً!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.