8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

عملية "الوعد الصادق" تنتج تقاطع المسارين اللبناني والفلسطيني والقرار بالتهدئة أو التصعيد إسرائيلي

عملية "الوعد الصادق" ليست "بنت ساعتها" وانما هي عملية عسكرية من النوع الذي يقتضي الاعداد لها وقتاً مفتوحاً على كل الاحتمالات، ودراسة دقيقة لكل التفاصيل سواء الكبيرة منها أو الصغيرة لطبيعة الأرض والموقع والقوى وصولاً إلى حساب الوقت بالدقائق والثواني للانسحاب إلى نقطة آمنة تحقق النجاح المطلوب. لذلك لا يمكن أبداً اقحام هذه العملية في سياسة "الرموت كنترول" الداخلية منها أو الخارجية، حتى ولو تداخلت توقيتها ونتائجها مع مسارات إقليمية قائمة.
ولا شك في أن النجاح الكبير في هذه العملية، انها لم تكن مفاجأة للإسرائيليين سوى في توقيتها. فالسيد حسن نصرالله كان قد وعد علناً بعملية لأسر جنود إسرائيليين لمبادلتهم بالأسرى اللبنانيين وعلى رأسهم عميد الأسرى سمير القنطار. وفشل الإسرائيليين جيشاً ومخابرات، في إفشال وعد المقاومة، مسؤولية تتحملها إسرائيل وحدها، وتؤكد مرة أخرى مدى حصانة وتحصن المقاومة أمام الاختراقات الأمنية الإسرائيلية.
جرف غزة لتحرير جلعاد
ومن الطبيعي أن الحديث عن شرعية العملية يقود إلى السؤال عن المدى الذي يمكن للمقاومة الذهاب إليه لإنجاح هذا الوعد. ومن الواضح هنا أن "الخطوط" المرسومة جغرافياً قابلة للتمدد وللكسر طالما أن هذه الخطوط نفسها تدعم الأسلاك الشائكة القائمة أمام المعتقلين اللبنانيين. فالإسرائيليون الذين رفضوا إطلاق سراح سمير القنطار ورفاقه زرعوا بأيديهم إذا صح التعبير "مسمار جحا" أمام المقاومة لشرعنة العمليات ضدهم. إلى جانب ذلك، فإن هذا التصميم وهذا الإلتزام الإسرائيلي لإطلاق سراح الأسير الجندي جلعاد في غزة ولو سقط مئات القتلى من الفلسطينيين وجرى جرف غزة بعد تدميرها يشكل "درساً" لا يمكن للآخرين ومنهم المقاومة سوى الاقتداء به لتحرير أسراها.
وإذا كان العالم يشرعن ويشجع الالتزام الإسرائيلي بالمحافظة لإنقاذ جندي إسرائيلي واحد ولو بثمن يصل إلى درجة ارتكاب جرائم حرب فإن للمقاومة الحق بالقياس على هذا الموقف الاندفاع باتجاه تحرير الأسرى من المعتقلات الإسرائيلية، خاصة وأن المفاوضات فشلت والمفاوض الألماني خير شاهد على ذلك، وعلى أسباب الفشل التي لم تكن قطعاً من جانب المقاومة وانما من الإسرائيليين الذين زايدوا على بعضهم بعضاً.
إسرائيل والهروب إلى الأمام
الآن، يقف لبنان وإسرائيل معاً بين حدي سكين التهدئة والمواجهة. والقرار كما يبدو إسرائيلياً مئة في بالمئة. ذلك ان استمرار اندفاع الحكومة الإسرائيلية في التصعيد العسكري في داخل لبنان وتحويله من مجرد عمليات محدودة تستهدف مواقع محدودة وبنى تحتية متفرقة، إلى سياسة الأرض المحروقة في عملية هروب واضحة إلى الأمام، هو الذي سيحدد فعلاً مسار الوضع كله على "الخط الأزرق" وما حوله.
ومن الواضح أن المقاومة وعلى لسان السيد حسن نصرالله تريد وضع نقطة نهاية للعملية وما جرى بعدها، فهدف المقاومة تحقق بأسر الجنديين. ولذلك فإن السؤال الآخر سيكون: ما هو هدف إسرائيل من العمليات، هل هو توجيه رسائل محددة الى عناوين محددة أم إشعال المنطقة لفرض مسار تصوغه نار الطائرات والدبابات. والعرض الذي قدمه السيد حسن نصرالله بهذا الخصوص واضح جداً وهو:
* أن المقاومة لا تريد التصعيد.
* أن المقاومة لا تريد جرّ المنطقة الى الحرب.
إسرائيل و"كرة النار"
"كرة النار" تبدو الآن في الملعب الإسرائيلي. وهي تزيد من أعباء مأزقها في غزة أعباء مضاعفة. ولذلك تبدو دائرة خياراتها محدودة جداً وصعبة جداً. فإذا كانت قد دمرت وقتلت وهجرت طول أسبوعين في غزة تحت ظلال "المونديال" والصمت الدولي والعجز العربي فإن عملية "الوعد الصادق" تعيد الأضواء الى حيث يجب أن تكون. وهنا يعود السؤال الكبير حول توقيت العملية نفسها. فإذا كانت قد أعدت منذ وقت طويل، فإن ذلك لا يمنع مطلقاً القول إن توقيت تنفيذها وضع في إطار خطة واضحة لتوظيف نتائجها فلسطينياً.
والفلسطينيون الذين وجدوا أنفسهم طول الأيام الماضية تحت ضغط عربدة عسكرية إسرائيلية بلا حدود ولا قيود، يجدون الآن انفسهم وقد فتحت أمامهم ثغرة في النفق الأسود الذي يعيشون في قلبه. فالمسار اللبناني الجديد أعطى ثقلاً وتوازناً لما يجري على المسار الفلسطيني، وتقاطع المسارين يعمق المأزق الإسرائيلي بلا شك. وأكبر تجليات هذا المأزق الجديد، وضع نقطة نهاية لكل الوساطات والضغوط لإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي في غزة بعد أن أكد السيد حسن نصرالله أن الحل هو في عملية تبادل عن طريق التفاوض غير المباشر. والمعادلة الجديدة الآن هي واحد زائد إثنان يساويان الأسرى اللبنانيين المعتقلين ومئات وربما أكثر من الفلسطينيين والعرب المعتقلين وهم أكثر من تسعة آلاف سجين.
التوقيت الدقيق
والآن ورغم الفرح العام الذي يغمر اللبنانيين والعرب لنجاح العملية وفتح الطريق نحو تحرير الأسرى، الا أن توقيتها أثار ويثير شرائح واسعة من اللبنانيين بعيداً عن التضامن أمام الاستحقاق القائم. ولعل أكثر ما يثير هذه الشرائح هو:
* أن قرار الحرب والسلام مصادر من الدولة اللبنانية لمصلحة المقاومة. ومهما كانت ظروف وأسباب سرية عملية "الوعد الصادق"، فان ذلك لا يمنع مطلقاً من أن الدولة اللبنانية ومعها جميع اللبنانيين قد وضعوا أمام امر واقع لم يستعدوا له، وهم مضطرون لتحمل نتائجه التي قد تكون مصيرية دون أن يكون لهم دور في تقرير هذا المصير.
* أن الكلام على طاولة الحوار حول الاستراتيجية التي يجب الالتزام بها للدفاع عن لبنان قد سقط لأن المفاعيل الميدانية الغت وتلغي كل هذا، فالبندقية هي التي تقرر وهي أقوى من كل مفاعيل والتزامات الكلام على طاولة الحوار.
* أن الوعد الكبير للبنانيين بصيف هادئ وغني بالمصطافين يمنحهم جرعة أوكسجين اقتصادية أكثر من ضرورية لهم وأكثر الحاحاً للاقتصاد المرشح للانهيار، قد سقط أمام نجاح "الوعد" الآخر الأكثر صدقاً. ومن الطبيعي الآن بعد أن سدت الأبواب أمام تنفيذه، أن يعود اللبنانيون الى يأسهم، حتى وهو الأخطر أن تزداد مشاعر العجز والحرارة لديهم فيسقطون في الاحباط بكل ما يحمله من نتائج سلبية على وحدة المجتمع اللبناني الواقع منذ فترة طويلة تحت وطأة محاولات اشعال نار الفتنة الطائفية والمذهبية.
التوظيف السوري للعملية
نقطة أخرى يجب أن تسمع وسط كل هذه المخاوف وهذا القلق المشروع، وهي نابعة أيضاً من توقيت عملية "الوعد الصادق". ذلك أنه مهما كانت هذه العملية شرعية، فان للبعض من اللبنانيين الحق في التساؤل عن مدى براءة توقيتها، وعن مدى توظيفها في استراتيجية واسعة ايرانية ـ سورية مشتركة. فايران التي تخوض عملية مفاوضات شرسة مع الغرب وخاصة واشنطن حول الملف النووي يمكنها أيضاً توظيف هذه العملية في "الرسائل" التي توجهها يومياً للغرب وخاصة لواشنطن حول امساكها "بأوردة" المنطقة وتحكمها بقوة بها.
بدورها، فان دمشق التي توزع شهادات في ضرورة المقاومة وشرعيتها في فلسطين ولبنان لأن أرضهما محتلة، يمكنها توظيف هذه العملية وخاصة اذا ما استمر هروب الاسرائيليين الى الأمام للضغط على واشنطن لأخذ تنازلات منها على الصعيد اللبناني وخاصة بكل ما يتعلق بالتحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، واستكمالاً له في انشاء المحكمة الدولية لمحاكمة المسؤولين عن الجريمة السياسية المرتكبة بحق لبنان والعرب.
وكلام نائب الرئيس السوري فاروق الشرع حول شرعية المقاومة امام الاحتلال الاسرائيلي في غزة ولبنان، يدفع الى السؤال الطبيعي والشرعي والصادق: ماذا عن احتلال الجولان والصمت المطبق فيه سلاحاً وكلاماً؟!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00