الصوت المرتفع للسيد حسن نصرالله حول خطر "الحرب المذهبية والعرقية" سواء في لبنان أو المنطقة، خلال احتفالات التحرير في صور، يأتي في الوقت المناسب وفي الإطار الذي يجعل من هذا الكلام التحذيري خطاباً سياسياً سليماً وصحياً، وليس إثارة لمحظورات أو ممنوعات هدفها الخوف والقلق. والنار الكامنة في المنطقة، والتي أخذت بعض ألسنتها تتصاعد هنا وهناك، أصبح من الواجب الوطني والقومي والديني مواجهتها، والسكوت عنها خوفاً من محاذيرها وحساسياتها، فانه مثل إقفال أبواب مداخل المنزل في وقت ارتفعت فيها حرارة النار المحيطة بكل المنزل.
ومن الطبيعي في حالة مثل هذه الحالة، استدعاء الإطفائية، التي تكون مياهها هنا المصارحة والمكاشفة تمهيداً للمعالجة، وليس للحديث عن من أشعل النار من الداخل ومن يضرمها مع أن كل ما يجري هو "فخ" كان يجب تجنّب السقوط فيه بدلاً من الانحدار بقوة نحو هاويته نتيجة لعراك الإتهامات المتبادلة.
ولا شك أن اكتواء اللبنانيين بنار "اللبننة" طوال 17 عاماً، يسمح لهم بالكلام التوصيفي عنها. فلا يوجد ألم للذاكرة الجماعية لأي شعب، ومنه الشعب اللبناني، ربما أكثر ايلاماً من الحديث عن يوميات الحروب الأهلية بكل ما فيها من حواجز طيارة وثابتة وخطف على الهوية وتغييب للمخطوفين وكل ذلك باسم الدين او المذهب او العرق. والكلام الصريح للسيد نصرالله عن هذه الحالة ومطالبته بالحوار في لبنان والعراق وفلسطين وغيرها ليس سوى محاولة لوقف صناعة الأعداء التي هي أخطر الصناعات.
"جنون" وليس فعل "مجنون"
والواقع أن خطر الحروب الدينية والمذهبية في المنطقة لم يعد مجرد احتمال، بل هو أحياناً واقع مرّ يجب مواجهته بشجاعة. فإحراق الكنائس ومهاجمتها في مصر والعراق ليس من فعل "مجنون" بل تنفيذ لجنون أكبر، ومخطط واضح المسار والأهداف. وأخذ العراق رهينة في يد الزرقاوي وأمثاله هو تدمير للعراق تحت شعار الحرب ضد الأميركيين، لأن ما يجري إضراماً لنار الفتنة المذهبية القاتلة، وإخافة العالم كله بعدم استقرار سوريا وسقوطها في دائرة النار المذهبية، هو سلاح ذو حدين يخيف ولكنه في لحظة معيّنة يقتل.
ويرى مصدر مطلع أن خطر الحروب العرقية والمذهبية في منطقة الشرق الأوسط، لم يعد جزءاً من مرض رهاب المؤامرة الذي يسود التفكير والتعامل فيها، وإنما أصبح خطراً فعلياً، تتصاعد أسهمه في بورصة التعامل بقوة كبيرة. ولأن المنطقة حالياً في أسر دائرة نار الملف النووي الإيراني فإن كل التطورات مرتبطة في مفاعيلها وآثارها بهذه النار.
ويبدو واضحاً الآن، أن لا أحد يمكنه الجزم باتجاه الأزمة الإيرانية ـ الأميركية سواء الحرب أو التفاهم. والحالة كما يرى مصدر مطلع، هي كحالة التعامل مع الأسهم في البورصة. ومن ذلك أن أسهم التفاهم نتيجة للمفاوضات الأميركية ـ الإيرانية الجارية مرتفعة جداً حالياً بعد أن كانت أسهم المواجهة هي الصاعدة قبل أسبوع أو أكثر.
استحالة الحل العسكري
ويعيد المصدر نفسه هذا الوضع الى شعور متزايد باستحالة الحل العسكري بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة الأميركية، وذلك لأن كلفته أكبر بكثير من عوائده، فما تريده واشنطن هو إسقاط نظام الجمهورية الإسلامية في إيران واستعادة "الشرطي الإيراني" الذي كان موجوداً الى حلقتها الضيّقة. في حين أن النظام الإيراني نفسه يريد الاعتراف بإيران قوة إقليمية عظمى تستند الى إنتاج الطاقة النووية من دون الدخول في مخاطر المواجهة المباشرة لأن حسابات الخسائر أكبر بكثير حتى ولو زلزلت المنطقة كلها. ويعيد البعض هذا الوعي الإيراني لموازين القوى، أن امتلاك أسلحة الدمار الشامل لا يعني أبداً استخدامها والدليل أن صدام حسين كان يملك الكثير من هذه الأسلحة أثناء حرب "عاصفة الصحراء" ولم يستخدمها، لانه كان يعلم ان ثمن ذلك إزالة بغداد عن الخارطة.
هل يعني هذا ان واشنطن استسلمت "للقدر الايراني"، خاصة وان الرئيس جورج بوش له ايضاً حساباته الحزبية، فهو لا يريد الدخول في مواجهة عسكرية في ظل ما يجري في العراق، وتعريض الحزب الجمهوري الى السقوط بقوة على طريق خسارته الانتخابات الرئاسية مسبقاً؟.
امام هذا السؤال الواقعي، تعود الى الواجهة مسألة الحروب المذهبية والعرقية وعملية اشعالها. اذ يقول مصدر مطلع "ان الولايات المتحدة الاميركية التي استبعدت "الحرب الساخنة" مع طهران، تعتمد حالياً استراتيجية "الحرب الناعمة". وهذه الحرب ليست "ناعمة" مطلقاً سوى للاميركي فقط. فهي ستجري على ساحة خصمه، ومن رصيد هذا الخصم ودون ان يمسك بيده ولو حبة كستناء واحدة الموجودة على النار كما يقول "المثل الغربي".
وتقوم "الحرب الناعمة" على اشعال الحروب القومية والمذهبية دفعة واحدة في ايران، فطالما تتفاخر طهران بأن مشروعها النووي هو مشروع قومي وليس مشروعاً للنظام الاسلامي، فان "نقطة اخيل" القاتلة هي في فكفكة العامل القومي، ودفع كل قومية وكل مذهب الى بناء جدار عال من الكراهية والحقد في ما بينها.
غزو ايران من الداخل
وقراءة ميدانية لما تعيشه ايران في الاشهر الثلاثة الماضية يؤكد ان هذه "الحرب الناعمة" تغزو ايران من جميع زواياها وبقوة واندفاع واضح طالما ان غزوها من الخارج صعب ان لم يكن مستحيلاً.
* النار المذهبية يتم اضرامها على يد جماعة "جندالله" في منطقة بلوشستان في عمليات قتل منظمة وردود امنية قاسية وخطورة هذه الحرب المذهبية في هذه المنطقة سنية، ان مشروعاً قديماً يشابه مشروع الدولة الكردية ما زال موجوداً وخريطة هذا المشروع تقوم بانشاء دولة بلوشستان عبر ضم اجزاء من افغانستان وباكستان وايران، وبذلك تنشأ دولة ضعيفة جديدة في المنطقة على حساب هذه الدول، رغم ان افغانستان وباكستان حليفتان للاميركيين، إلا انهما حليفتان متعبتان ومكلفتان لها.
* النار العرقية في كل من خوزستان (عربستان) التي سكانها من العرب والتي كانت قد شهدت قبل الثورة بداية لحرب انفصالية بدعم عراقي وقد وقعت تفجيرات تم الرد عليها باعدام مجموعة قيل انها كانت وراء العمليات، علماً ان المقاطعة التي فيها الثروة النفطية الايرانية تعاني من فقر مدقع واهمال تنموي شامل.
وفي كردستان حيث الصدامات تصاعدت بالسلاح مؤخراً سواء على الحدود مع العراق او حتى داخل المنطقة نفسها. وايضاً في اذربيجان، حيث ادى كاريكاتور في احدى الصحف الثلاث الكبرى صوّر كلباً ينطق باللغة التركية الى مظاهرات دامية سقط فيها عدة جرحى، وقد امتدت فجأة هذه الاحتجاجات من ايران الى باكو عاصمة اذربيجان الجمهورية الاسلامية في الاتحاد السوفياتي سابقاً. والمعروف ان الاذريين في ايران لهم الحضور الاوسع في البازار وان "القائد" آية الله علي خامنئي هو من مدينة مشهد عاصمة المنطقة الاذرية في ايران.
ومما يخيف في هذه "الحرب الناعمة" ان نارها لا بد ان تكسر الدائرة الجغرافية لإيران خاصة اذا ما احتكت بالدائرة العراقية وتواصلت مع الدوائر الصغيرة الاخرى في سوريا وغزة ولبنان. والاخطر في هذه "الحرب"، انها تصب في الطاحونة الاسرائيلية. ذلك ان اسرائيل التي تغلق على مشروعها باقامة اسرائيل الكبرى في اطار حدود معلنة ومحددة، بحاجة لكي تبقى القوة الاقليمية الاحادية الى تفتيت كل الدول حولها وخاصة الاحتمال الكبير لقيام ايران قوة اقليمية عظمى تمتلك الطاقة النووية وفي ظل التراجع العربي، ودخول تركيا في "البيت الاوروبي" الذي سيفرض عليها الانخراط في استراتيجية اوروبية متكاملة وليس في الحضور كقوة اقليمية شرق اوسطية مستقلة.
الفخ موجود ورؤيته واضحة بالعين المجردة. والصوت بالتحذير من خطر الوقوع فيه يتعالى. لكن هذا لا يكفي، اذ على كل طرف ومهما كان موقعه ان يشارك الآخر في كل شيء، فالمشاركة في القرار وفي التنفيذ في كل ما يخص الوطن من التحرير الى البناء هي التي تحصن وتبني جداراً يحمي ولا يعزل ليقتل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.