"قليل من الكلام وكثير من العمل". هذا هو الاطار الجديد لمسار قوى 14 آذار، في مواجهة الاستحقاقات القديمة منها والجديدة على السواء، وفي ظل "تسونامي" الحملات المنظمة من العديد من القوى السياسية التي تتجمع في الضفة المقابلة لضفة التغيير، والتي منها ما ينشط لحساباته الخاصة المتقاطعة مع دمشق، أو منها ما يتحرك تنفيذاً لأزرار "الرموت كونترول" السوري!
وهذا التوجه الناشط، لا يعني مطلقاً للجبهة الأخرى بفرض ارادتها، وانما مواجهتها بخطة فاعلة ومؤثرة تعتمد التعامل مع الوقت بايجابية. بدلاً من التعامل معه ببساطة أو بتسليم المنتظر لتحولات مشروعة قد تأتي ولا تأتي. ولا شك ان هذا الواقع الجديد يقوم على مستجدين. الأول جاء من "التقرير الثاني الواعد" للمحقق الدولي سيرج براميرتس بما فرضه من خلال فتح كل الأبواب على مختلف الاحتمالات وكل ذلك على قاعدة المواجهة النهائية مع المحكمة الدولية المختلطة. والثاني، من موسم الصيف "الواعد" جداً والذي يمكن من خلال نجاحه أن يشكل "رافعة" اقتصادية يبدو لبنان بأمسّ الحاجة اليها بعد الضربات الأمنية التي تلقاها منذ زلزال 14 شباط.
تعدّدت الأسباب والهدف اسقاط الحكومة
وهذا التعامل الجديد مع الوقائع، لا يعني مطلقاً ترك الجبهة مفتوحة للآخرين. فالحركة ستبقى دائماً على قاعدة طالما تعامل معها اللبنانيون دائماً وهي "الهدوء الحذر". ومما يفرض بقوة هذا التعامل الحركة الناشطة للاطاحة بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وتبدو خريطة هذه الحركة أوضح الآن من الفترة الماضية. ومن ذلك "انه اذا كان الجنرال ميشال عون يريد اسقاط الحكومة، لكي يشكل له ذلك بناء جسر للعبور عليه الى الرئاسة"، فإن "حزب الله" يريد وضع عملية التغيير في خانة "تمتين الحكومة والوضع العام للبلد، لأن الحكومة الحالية كما تقول أوساطه ناقصة التمثيل ويجب اللجوء الى التوافق في القضايا الكبيرة، فالحكومة الحالية لا يمكنها تحمل أثقال المرحلة الحالية والمقبلة معاً، خاصة بالنسبة لاستحقاقات مثل حلحلة الوضع الاقتصادي، واصدار قانون انتخاب جديد، وتحصين الوضع بحيث لا يتعرض لهزّة جديدة".
ويشدد مصدر مطلع في حزب الله على "ان رغبة الحزب في التغيير الحكومي، حدودها عدم السقوط في فراغ سياسي وهذا جزء من حركتنا السياسية داخل الحكومة وخارجها. وتحت المظلة السياسية المحلية قوامها الأطراف الكبرى وهدفها حماية الاستقرار ومنع الاحتقان والعمل للتوصل الى حلول للمشاكل ذات الطابع التوافقي. وفي الوقت نفسه فإن أطرافاً أخرى خرجت الى العلن بعد انكفاء لها استمر أكثر من سنة كاملة تحت ضغط المرحلة، تعمل لاسقاط الحكومة لفرض الفراغ على الدولة وكل ذلك باتجاه تيئيس اللبنانيين ودفعهم نحو أسوأ الحلول وأكثرها مرارة من دمشق لتحقيق الحلم الجديد بإسقاط "ثورة الأرز" ومفاعيلها ووعودها.
فرض حق الفيتو
لكن مصدراً مطلعاً من قوى 14 آذار يرى "ان القول بتغيير الحكومة أو تعديلها وتحت مختلف الحجج والتمنيات والارادات، تقع في اطار استدراج العروض لكي يصبح لهذه الأطراف حق الفيتو داخل الحكومة أولاً، وثانياً لإلغاء نتائج الانتخابات النيابية بكل ما أنتجته من أكثرية وأقلية التي منحت لهذه الأكثرية الشرعية حق تشكيل حكومة من جهة ومن ثمّ المشاركة في حكومة جديدة لا يكون لها الأغلبية. وأخيراً خلق نوع من توازن الرعب داخل مجلس الوزراء يخيم عليه القلق من الوقوع في الفراغ الحكومي على طريق الأزمة المفتوحة على جميع المخاطر.
بقاء الحكومة
وسياسة الإصلاح
وينهي المصدر المطلع في قوى 14 آذار بالقول، تأسيساً على هذه المعطيات فان هذه الحكومة باقية مع بقاء المواجهة مفتوحة بانتظار ظهور ثوابت جديدة من المتغيرات القائمة والتي ستظهر لاحقاً.
وأول مفاعيل هذا الوضع ان الرئيس فؤاد السنيورة، يعمل على أساس قاعدة ذهبية وهي الاستمرار بتصميم وقوة بتنفيذ سياسة اصلاح حقيقية وعميقة داخل الادارة حيث يجب وحيث يمكن. ولذلك فانه وفي اطار "خريطة طريق" خاصة به يعمل معتمداً في ذلك على جسم اداري كفؤ ويملك الخبرة في تحديث الكثير من القوانين والأوضاع. وكل هذا في اطار "مروحة" تمتد من قانون الأسرة وصولاً الى وضع السجون الذي كشفت أزمة سجن زحلة الكثير من جروحه الساخنة، مروراً بملفات التمييز ضد المرأة وتصنيف المتعهدين وغيرها..
وبقاء الحكومة واستمرارها بتنفيذ ما أمكن من اصلاح الادارة الى جانب مهماتها الثقيلة في ظل هذه الأوضاع الصعبة، فإن الخطة الجديدة التي وضعها النائب سعد الحريري للتعامل مع الوضع ومطالب اللبنانيين وحقهم بالتغيير تقوم على قاعدة مهمة قالها أحد أقطاب 14 آذار وهي "ان التطورات حالياً تؤكد اننا ذاهبون الى وضع سياسي غير منتج، فلماذا لا نذهب باتجاه عمل منتج يريح الناس خاصة في مجال المشاريع الاعمارية".
وهذا الوعي الكامل للوضع يترافق مع ادراك عميق، بأن التمديد للمحقق الدولي سيرج براميرتس سنة كاملة يؤجل استحقاق ظهور الحقيقة فترة اضافية لا يمكن ابقاء اللبنانيين معلقين عليه. ولذلك فان استباق النائب سعد الحريري بالفصل بين التحقيق ونتائجه والعلاقات مع سوريا كان قراراً سياسياً صائباً. الى جانب ذلك فانه في الوقت الذي يراهن فيه الطرف الآخر على خلخلة قوى 14 آذار وتيئيس اللبنانيين والبناء على أن خروج الرئيس الفرنسي جاك شيراك من قصر الاليزيه وغرق الرئيس جورج بوش في قلب الحملة الانتخابية للكونغرس سيخرج لبنان من دائرة الاهتمام الدولي، يبدو ان الحل الواقعي والقادر على تصليب هذه القوى، وتدعيم ارادة اللبنانيين بالتغيير عبر الابقاء على امالهم حية ومتفائلة يكون في مزيد من تنفيذ سياسة انتاجية تدعم نسبة النمو التي وصلت الى خمسة في المئة".
الحريري وبرنامج العمل
وعلى هذا الأساس يمكن قراءة ما قاله النائب سعد الحريري وكأنه برنامج عمل حقيقي يقوم اساساً "على عدم الانجرار الى أي منازلة كلامية لا طائل منها لأن الناس شبعت كلاماً"، ويتمحور في:
* خوض معركة الاستقلال بالعمل والبناء والاعمار. وهذه المعركة هي جزء من المعركة التاريخية للرئيس الشهيد رفيق الحريري في اعادة اعمار لبنان.
* العمل على تلبية حاجات الناس الضرورية. ومن ذلك كما يرى الكثيرون تحسين وضع الكهرباء التي ارتفعت نسبة التقنين فيها الى درجة عالية، خاصة وان لبنان أصبح على مشارف موسم الصيف.
* عدم السماح لأحد بالوقوف في وجه الخطة الاقتصادية. اذ يكفي لبنان واللبنانيين مأساة تفشيل نتائج باريس ـ 2، ومن جهة والدفع باتجاه عدم انعقاد بيروت ـ 1، فالامن الاقتصادي لا يقل اهمية عن الأمن الوطني لأنه جزء اساسي من ترسيخ السلم الأهلي.
* العمل على انجاح موسم الاصطياف الواعد جداً. وهذا يتطلب اساساً هدوءاً شاملاً في التعاطي اليوم مع الاحداث خاصة "وقف التراشق السياسي"، فالعمل على تفشيل هذا الموسم الواعد يبقى كما يبدو هدفاً رئيسياً لدمشق وللقوى التابعة لها.
* بناء خطة بديلة وتنفيذها، انطلاقاً من متغيرات حديثة لم تؤشر بعد الى ثوابت يمكن البناء عليها. ولا شك أن الوضع الاقليمي العام وخاصة العربي يتطلب ذلك. اذ أن الفترة الحالية والمرحلة القادمة في اطار المستقبل المنظور، تفرض التعامل بهدوء وصبر وشفافية، حتى لا يتحول سلاح الوقت الى سلاح قاتل. فالمنطقة تعيش حالياً حالة دخول في متحولات قد تكون نهايتها الانطلاق فعلياً ونهائياً في مسار التهدئة والهدوء خاصة اذا ما نجحت المفاوضات الأميركية ـ الايرانية التي تجري ميدانياً منذ فترة وسرا منذ وقت ليس بالقصير. ومن الطبيعي أنه اذا نجحت هذه المفاوضات أو حتى اذا أشرت الأحداث الى نجاحها فان الكثير من المتغيرات ستأخذ شكلاً جديداً يجعل من الاستقواء عودة الى الواقع وربما الانكفاء. أما اذا فشلت المفاوضات واتجهت الأوضاع نحو المواجهة الشاملة فإن الواجب يتطلب مسبقاً التحضير لمثل هذا الاحتمال.
وحتى يظهر الخيط الأبيض من الأسود، فان التوجه العام وخاصة من عواصم القرار في السعودية ومصر يدعو الى الهدوء والتحصن والبناء وحماية السلم الأهلي عبر منع أي محاولة قاتلة لاشعال أي خلاف صغير ناتج عن احتقانات يومية وتحويله الى صدامات مذهبية، يبدو مثالها الحي في العراق مرعباً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.