ليالي "السكاكين الطويلة" مستمرة بنجاح متواصل في فرنسا، ونجاحها يبشر باستمرارها، إذ يدخل الرئيس المنتخب قصر الاليزيه، ليودعه الرئيس جاك شيراك كما حصل معه من قبل مع الرئيس الراحل فرانسوا ميتران وقبله الرئيس فاليري جيسكارديستان. ذلك أن التسليم والتسلم في دوره متكاملة دُستورياً هو من قدر الجمهوريات الديموقراطية.
والمشكلة الكبيرة في هذه "الحرب الصغيرة" بالنسبة لفرنسا التي تريد دخول عصر جديد انها تجري في وقت تعيش على وقع تخمة سياسيين ومرشحين ومسترئسين، خاصة وانها تفتقد شخصية واحدة ليس مطلوباً منها ان تكون بقامة الجنرال شارل ديغول ولا يكفاءة جورج بومبيدو، ولا بتعددية فاليري جيسكارديستان الفكرية، ولا بثقافة فرنسوا ميتران "الملك". المطلوب شخصية تحمل معها بداية لسلسلة من الاجابات البسيطة التي تفتح نقاشات واسعة وعميقة وحقيقية، حول اسئلة معقدة تتعلق كلها بمستقبل فرنسا حالياً في مواجهة الاحادية الأميركية من جهة، ومع الاتحاد الأوروبي الواسع من جهة اخرى.
كارثة كليرستيم
خلافاً لكل ذلك، يعيش الفرنسيون كل ليلة على وقع فضيحة جديدة تتناول هذه الشخصية أو تلك. فالحرب بين المسترئسين لا تنتهي إلى درجة أن فرنسا اخذت كلها "رهينة" في هذه الحرب. ولا يبدو أي طرف من الأطراف بريئاً من دماء الضحية الكبيرة وهي مستقبل فرنسا.
والهدف الأول في هذه الحرب حالياً هو الرئيس جاك شيراك، فالجميع من اليمين واليسار وكل منهما لاهدافه الخاصة يريد التخلص منه أيا تكن النتائج.
اليمين الجمهوري الذي يتصارع فيه دومينيك دوفيلبان ونيكولا ساركوزي، ينام ويستيقظ على الاتهامات وآخرها فضيحة "كليرستيم" التي دخل لبنان فيها على الخط عبر عماد لحود الناشط في جهاز المخابرات الفرنسية. ومهما كانت طبيعة وقائع الفضيحة حول عمولات وزعت على سياسيين ورجال أعمال، فإن أمراً واحداً يبدو مؤكداً وهو أن أياً من قادة هذا اليمين لن يخرج إلا ويداه ملوثتان، إلى جانب انها عمقت الاحقاد وفتحت المعركة على مصراعيها بين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي المستعجل الدائم لوراثته مع ان القاعدة تقول ان من استعجل الأمر عوقب بحرمانه: "والسؤال الكبير الذي يواجه هذا اليمين هو كيفية محو "كارثة" كليرستيم"؟!
ولعل أكثر ما يثير الم الفرنسيين حالياً هو هذا الدور الجديد للإعلام في بلادهم. فبعد أن كانت صحيفة مثل "اللوموند"، تسهم في حياكة السياسة الفرنسية، وتقدم يومياً الأفكار الطليعية تقود حالياً حملة بلا أفكار أبرز ما فيها تحطيم ما هو قائم وخاصة جاك شيراك مع انها تعترف بشفافية أن اليسار ايضاً غير مستعد لاستثمار "كارثة كليرستيم" فهو يفتقر إلى الأشخاص والأفكار.
لا نفط ولا أفكار
فرنسا كانت تفتخر دوما بأنها لا تملك النفط وانها بدلاً من ذلك تملك آباراً لا تنضب من الأفكار. والمأساة أن فرنسا السياسية أصبحت اطلالاً وكل الحوارات التي تجري يومياً بلا نتيجة لأن الهدف منها تقديم تسويات موقتة فيما المطلوب تقديم مشاريع بناء في المستقبل.
والكارثة كبيرة لان فرنسا، ستقع في شرك مواجهات مستمرة بين الاحزاب والقوى السياسية لفترة زمنية جديدة قد تطول حتى منتصف العقد المقبل. وهي ستجد نفسها مجبرة على الالتحاق بالولايات المتحدة الأميركية بسياستها بعدما كانت تعمل مع المانيا على تحويل الاتحاد الأوروبي عملاقاً كبيراً يقف بقوة إلى جانب العمالقة التي تتشكل خاصة في آسيا.
ولعل أخطر ما يواجه فرنسا أن الفرنسي العاديّ يبدو وبعد "نار" الضواحي، وفشل الدستور الأوروبي وكوارث الفضائح يتجه اما نحو اللامبالاة فالمقاطعة لتتعمق بذلك الأزمة وتطول، أو نحو إحداث انقلاب لا يتمناه أحد في العالم، وهو أن يفتح الباب لـ 21 نيسان معاكس، فيدخل جان ماري لوبن قصر الاليزيه، رئيساً للجمهورية فيعمل لإزالة الجمهورية الخامسة والبناء على انقاضها جمهورية فاشية على مقاسه ومشاريعه العنصرية!
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.