8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

باريس: اللبنانيون أحرار بتحمّل لحود والمجتمع الدولي ملزم تنفيذ قراراته التي لا تعترف بشرعيته

"شجرة" الموقف الروماني، لم تحجب "غابة" الموقف الفرنسي من عدم دعوة الرئيس اميل لحود للمشاركة في القمة الفرانكوفونية اكثر من أربع وعشرين ساعة. فقد خرجت باريس الى العلن للوقوف الى جانب الموقف الروماني وتبنيه مما أعاد الوضع كله الى نصابه الصحيح. وجاء هذا الموقف على لسان جان باتيست ـ ماتيي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية الذي أكد أن فرنسا "تتفهم" القرار الذي اتخذته رومانيا. مضيفاً: "انه قرار لا يفاجئنا ونحن لا نعارضه".
لكن باريس التي "لم تفاجأ" بالقرار الروماني، فوجئت "بحجم الضجيج وعدد الدوائر الذي أحدثه "الحجر" الروماني في البركة اللبنانية، مما أكد ان الهدوء الحذر الذين يسود لبنان يواكب الهشاشة السياسية السائدة فيه".
ويبدو أن باريس التي لا تريد ان يشكل موقفها "رافعة" جديدة للذين ينادون بأن لبنان استبدل الوصاية السورية بوصاية دولية، سارعت أيضاً الى التأكيد من جديد بأنه "ليس هناك من تدخل من فرنسا في شؤون لبنان الداخلية، رابطة هذا الموقف بالمواقف التي عبر عنها مجلس الأمن الدولي من قضية الانتخابات الرئاسية في لبنان. وفي هذا الاطار لاحظ العديد من المراقبين ان ماتيي الناطق الرسمي باسم الخارجية الفرنسي الذي "يزن تعبيراته بميزان الديبلوماسية الفرنسية الدقيق" تعمد خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي أن يصف "اميل لحود بالسيد وليس بالرئيس".
السياسة الفرنسية لم تتغير
وتنقل مصادر مطلعة في باريس "ان الموقف الفرنسي لم يتغير منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونقل المواجهة الى مجلس الأمن، وانهمار القرارات الدولية طوال الفترة الماضية وآخرها القرار 1686 والتي أسس لها القرار 1559 الأرضية الصلبة والواسعة. ويقوم هذا الموقف على جملة نقاط تقع كلها في اطار مسار واضح جداً يهدف الى تحقيق هدفين متكاملين هما: استعادة لبنان لحريته وسيادته واستقلاله واقامة دولة قوية ذات نظام سياسي صلب من جهة، وضرورة معرفة الحقيقة حول اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومحاكمة المنفذين والمحرضين والمخططين، حتى لا تتكرر في المنطقة مثل هذه الجرائم التي تستهدف الديموقراطية وفرض الخوف منعاً للقرارات السيادية.
واذا كان اللبنانيون أحراراً في تحمّل استمرار اميل لحود في الرئاسة، احتكاماً منهم لأحكام الدستور اللبناني، ورغبة منهم بعدم كسر هذا الدستور حتى ولو كانت رئاسة لحود كسرت هذا الدستور عندما جرى التمديد له قسراً، فإن باريس ليست مضطرة رغم كل تفهمها لدقة الوضع اللبناني كما تؤشر المصادر المطلعة نفسها بالتعامل مع "السيد" لحود. وهذا الموقف ليس شخصياً وإنما بما قاله مجلس الأمن حول الانتخابات الرئاسية فالقرار 1559 الذي صوت عليه مجلس الأمن في 2/9/2004 يؤكد على "اجراء انتخابات حرة ونزيهة وفقاً لقواعد الدستور اللبناني من دون تدخل او نفوذ أجنبي". وفي ملاحقة متكاملة لهذا الموقف، تضيف المصادر الفرنسية نفسها "انه اذا كان لدى لحود الرغبة بالبقاء في الرئاسة فليبقى. ولكن المجتمع الدولي أيضاً ملتزم تطبيق وتنفيذ مواقفه وقراراته". ولهذا فإن الرغبة الدولية وخاصة الفرنسية، بأن يشهد لبنان موسماً اصطيافياً وهادئاً وغنياً بالمصطافين الذين سيمنحون اقتصاده جرعة من الأوكسجين هو أكثر ما يكون بحاجة اليها، فإن ذلك لا يعني مطلقاً ترك لبنان عارياً أمام الهجمة السياسية السورية وملاحقها اللبنانية الداخلية ضده. وحتى لو بدا الوضع بعد تقرير سيرج براميرتس المحقق الدولي الأخير أمام مجلس الأمن وكأنه اشارة صفراء لا يمكن معرفة توقيت اضاءة الاشارة الخضراء أمام اللبنانيين لمعرفة الحقيقة وتفعيل ارادة التغيير لديهم، فإنه لا يجب اعتبار هذا الوقت وقتاً ضائعاً يجب تمريره فقط".
آليات محددة
أمام هذه الارادة الواضحة بابقاء لبنان تحت المتابعة والملاحقة الى درجة تأكيد مسؤول اميركي "بأنه لا يوجد أولويات أمام لبنان، فلبنان هو أولاً مثلما ان العراق أولاً"، فإن فرنسا ومعها المجتمع الدولي مستمران في تنفيذ آليات ضغط محددة وناشطة وفاعلة لاتمام مسار التغيير. ومن هذه الآليات:
* استمرار مجلس الأمن في ضغوطه على سوريا فالقرار 1686 لن يكون الأخير وملاحقة تنفيذه مستمرة مثل باقي القرارات التي صدرت حول لبنان وسوريا. وتنفيذ هذه القرارات ليس معلقاً على وجود الرئيس جاك شيراك في الأليزيه أو غرق الرئيس جورج بوش بالاستحقاقات الأميركية ـ الداخلية.
* العمل بدون توقف وعلى مختلف الصعد الدولية واللبنانية للاسراع في تشكيل المحكمة الدولية المختلطة ولو وصل الأمر الي حد "اصدار تشكيلها وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة اذا جرى عرقلة تشكيلها لبنانياً".
* ملاحقة ورعاية عمل لجنة التحقيق الدولية برئاسة المحقق سيرج براميرتس و"التي يجب ان تذهب الى النهاية" كما أكد وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست ­ بلازي لدى زيارته لقطر اخيراً العضو الموقت في مجلس الأمن.
* دعم استمرار تيري رود لارسن مبعوث الأمم المتحدة الى الشرق الأوسط بناءً على "الثقة بعمله" وعلى أساس "تأييده" في استكماله لجولاته المنتجة".
* تقدير شجاعة الحكومة برئاسة فؤاد السنيورة للقيام باصلاحات اقتصادية كبرى، مع دعم الاستمرار في الحوار الوطني وتنفيذ مقرراته.
* التأكيد على عدم "شرعية هذه الرئاسة وربط ذلك بالعلاقة بلبنان". ومن هذه الخطوات عدم تصديق البرلمان الأوروبي حتى الآن اتفاقية الشراكة التي وقعت منذ فترة طويلة.
ولا شك في ان أكثر ما فاجأ باريس، في الضجة التي رافقت عدم دعوة الرئيس اميل لحود الى القمة الفرانكوفونية بعض ردود الفعل المارونية التي ربطت بين تهميش دور لحود وموقع الرئاسة. وكما تشير المصادر الفرنسية المطلعة الى "انه يجب عدم السقوط في هذا الفخ، ذلك ان الرئيس إميل لحود يلعب على كل الأوراق من أجل مصلحته الشخصية، والدليل انه الآن وهو يحرض حول موقع الرئاسة المهدد من باب المحافظة على حقوق الطائفة المارونية، فإنه عندما يثار ملف سلاح المقاومة، يلجأ إلى الورقة الوطنية ليرفعها في وجه خصومه، وفي الحالتين يعمل على الاحراج وليس للبناء".
باطل الفدرالية
ولعل أخطر ردود الفعل الكلام بوتيرة عالية عن "الحرمان الذي تعاني منه الطائفة المارونية في إطار إلغاء دور الرئيس إميل لحود الدولي. وهنا تذكر باريس بأنه سبق للمسؤولين الفرنسيين وعلى أعلى المستويات التأكيد أمام المرجعيات المارونية التي تعنيها بقوة وشفافية مصلحة الموارنة بأن المخاوف من التهميش ليست في محلها". وقد أبدت باريس ترحيبها الشديد لوثيقة المجمع البطريركي الماروني، خاصة بما تضمنته من مواقف تتعلق بهوية لبنان وتأكيدها العقد الاجتماعي بين اللبنانيين وهوية لبنان وانتماءه العربي".
واستناداً إلى هذه الرؤية، فإن "غيّرة" بعض السياسيين المسيحيين وخاصة من قوى 14 آذار على موقع الرئاسة، يجب الا يحجب عنهم الفخ الكبير الذي نصبه لهم ولكل قوى التغيير في إبقاء الرئيس لحود في بعبدا، وكذلك إمكانية الوصول إلى استحقاق انتخابات الرئاسة في صيف عام 2007، دون إمكانية تشكل نصاب الثلثين زائد واحد لعقد جلسة الانتخابات، مما يعني حكماً واستناداً إلى الدستور تحول مجلس الوزراء ورئيسه إلى سلطة إجرائية لإدارة البلاد وبذلك فإن رئيس الوزراء يكون قد حل مكان رئيس الجمهورية. فهل يقبل المسيحيون وخاصة الموارنة منهم هذا الانقلاب؟ ومن ستكون لديه الجرأة أن يتحمل مسؤولية ذلك.
وثيقة المجمع البطريركي الحاسمة
والاخطر من ذلك، انه في الوقت الذي تؤكد فيه وثيقة المجمع البطريركي على حسم الخيارات، فتؤكد على العيش المشترك، فإن بعض "قوى الظلام" تعمل على تأجيج "الاحباط المسيحي" بحجة تهميشهم، مستندة الى مسألة مثل عدم دعوة الرئيس إميل لحود إلى القمة الفرنكوفونية، لتحقيق باطل قديم هو الفيدرالية كحل نهائي، مما يعني نقل الوضع كله من حالة الهدوء الحذر إلى آتون الحرب الأهلية. وتقوم هذه الدعوة في بعض الأوساط القديمة الجديدة، على أساس أن المرحلة المقبلة في منطقة الشرق الأوسط هي مرحلة الفيدراليات والدليل ما يجري في العراق. علماً أن العرب والإيرانيين لا يريدون الوقوف أمام خط الجحيم الذي رسمته أحداث العراق، لأن لا أحد سيخرج منه سالماً. ومن الطبيعي أمام مثل هذه القناعة، أن أي مشروع مثل مشروع الفيدرالية في لبنان يشكل حرباً ضد اللبنانيين والعرب وغيرهم.
انسداد الأفق السياسي في لبنان يبقى موقتاً وقدرة اللبنانيين على التعامل مع هذا الوضع بأنه موقت هو الذي سيخرجهم من عنق الزجاجة ويبعدهم عن خط الجحيم!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00