لا يمكن أن تكون عربياً وخاصة لبنانياً، إلا وتأخذك الدهشة وانت في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل ببرج بابل حقيقي، يعمل ويتحرك على وقع عشرين لغة، ومن خمسة وعشرين مجتمعاً. الفروق بين كل واحد والآخر فروق واسعة وأحياناً عميقة، وحاجات كل دولة تختلف عن الاخرى، خاصة وأن المستوى الاقتصادي سواء من حيث الانتاج ونوعيته وطبيعته شاسع أحياناً. ومع ذلك فإن هذه الدول تتفاهم وتضع ميزانيات مشتركة وسياسة الحد الأدنى للتعامل مع العالم على قاعدة "الدوائر الجارة"، ولهذا فإن لكل دائرة سياستها ونهجها وأهدافها. برج بابل العصري ينجح يومياً رغم الصعوبات والخلافات لانه يعمل من أجل المستقبل. وليس مثلنا أسرى الماضي والكيانات الصغيرة فالصغرى القائمة على "تسونامي" التشدّد الديني فالمذهبي.
دوائر العلاقات
هندسة "دوائر الجيران" تحدد طبيعة السياسة المتبعة من الاتحاد الأوروبي باتجاه دول كل دائرة على حدة. وهي تعتمد أساساً على اتفاقية الشراكة الموقعة بين كل دولة والاتحاد الأوروبي، ولذلك فإن لبنان ومصر في دائرة واحدة، فالاتفاقية في طور مرحلة التصديق السريع عليها بالنسبة للبنان. أما بالنسبة لمصر فإن مناقشات اضافية وربما طويلة من المفترض أن تجري، لأن الطرف المصري يناقش كل نقطة على حدة وهو لا يترك فاصلة دون معالجتها إلى جانب ان خلافات تبدو عميقة وأساسية تدور حول مشكلة التسلح وحقوق الانسان. فمصر تريد عدم التقيد بالقضية الأولى لانها وسط غابة من الدول التي تتسلح حتى اسنانها، هذا إلى جانب القوة النووية الإسرائيلية وبما يتعلق بحقوق الانسان فإن مصر تعتبرها قضية حساسة ولا يمكن لأحد فرض شروطه عليها". اما سوريا فإنها في دائرة واحدة مع ليبيا عنوانها الكبير "عدم وجود اتفاقية قيد البحث".
مسؤول في الهيئة الأوروبية يؤكد بأن ما يريد الاتحاد الأوروبي "هو إنجاز زواج مع أطراف الدوائر الجارة، وخاصة مع الدول الأعضاء في ميثاق برشلونة، لكن مثل أي زواج لا يمكن أن يتم بالإكراه أو بالقوة، وانما دائماً بالتفاهم الكامل".
وعن قاعدة هذا "الزواج" يقول المصدر "تختصر هذه القاعدة في كلمات الرخاء، الأمن، والاستقرار، لأنه كلما تحقق بند من هذه البنود، ينعكس ايجاباً علينا في أوروبا. فالضفة الجنوبية من البحر المتوسط جزء من أمننا في الضفة الشمالية، والعكس صحيح".
الموقع الخاص للبنان
لكن ماذا عن لبنان؟
يجمع مختلف المسؤولين في مقر الاتحاد الذين التقيناهم والذين أصروا على عدم تسميتهم "ان للبنان موقعاً خاصاً، ونحن نعرف ان لبنان يمر منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقيام ثورة الأرز في مرحلة انتقالية، لكن نحن هنا كالعادة، وذلك كما كنا قبل الحرب واثناءها وحالياً وفي المستقبل. ونحن يهمنا ونريد وندعم خروج لبنان من هذه المرحلة، والدخول في حالة ثابتة قاعدتها الأمن والاستقرار والنمو".
ويشدّد هؤلاء المسؤولين على "أن الاتحاد الأوروبي يؤيد ويدعم إرادة الإصلاح لدى الحكومة اللبنانية، وهي تدعمها بقوة. ونحن نتعامل مع لبنان على أساس ان له وضعاً خاصاً، يجب اخذه بعين الاعتبار عندما نلح على لبنان السير بسرعة بالسياسة الإصلاحية. ولا تنسوا أن هذا الموقف محدد بالتفاصيل في وثيقة الأورو ـ ميد الاستراتيجية والتي وضعت للأعوام بين عامي 2000 و2006".
مسؤول أوروبي يعرف لبنان جيداً ويتابعه بانشداد عاطفي كما يقول يرى "انه توجد رؤيتان بالنسبة للبنان داخل الاتحاد: الأولى ترى ان لبنان مع كل ما عاشه طوال الفترة الماضية، يتغير ويجب أخذ هذا التغير بعين الاعتبار، أي دعم كل ايجابياته.
الثانية: ترى أن لبنان لم يتغير، لأن الخلافات المذهبية ما زالت مهيمنة عليه لا بل أحياناً ازدادت وتعمقت وتشعبت".
لا أحد يحل مكان اللبنانيين
والحل يكمن كما يرى المسؤول نفسه الآتي من دولة أوروبية عانت من الخلافات المذهبية "هي أن تجد مختلف الطوائف في لبنان طريقة للعمل معاً، لأننا لا نستطيع ولا يستطيع غيرنا أن يحل مكان اللبنانيين في إنجاز هذه المهمة. كل ما نستطيع أن نفعله هو متابعة الوضع اللبناني وما يحتاجه من دعم داخل الأمم المتحدة، ولهذا اجمعنا دائماً على كل القرارات المتعلقة بلبنان التي صدرت عن مجلس الأمن".
ويشكل الكلام عن مجلس الأمن "مفتاحاً" للحديث عن جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما انتجته من تحولات ومتغيرات في لبنان وجواره، فيؤكد المسؤولون الأوروبيون، سواء بالحديث المباشر أو التلميح أو الموافقة على الأسئلة المطروحة دون الخوض في تفاصيلها أن ما يهم الاتحاد "هو التوصل إلى الحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ولذلك يجب أن يتم سيرج براميرتس المحقق الدولي عمله حتى النهاية وأن تترجم كل ذلك في أحكام قضائية صادرة عن المحكمة الدولية".
الفصل الأوروبي بين الملفات
ويرى مصدر أوروبي أن لا مزاحمة ولا تنافس مع الولايات المتحدة حالياً. أن للأميركيين وإدارتهم أولوية في منطقة الشرق الأوسط وهي العراق، لأنها غارقة فيه حتى وسطها. أما نحن فليس لدينا هذه الأولوية ولذلك نتعامل مع كل ملف على حدة وخاصة بالنسبة للبنان.
وأمام هذا الفصل في الملفات، فإن التأكيد الأول والأساسي هو أن الاتحاد الأوروبي يريد نجاح ثورة الأرز مع تأكيدات بأن ذلك لا يقوده إلى التدخل في المسار الذي اختطه اللبنانيون لأنفسهم". وعندما يأتي الحديث عن "حزب الله" كطرف في هذا المسار يكتفي المسؤولون الأوروبيون بالإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي لم يضع "حزب الله" على لائحة الإرهاب كما سبق له وأن فعل ذلك مع حركة حماس، ويعود هذا إلى ان الشرط الأول لإصدار هذا القرار الخطير الحصول على إجماع بين كل دول الاتحاد الأوروبي وهذا ما لم يحصل حتى الآن لأن العديد من الدول تعارض ذلك وتأخذ بعين الاعتبار أن الحزب قد انخرط في الحياة السياسية اللبنانية وان لديه حالياً نواباً ووزراء يعملون معاً مع باقي الحكومة وأعضاء مجلس النواب الموزعين على مختلف القوى والطوائف اللبنانية". ويمتنع كل المسؤولين عن ذكر الدول التي تعارض ايراد "حزب الله" على لائحة الإرهاب وان كان البعض يلمح إلى معارضة فرنسا القوية لمثل هذا القرار.
سوريا الجار الممكن
ولا يكتمل الكلام عن لبنان دون الحديث عن سوريا. ويبدو هنا جلياً اتفاق ضمني بين المسؤولين على عدم الخوض بموضوع سوريا ولبنان خارج التأكيد على ثوابت الاتحاد الأوروبي في تعامله مع المنطقة. لكن عندما طرحنا على مسؤول أوروبي، كيف يستعد الاتحاد الأوروبي للتعامل مع سوريا وهي التي ستصبح جارة جغرافية للاتحاد متى انضمت تركيا إلى عضويته سواء بعد عشرة أو خمسة عشر عاماً، اجاب وهو يرفع يديه "يا إلهي على هذا الجار المحتمل. لكن لا ننسى أن منطقة الشرق الأوسط تعيش وقع تغييرات سريعة، فكيف بالحديث عن عشر سنوات أو أكثر. يجب أن نتابع لنرى ولنقرر".
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.