8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فرنسا وكيفية تحقيق نزع سلاح "حزب الله" بالتوافق والمحافظة على استقلال لبنان وعدم عودة سوريا

لم تنتصر إسرائيل، ولم يُهزم "حزب الله". ولذلك فإن الحرب المفتوحة، ستتواصل ويتصاعد عنفها خلال الفترة المقبلة، فالحرب الجوّية ترهق لكنها لا تصنع انتصاراً حتى ولو استمرت أسابيع إضافية، خصوصاً في حالة حرب هي حرب غير كلاسيكية في أساسها، لأنها تدور بين دولة مسلحة بأكثر مما يجب، وحزب يخوض منذ تأسيسه ونموه وانتشاره استراتيجية "حرب الأنصار" المعروفة في شروطها وقواعدها ونتائجها.
ويبدو واضحاً حتى الآن، أن حرب الأيام العشرة الأولى لم تحقق انتصاراً إسرائيلياً ولو جزئياً، وهو كسر الإرادة السياسية للحزب ودفعه لقبول الشروط التي توافقت إسرائيل عليها مع واشنطن وباقي العواصم، رغم التمايز والتنوّع بين الدول في التعامل مع هذه الشروط وأولوياتها. والحديث المتلفز للسيد حسن نصرالله، يؤشر إلى ذلك ويؤكده. ولذلك لا يبقى أمام إسرائيل سوى الدخول في مغامرة الحرب البرّية المترافقة بحملات قصف جوية مفتوحة وشاملة وقاسية أكثر فأكثر.
الحرب الأخرى
المشكلة الكبيرة في هذه الحرب المفتوحة، أن مسارها يبدو مقفلاً في الخيارات المطروحة أمام جميع الأطراف المشتركة أو المعنية في هذه الحرب ابتداء بـ"حزب الله" وإسرائيل وصولاً إلى الولايات المتحدة الأميركية مروراً بفرنسا والأوروبيين والعرب. والبداية في إسرائيل، التي تخوض لأول مرة حرباً بالوكالة عن الولايات المتحدة الأميركية، حتى ولو كان لها أهدافها الخاصة. فإذا كانت تتهم "حزب الله" بأنه يحارب بديلاً عن إيران فإنها بدورها تواجه إيران بديلاً عن الأميركيين، ولذلك فإن البعض يصف هذه الحرب بأنها الأولى من نوعها في النزاع العربي ـ الإسرائيلي، لأنها حرب تدور في إطار هذا النزاع، لكنها في أهدافها النهائية ترمي إلى تحقيق أهداف لا علاقة لها بهذا النزاع، وهو تصفية النزاع الإيراني ـ الأميركي، بسبب استحالة المواجهة المباشرة بينهما.
لكن هذا لا يمنع من القول إن إسرائيل تخوض أيضاً لمصلحتها حرب الأدوار. فهي التي قبلت بإقفال حدودها الجغرافية في خطوط مرسومة أو أنها سترسم لاحقاً مع فلسطين، فإنها لن تقبل بإقفال حدود دورها في منطقة الشرق الأوسط على قياس حدودها الجغرافية، ولذلك كله قامت إسرائيل بهذه الحرب المعدة مسبقاً مستغلة في ذلك تفكك الموقف العربي من جهة، وانخراط الإدارة الأميركية من جهة أخرى في خططها لأن عاملاً يجمع بينهما وهو العداء المشترك لـ"حزب الله".
كل هذا لا يمنع من القول إن إسرائيل تجد نفسها أمام مأزق حقيقي، فالمجتمع الدولي، الذي وافق على حربها للتخلص من "حزب الله" أولاً وتقليم "أظافر" إيران ثانياً، لا يوافق على جعلها حرباً غير محدودة زمنياً، خصوصاً مع اتساع الخسائر المادية والتدمير الشامل للبنى التحتية إلى درجة إرجاع لبنان خمسين سنة إلى الوراء.
أميركا و"جنرال الوقت"
إلى جانب "جنرال الوقت"، الذي لن يكون دائماً في القطاع الإسرائيلي، فإن فرنسا وأوروبا لا يمكنها الالتحاق بالموقف الأميركي الذي "يزداد استخفافاً بالمأساة اللبنانية والقبول بالإرهاب الإسرائيلي" كما يقول سياسي أوروبي. ومن هنا فإنه كلما استشرست إسرائيل في هذه الحرب، وألحقت بالمدنيين اللبنانيين الخسائر كلما ساهم ذلك في تشكيل رأي عام غربي مؤثر رغم عطلة الصيف التي تحول دون تحركات شعبية ضاغطة.
إلى جانب هذا الهمّ، فإن فرنسا وأوروبا معها وإلى حد ما الولايات المتحدة الأميركية يعنيها مجتمعة مستقبل لبنان الذي كان يصاغ في ظل "ثورة الأرز"، ولذلك فإن كيفية بقاء عملية التغيير والمحافظة على استقلال لبنان خصوصاً في ظل الهجمة السورية الواسعة لاستعادة دورها في المنطقة كطرف فاعل يأخذ ويعطي، يفاوض ويناور ويقايض، تريد بكل الطرق أن تعود طرفاً أساسياً في المعادلة اللبنانية الداخلية ثأراً منها لنفسها أولاً، وسعياً منها لاستعادة معادلة وحدة المسار والمصير لمصلحتها.
أما الولايات المتحدة، فإن إدارتها التي منحت إسرائيل موافقتها العلنية إلى درجة التسابق بين أطراف الإدارة نفسها حول هذا الدعم، تجد نفسها في مأزق آخر. فهي تريد أن تحقق إسرائيل انتصاراً يشكل لها انتصاراً على إيران ينتج تنازلات منها في المفاوضات الجارية معها على أساس سحب ورقة أساسية منها، وفي الوقت نفسه تعلم أن عليها العمل على إنضاج حل سياسي مقبول، وفي فترة زمنية مقبولة حتى لا ينكسر الموقف العربي تحت ضغط همجية العدوان الإسرائيلي ونمو مشاعر الغضب في الأوساط الشعبية العربية النائمة حتى الآن.
خطر الدور الإسرائيلي
أما الخطر الكبير الذي تعرفه وتخشاه الولايات المتحدة الأميركية، فإنه في واقعه مزدوج، فهي أولاً لا تريد أن تخرج إسرائيل من حزام التحكم الذي أحكمته حولها منذ العام 1991 الى اكتساب دور غير محدود تفرض بنفسها لنفسها شروطه وقواعده، لأن واشنطن القوة الأحادية التي ترفض دخول أوروبا وروسيا الى دائرة نفوذها ودورها لا يمكنها ومهما بلغ تداخل علاقاتها مع إسرائيل القبول بتحول دراماتيكي عميق بهذا الشكل.
أما الخطر المكمل لذلك وهو ربما ما زال حتى الآن احتمالاً يتشكل فإنه يقع كما يقال في اليوم الآخر أي اليوم الذي يلي الحرب المفتوحة. لأنه اذا كانت حرب 1982 وهزيمة منظمة التحرير واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لجزء من لبنان قد أنتجت "حزب الله"، فإن السؤال الطبيعي الآن هو ماذا يمكن أن تنتج هزيمة شاملة لـ"حزب الله" إذا وقعت في وقت لا يمكن تهجيره لأنه جزء من بنيان لبنان الديموغرافي والشعبي والاجتماعي، من جهة، وإذا ما بقيت القوات الإسرائيلية في المناطق التي ستحتلها تحت حجة انتظار تشكيل القوات الدولية التي يمكن لها أن تعيقها تحت ألف ذريعة وذريعة من جهة أخرى؟
والإجابة على هذا السؤال، هي في تشكيل قوة أكثر تطرفاً، يمكن أن يطلق عليها قياساً على "القاعدة" القائمة حالياً "قاعدة" ثانية تحقق دمج الأصولية السنية المتشددة بأصولية شيعية أكثر تشدداً.
"الخط الأحمر" الفرنسي
أما فرنسا ومعها دول عديدة من الاتحاد الأوروبي فإنها وإن كانت تريد نزع سلاح حزب الله تنفيذاً للقرار 1559، فإنها تعلم أكثر من غيرها أن هذا المطلب مستحيل في ظل تحوله مطلباً إسرائيلياً. ولذلك سارع ممثلها في مجلس الأمن الى القول إن هذا المطلب يتم تنفيذه في إطار الحوار الوطني اللبناني، وبهذا الوقت فإن فرنسا التي بادرت ثم نجحت في فرض "الممر الإنساني"، تضع خطاً أحمر أمام إسرائيل وتجعل حتى من تحقيق هذا الهدف إنجازاً لبنانياً داخلياً يضمن مستقبلاً السلم الأهلي. وبهذا فإن الموقف الفرنسي تحديداً متمايز حالياً عن الموقف الأميركي، وربما تؤدي التطورات الى تباعد عنه مع إصرار على عدم وقوع الطلاق مع الولايات المتحدة الأميركية. ولذلك كله فإن المأزق الفرنسي هو في كيفية التوفيق بيت ثلاثة أهداف وهي نزع سلاح حزب الله، والحفاظ على مكتسبات "ثورة الأرز"، وعدم الاختلاف مع واشنطن.
عرب مختلفون
أما الدول العربية التي سارعت إلى إدانة "حزب الله" بعد عملية "الوعد الصادق"، فتجد نفسها في مأزق آخر، وهو هذه العنجهية الإسرائيلية التي كلما طالت الحرب كلما ترجمتها في ارتكاب جرائم ومجازر ضد المدنيين اللبنانيين، وهو ما لا يمكن القبول به. والمشكلة الأساسية أن هذا الموقف العربي المفكك، لا يبدو وكأنه قادر في المستقبل المنظور على إعادة تجميع نفسه في مبادرة تساهم في وقف الحرب، مما سينتج مفاعيل جديدة. لأنه إذا كان لبنان سيكون مختلفاً بعد 13 تموز فإن العرب لا بد أن يكونوا بدورهم مختلفين مع ظهور نتائج هذه الحرب.
لبنان الضحيّة
لبنان هو الضحية في كل هذه الحرب. فهو يدفع ثمن حرب لم يكن له شأن ولا دور في قرارها، وهو يتلقى ضرباتها رغماً عنه. ويبدو أن تشكل الحل السياسي لم ينضج بعد. والرحلات المكوكية للديبلوماسية الغربية وإن انطلقت فإنها ما زالت في بداياتها خصوصاً أن الطرف الأميركي الأساسي لم يدخل على هذا الخط لأنه يريد ترك مزيد من الوقت للإسرائيليين. ولذلك فإن صياغة هذا الحل السياسي لن تنجزه سريعاً الديبلوماسية الغربية الناشطة، مما يعني أن آلة الحرب الإسرائيلية ستتابع سياسة الأرض المحروقة.
لذا الخسائر ستتراكم في خانة لبنان يوماً بعد يوم. ولا أحد يستطيع أن يضمن قيام مرحلة جديدة من الإعمار بعد هذه الحرب كما قامت على يد الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
يبقى "حزب الله"، الذي يعتبر "أن كل الشروط وفي جميع صيغها غير واقعية وهدفها تغطية العدوان". ومما يزيد من إصراره على ذلك أن معايير الانتصار بالنسبة له فضفاضة. ذلك ان مجرد صموده أمام الآلة العسكرية الإسرائيلية وعدم رضوخه لكل هذه الشروط والانتقال في مرحلة لاحقة إلى الدخول طرفاً غير مباشر في المفاوضات، أساسها تبادل الأسرى تحت رعاية الرئيس نبيه بري أحد أعمدة الدولة الثلاثة وإنجاز الاتفاق بين اللبنانيين على مسألة نزع سلاحه، هو انتصار له. لكن رغم ذلك فإن مستقبله سيبقى معلقاً على الصعيد اللبناني بمدى انخراطه في استراتيجية لبنانية مئة في المئة، لأن لبنان لن يقبل ولا يمكن أن يقبل بالبقاء أسيراً لاستراتيجية الآخرين الذين يحاربون لحسابهم من حسابه.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00