ما هو الوقت المناسب لقيام علاقات ديبلوماسية بين سوريا ولبنان؟ واذا كان الوقت الآن غير مناسب، فمتى سيكون مناسباً؟.
يبدو ان هذا الوقت ما زال بعيداً. فكل الأوقات غير مناسبة لدمشق لأنها ضمناً لا تريد ذلك. وبيروت لأنها تستطيع الانتظار، والعرب لأنهم وإن كانوا يرغبون ذلك لكنهم لا يفرضون المشكلة رغم كل تعقيداتها تبقى بسيطة. ذلك ان دمشق لم تبلع مرارات 26 نيسان عندما اكتمل انسحاب القوات السورية في منتصف الليل، وهي لم تهضم العلم اللبناني وهو يوحد بين اللبنانيين من ساحة رياض الصلح الى ساحة الشهداء.
واذا كانت العودة الى الماضي من الماضي، فإن دمشق لم تقتنع بعد بهذه القاعدة الذهبية. ولذلك فإنها ما زالت تبني استراتيجيتها في العلاقات مع لبنان على أساس المتغيرات وليس الثوابت، كما تفرض المبادئ الأولية في علم السياسية. فمن الثوابت أن لبنان هو دولة عربية حرة مستقلة ذات سيادة وإن أبسط قواعد شعارات الأمة العربية الواحدة تفرض اقامة علاقات أخوّة مميزة تستند الى التاريخ والعلاقات الاجتماعية والثقافية وليس المخابراتية والقمعية، أما المتغيرات فهي العمل على أساس انجاز انقلاب سياسي لا تعود فيه الأكثرية أكثرية، في حين تتحول الأقلية الى أكثرية تعمل وفقاً لقاعدة دمشق الذهبية وهي وحدة المسار والمصير حتى تحرير الجولان عبر لبنان الواقف دائماً على حافة الهاوية!.
ذر الرماد في العيون
ومما يؤكد هذا ان قمة شرم الشيخ بين الرئيسين محمد حسني مبارك وبشار الأسد لم تقدم أي جديد وان السوريين على موقفهم مع مبالغات في المواقف التي هي من نوع ذر الرماد في العيون. ويقول مصدر مطلع على ملف العلاقات اللبنانية السورية:"يبدو ان دمشق التي حشرت بعد تأجيل القمة الثلاثية، عادت وسارعت الى لملمة الوضع، ورغم كل المقدمات الطيبة التي قدّمها "المعلم"، فإنه لم يبلعها أحد للبناء عليها".
ومن ذلك، ان ثلاثين عاماً من الوجود السوري لم يمر فيها لحظة مناسبة لبناء علاقات طيبة ومتوازنة وقائمة على مؤسسات حقيقيقة ومؤطرة وفاعلة، فهل سيكون الآن الوقت المناسب لذلك؟ واذا كانت عملية ترسيم الحدود معلقة على تحديد مزارع شبعا، فلما القول بأن لجان مختصة تعمل في هذا الجانب، وهي غير موجودة أصلاً واذا كانت موجودة فمن هو رئيسها من الجانب السوري ومتى اجتمعت؟ أو هل على الأقل حدد لها موعداً للاجتماع؟ الا اذا كانت عملية استكشاف السواتر الصخرية والرملية والعمل على ازالة المستحدث منها والتي تعطل عمل المزارعين الفقراء هي من ضمن عملية الترسيم والتحديد؟ أما انتظار الوقت المناسب للترسيم، فإن معنى ذلك تأجيله الى أجل غير مسمى، لأن الدول هي التي تخلق الظروف المناسبة فيما بينها وليس الظروف هي التي تخلق الارادات والتوجهات المستقبلية.
اعلام حرّ
والكلام المستمر حول الحملات الاعلامية اللبنانية على دمشق، يراد منه صرف الأنظار عن واقع قائم كان موجوداً حتى في عز أيام النظام الأمني، وهو الاعلام الحر الذي لا يصاغ وفق سياسة مركزية، حتى وان حجب الترهيب أوالترغيب أو الخوف الحرية عن فعلها. ثم أن قسماً مهماً من هذا الإعلام الحرّ، يشن حملات يومية على باريس وواشنطن، فلماذا لا تطالب العاصمتان بوقف هذه الحملات وتعمد إلى سحب السفراء أو قطع العلاقات في حين أن مثل هذه الحملات تشكل لدمشق سبباً لعدم قيام علاقات ديبلوماسية بين البلدين؟. ثم أن انتفاء هذا الطلب يأتي منه. فقيام علاقات ديبلوماسية وليس تعاملاً اخوياً، وتنفيذ سياسة بناءة تساهم في إزالة الضعف والقلق لدى اللبنانيين وتعمل على بناء جسور الثقة، تلغي تلقائياً الحملات الإعلامية لأن هذا الإعلام الحر هو سلاحهم الوحيد في مواجهة نظام دمشق المركزي والمستقوي عليهم.
لبنان رغم كل آماله وطموحاته بانتصار إرادة التغيير والكشف عن الحقيقة، لا يريد كما يقول مصدر رسمي مضطلع "تسعير أو تصعيد الجدل السياسي مع دمشق. ولذلك لم تكشف بيروت عن تفاصيل الدعوة التي حملها الرئيس نبيه بري وهو "الاستاذ" في دراية الأمور وفتح الأبواب المغلقة، لأن الشيطان يكمن في التفاصيل". ومن ذلك انه لا يمكن للرئيس فؤاد السنيورة تلبية دعوة لدمشق محددة ضمن 24 ساعة ودون تشاور ولا جدول أعمال، لأن زمن الاستدعاء والزيارات السريعة قد انتهى، وأن المطلوب والملح الآن هو المكاشفة المعارضة بناء على جدول أعمال محدد وواضح.
السنيورة والبرنامج
اللبنانيون الذين حرروا الجنوب ببندقية "مقاومتهم" وقدموا للعرب هذا الانتصار مثالاً للجميع لم يعودوا وليسوا بحاجة لفحص نسبة العروبة في دمائهم، ولا لتقديم كشف حساب لأحد بمدى إيمانهم بالعروبة. وذلك على مختلف طوائفهم وقواهم السياسية. وقد صاغ الرئيس فؤاد السنيورة هذا الموقف بوضوح وهو يقوم على:
ـ الخيار العربي للبنان هو التزام وليس إلزاماً أو إرغاماً من أحد.
ـ لبنان العربي السيد الحر المستقل أكثر فائدة للعرب وللبنانيين من الكيان الذيلي أو التابع أو الخائف.
ـ السياسة الخارجية اللبنانية يجب ان تبقى ضمن الالتزام والاجماع العربي.
تضحية سعد الحريري
الى جانب هذا البرنامج الواضح، فإن لبنان ذهب بعيداً في اعلان رغبته بقيام علاقات طبيعية مع دمشق على أساس النديّة. اذ ماذا تريد دمشق أكثر من قبول النائب سعد الحريري الفصل بين التحقيق الدولي الذي وإن كان يعني كل اللبنانيين فإنه يعنيه شخصياً قبل غيره، ومستقبل العلاقات مع دمشق.
أليس هذا الفصل كافياً لدمشق لو صفّيت النوايا وسلمت الارادات للتقدم مقابل مثل هذه الخطوة خطوات من قبلها، بدلاً من التقوقع في الماضي، والعمل على استعادته المستحيلة ولو بصور أخرى، لأن اللبنانيين بجميع طوائفهم وتوجهاتهم يرفضون هذه العودة، فالنظام الأمني السياسي قد مات، وقد مرت الذكرى السنوية الأولى عليه بفرح علني أو ضمني لا فرق.
كما أن لبنان أعلن قبوله بكل نتائج التحقيق الدولي دون اضافات أو تحفظات. في حين أن قبول دمشق بالنتائج ما زال مشروطاً باستمرار المهنية وعدم تسييسه، مما يعني تلقائياً رفض أي نتيجة لا توافق مصالحها.
دروس من التاريخ
مفكر قومي عربي، تابع بأسى تصريحات وزير الخارجية وليد المعلم ونائبه فيصل المقداد، استذكر التاريخ والحاضر معاً فقال: يبدو أن الابن لم يستفد من دروس والده وأفعاله. فالرئيس حافظ الأسد وأد مرارات الانفصال، وبنى مع الرئيس أنور السادات حلاوة انتصار حرب تشرين، ثم اعاد مع الرئيس حسني مبارك فتح الطريق نحو قيام علاقات طبيعية بين القاهرة ودمشق تحت ظلال اتفاقات كامب دايفيد. ورغم ان الرئيس بشار الأسد يقطف حالياً ثمار هذه العلاقات فيعقد القمم مع الرئيس مبارك من دون عُقد، فإنه لا يعمل على قياس العلاقات السورية ـ اللبنانية، على حيثيات العلاقات المصرية ـ السورية، علماً أن مصلحة الدولة تفرض ذلك، وروابط القومية العربية تشدّ إلى مثل هذا الموقف".
والاصعب من كل ذلك، كما يضيف المفكر القومي العربي: "أن الحاضر يبدو الأقرب والأقسى لنا. ربما الرئيس بشار الأسد لم يسمع أو لم ينقل اليه ماذا حصل بالأمس خلال لقاء وزيري خارجية صربيا والجبل الأسود. فقد وقّعا على وثيقة قيام علاقات ديبلوماسية بينهما، رغم انه لم يمض شهر واحد على الانفصال بينهما. وانه بعد التوقيع قال دراسكوفيك وزير خارجية صربيا، وهي الدولة الأم سابقاً: "ان صربيا والجبل الأسود بكل قدراتهما هما من جديد معاً، نداً للند". وقد رد عليه نظيره فالهونيك "إن الجبل الأسود سيكون الأقرب والأفضل بين الجيران لصربيا. نحن لم نحصل على استقلالنا لنبني سوراً حولنا وانما بالعكس لكي نتعاون معاً".
فهل في دمشق قلب العروبة النابض من يسمع دروس التاريخ ويطالع وقائع الحاضر ليبني المستقبل.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.