يظهر "الحرج" على أي مسؤول أوروبي، فور الحديث عن فلسطين. يعرف كل واحد من المسؤولين، أن ما يجري ليس مقبولاً ولا عادلاً وأنه مناف لأبسط القواعد السياسية، لكن قيود الموقف الرسمي تدفعهم عندما يحرجون للاكتفاء بإشارات تحمل كل واحدة منها إجابة وافية.
بداية، ثمة إجماع واضح وعلى جميع المستويات في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، على أن الوضع دقيق وخطير، وهو يعني أوروبا كثيراً. فأوروبا وإن كانت تشكل الصندوق الذهبي لتمويل بعض احتياجات الفلسطينيين وسلطتهم الوطنية والتي تحصل على 500 مليون أورو سنوياً، إلا أن دور الاتحاد لا يقتصر على ذلك، وخصوصاً أن فلسطين جزء أساسي من البحر المتوسط وكل ما يجري على الضفة الجنوبية لهذا الحوض، ينعكس سلباً أو إيجاباً على الضفة الشمالية منه.
الوضع المشتعل في فلسطين
ويعترف أحد المسؤولين الأوروبيين "ان الوضع في الأراضي الفلسطينية دائم الاشتعال. لكن الآن يبدو الوضع أكثر اشتعالاً من أي وقت مضى. والأمر لا يقتصر على نار المدافع وقنابل الطائرات، فالحصار المالي الذي نشأ مع وصول حركة "حماس" الى السلطة، اشتدت مفاعيله حالياً، وإذا كانت مسؤولية الاتحاد والعرب معاً كما يشدد المسؤولون مرتبطة سواء بقرار مقاطعة "حماس" أو بسبب مشكلة البنوك وعدم التعامل مع "حماس" نتيجة للقرارات الأميركية التي تعتبر أن "حماس" حركة إرهابية، فإن مسؤولية إسرائيل كبيرة أيضاً في هذا الجانب لأنها لا تعطي للفلسطينيين أموالهم والناتجة عن الجمارك والضرائب وهي نحو ستين مليون دولار في الشهر الواحد".
آلية جديدة للمساعدات
والحل كما يرى الأوروبيون ليس مستعصياً. المهم إيجاد آلية لإيصال هذه الأموال من دون أن تمر على حركة حماس، خصوصاً ما يتعلق منها برواتب الموظفين. وهنا يبدو التناقض على الموقف الأوروبي الرسمي، إذ يعترف هؤلاء أن الانتخابات التشريعية التي جرت في فلسطين كانت حرة وشفافة وعادلة. لكن فوز حركة حماس الموضوعة على لائحة الإرهاب عقد الأمور. ويضيف هؤلاء: ليس هدفنا إسقاط الحكومة الفلسطينية الحالية التي جاءت نتيجة الانتخابات المعروفة، لكن هدفنا هو وجود شريك بنّاء يمكن التعاون معه. وحتى يتم ذلك فإننا سنتابع تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني عبر المؤسسات الإنسانية والمختصة مثل الأونروا.
ولكي يكون الشريك الفلسطيني "بناء"، فإن على حركة "حماس" أن ترد إيجاباً على المبادئ الأساسية التي نراها وهي، أن تتراجع عن العنف والإرهاب وأن تقبل السلام والاعتراف بإسرائيل. وهذا ما لم تفعلْه حتى الآن. ويزداد إحراج الأوروبيين، خصوصاً لدى سؤالهم ماذا لدى الأوروبيين وغيرهم ليقدّموه للفلسطينيين، خصوصاً لحركة حماس مقابل كل هذه المطالب؟ هل يطلبون من إسرائيل مثلاً الالتزام نهائياً وبدون مداورة ولا تلاعب بخارطة الطريق؟ هل يصرون على تدمير "جدار" الكراهية؟
يرد البعض من هؤلاء المسؤولين بوضوح: مسار السلام جامد ونحن لا نريد الدخول في معركة شروط وشروط مضادة مع إسرائيل. لذلك نتبع سياسة الباب الموارب بحيث يأتي الوقت المناسب لفتحه على مصراعيه بدلاً من أن يقفل نهائياً. فالهدف النهائي لنا هو مساعدة الفلسطينيين لإقامة دولة قابلة للعيش سياسياً وأمنياً واقتصادياً.
وقف دورة العنف
لكن وبسبب الأحداث الجارية، فإن الأهم يتقدم على المهم. ولذلك فإن الأهم حالياً هو في رأي الأوروبيين: "وقف دورة العنف، أي أن على الفلسطينيين وقف إطلاق الصواريخ وعلى الإسرائيليين وقف العمليات العسكرية التي طاولت مناطق مأهولة من السكان ما أوقع خسائر واضحة بين المدنيين".
وما لا يقوله الأوروبيون علناً يتداولونه سراً، ومنه أن استمرار دورة العنف في الأراضي الفلسطينية، وسط عجز كامل في مواجهته من الجميع، يغذّي التشدّد والتطرّف لدى الفلسطينيين. فالمرارة والشعور بالعجز وغياب الأمل كلها مجتمعة تشكّل الوقود لنمو الأصولية. وأمام هذا الاحتمال ثمة وعيٌ أوروبي واضح بأن استمرار الوضع على حاله قد يؤدي الى نشوء حركات إسلامية متطرفة لدى الفلسطينيين، تبدو حركة "حماس" أمامها حركة معتدلة. ما يعني تزايد صعوبة إيجاد الشريك البنّاء الذي يسعَوْن إليه.
الحرج اللبناني
ومن الطبيعي أن يقود هذا الكلام الى لبنان، خصوصاً أن لديه مشكلة فلسطينية، وتجمع المصادر الأوروبية على أن الوضع المشتعل في الأراضي الفلسطينية وضرورة العمل لإطفائه، أمور تزيد إحراج اللبنانيين. فإذا كان طبيعيا وضروريا العمل لتنفيذ ملف نزع سلاح الفلسطينيين خارج المخيمات والعمل لإعادة تنظيمه داخلها كما أقرّ مؤتمر الحوار اللبناني ـ اللبناني، وكما يطالب القرار 1559، فإنه يجب الآن عدم المضي فيه وتأجيل تنفيذه حتى يعود الهدوء الى الأراضي الفلسطينية. وأن عمل الحكومة اللبنانية الآن على الملف الإنساني والاقتصادي للفلسطينيين في لبنان هو عمل إيجابي جداً ويجب متابعته، لأن التقدم به يدفع باتجاه تسهيل تنفيذ ما اتفِق عليه عندما تدق ساعة العمل باتجاهه.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.