8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

فشل إسرائيل ونصر المقاومة في "مثلث الموت" واستمرار الصواريخ يفتح الحرب على الدائرة الاقليمية

الحرب المفتوحة على المآزق، ازدادت مأزقاً لم يكن متوقعاً، ولا حتى في أكثر التوقعات تفاؤلاً أو تشاؤماً على السواء، وهذا المأزق يتمثل في هذا الانتصار الذي حققه "حزب الله" حتى الآن، وذلك حسب جميع المقاييس والحسابات الأكثر واقعية. ذلك أن استهلاك الهجوم البري الإسرائيلي لكل استعداداته وقواه في "مثلث الموت" المشكل من بنت جبيل ـ مارون الراس ـ عيترون، واستمرار "هطول" الصواريخ على إسرائيل من كريات شمونة الى العفولة مروراً بعكا وحيفا، يعني حسب الخبراء الإسرائيليين "فشلاً للعملية العسكرية... وكابوساً لإسرائيل".
والسؤال الحقيقي الآن هو: هل يمكن لإسرائيل، وبطبيعة الحال الولايات المتحدة الأميركية، تحمل أعباء هذا الفشل ـ الهزيمة في لبنان؟
رفض هذا الفشل ـ الهزيمة، هو الجواب البديهي والطبيعي والفوري سواء من تل أبيب أو واشنطن. ومجرد التفكير في إيقاف الحرب الآن، والدخول الى دائرة الحل السياسي، يعني بالنسبة لكليهما "دفع ثمن فادح من دون مقابل ملائم". وعودة وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس الى المنطقة، يعني الانتقال الى المرحلة الثانية من عملية "ديبلوماسية الفالس". فالوزيرة الأميركية تأتي وهي "متسلحة" بالاتجاه نحو إصدار قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع، يتضمن في ما يتضمنه نشر قوة دولية، وضعها الرئيس الأميركي جورج بوش في إطار "تأمين التواصل بين الجنوب والشمال في لبنان". والمأزق هنا ماذا إذا رفض "حزب الله" تشكيل مثل هذه القوة، وهو أمر متوقع حالياً، وماذا يفعل أمام رفض الدول الانضمام الى مثل هذه القوة؟
رايس و"كرة النار"
أمام كل هذا الوضع تبدو "كرة النار" وكأنها تدور في دائرة مقفلة محدثة مزيداً من الخسائر، والقليل من النتائج. وهذا الوضع لا يمكن أن يدوم، لأن الحرب ليست مفتوحة على الوقت. فالوقت "جنرال" قادر على الانتقال من خندق الى آخر ومن طرف الى نقيضه، طالما أنه يوجد طرف دولي واحد يرفض استمرارية الحرب مهما كانت مصلحة واشنطن في الميزان، فكيف إذا كانت توجد فرنسا والصين وروسيا مع تأييد عربي لهم.
كونداليزا رايس، تنتظر بفارغ الصبر، أن تجابه مطالبها، بالرفض حتى تعطي إسرائيل مزيداً من الوقت، للبدء بمرحلة تصعيد عسكري جديد. ولأنه مع تعمق الورطة، كما يجري حالياً في لبنان، فإن التساؤلات الصعبة لا بد أن تطفو على السطح، ولذلك فإن الإسرائيليين ومعهم واشنطن أمام خيارات أسهلها صعب وأحلاها مر.
* الخيار الأول هو العودة لاجتياح حزام من كيلومترين، وهو أصبح خياراً لا فائدة منه، لأنه ليس في مصلحة إسرائيل، ولا ضمن "سلة أهدافها". ذلك أن المعارك البرية ستتواصل والصواريخ ستستمر، والمأزق سيطول مع كل انعكاساته على تماسك الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
* الخيار الثاني هو تنفيذ اجتياح بري واسع حتى صيدا. ويبدو حسب الخبراء أنه قد اكتمل استدعاء الاحتياط اللازم، إذ مضى عليه نحو 48 ساعة، كما أن عملية توزيعه لا تزيد على 24 ساعة. وبذلك فإنه جرى تأمين الجاهزية العسكرية وما يلزم هو القرار السياسي. لكن في الوقت نفسه فإن هذا الاجتياح لو تحقق فإنه سيؤدي الى زيادة رقعة المواجهات البرية بكل ما يعني من ذلك من نزيف مستمر. وهذه الوضعية يريدها "حزب الله" لأنها تؤدي الى حرب استنزاف لمصلحته، خصوصاً أنه "أثبت قدرته على الأداء تحت الضغط" كما اعترف الإسرائيليون. ثم ان ما خسره لبنان خسره، وإمكانية إضافة أهداف جديدة على حزمة الأهداف الجوية موجودة لكن تحقيقها يعني كسر خط أحمر لا يبدو أن إسرائيل قد حصلت على الضوء الأخضر له من واشنطن، هذا الى جانب رفض فرنسي علني له، لأنه يؤدي الى ضرب الحكومة اللبنانية ومشروع الدولة اللبنانية.
وفي إطار هذين الخيارين وكما يرى خبير مطلع، فإن "حزب الله" يتعامل مع النشاط الجوي الإسرائيلي على أساس أنه وسيلة ضغط على اللبنانيين، ولذلك فإنه يتعمد وهو يرد عسكرياً "بقصف محسوب سياسياً" فلا ينجرف نحو انزلاقات في استخدامه للقوة يعلم مسبقاً أنه لا يستطيع مجاراة إسرائيل في قوتها التدميرية.
فتح المدى الاقليمي
* الخيار الثالث، هو المدى الاقليمي للحرب المفتوحة، وبعيداً عن كل النقاشات المتعددة قبل الحرب وأثنائها حول تداخل قرار "حزب الله" بالحرب أو استقلاليته عن القرار الايراني والسوري معاً، فإن فتح الدائرة اللبنانية ورمي إسرائيل لـ"كرة النار" في الدائرة الاقليمية، يتطلب قراراً أميركياً، فالتداخل في القرارين الإسرائيلي والأميركي قائم وبقوة، وهو في هذا التوجه أكثر بكثير للجانب الأميركي من كل ما سبق.
إسرائيل، التي وقفت طوال الفترة الماضية الى جانب التوجه بصيانة عامل استقرار دمشق مهما كانت المغريات بدأت تعيد قراءة موقفها. ولذلك نقل عن وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس قوله في اجتماع مغلق "لقد حان الوقت للزج بسوريا في هذه المعمعة". والمشكلة أن واشنطن، التي ترى أوساطها أنها تخوض حرباً بديلة مع إيران عبر إسرائيل وحزب الله، تحسب ألف حساب لاحتمالات دخول المنطقة في انهيار "أحجار الدومينو". وإذا كانت ترغب بعض أوساطها النافذة في هذا الإقحام، فإنها تريد أن يبقى مفتاح قرار الحرب والسلام بيدها وليس بيد إسرائيل.
وفي مواجهة هذا الوضع، فإن أمام واشنطن، ومعها بطبيعة الحال إسرائيل، التعامل بحسابات دقيقة ومدروسة مع انهيار "أحجار الدومينو"،. ولذلك فهي أيضاً أمام خيارات مطروحة علناً.
وأولى هذه الخيارات هي في إعادة سوريا إلى الدائرة السياسية المعتدلة، أي الدفع نحو إنهاء مدة "زواج المتعة" القائم بين دمشق وطهران، ودفع الأولى باتجاه "الحضن العربي" مع تشجيع العواصم العربية على المساهمة بقوة في تحقيق ذلك. لكن مقابل هذا "الانفصال" في "زواج المتعة" الذي طالما عاد بنتائج وفوائد أحياناً غير محدودة لدمشق، فإنه لا يمكن للأخيرة سوى المطالبة "بثمن مناسب لها".
وفي هذا الجانب، فإن دمشق التي تجيد إلى حد البراعة التفاوض والتراشق بقوة بالعروض، سارعت إلى تقديم "مقبلات" للأميركيين على الطاولة وهي تتوزع من رفع درجة التعاون ضد "القاعدة" إلى لعب دور لتعديل موقف حزب الله سواء بواسطة إيران أو عن طريقها مباشرة. والمشكلة في كل ذلك، هي كيف يمكن وضع أرقام الثمن المطلوب سورياً في خانة مقبولة ودون أن يصل إلى لبنان الذي كان وما زال يعتبر "خطاً فرنسياً" أحمر لا يمكن القبول بكسره؟!
صورة نصرالله تزيح الأسد
واشنطن ومعها تل أبيب لا تبدو مستعجلة ولا دمشق يبدو أنها تلح. وفي عملية مكشوفة لدمشق لرفع علو سقف مطالبها من واشنطن من جهة، ولإشعار السوريين بأنها مرتاحة لوضعها، فقد قبلت وروجت شعبياً ورسمياً، لنشر صور السيد حسن نصرالله على قمصان الشباب السوري وصولاً إلى سيارات الشرطة مروراً بالمتاجر والمؤسسات. وهي كما نقلت أوساط أجنبية زارت العاصمة السورية خلال الأيام الماضية عن أوساط رسمية وغير رسمية قولها "بأن عدم وقف إطلاق النار في لبنان هو لمصلحتها. فلبنان تحول وكما كان دائماً خط الدفاع الأول عن سوريا وهو يؤدي حالياً مهمته بفعالية وقوة ونجاح. ولذلك فإنه ما زال في الوقت متسع للمفاوضات، وكلما تحولت الحرب إلى حرب استنزاف طويلة في لبنان فإن ذلك يعزز موقعها، ومهما كانت نتائج الحرب فإن دمشق ستخرج منها رابحة، ولبنان سيكون بحاجة لها اقتصادياً وسياسياً لفترة طويلة تصل إلى عشر سنوات".
ولو كان الأمر محصوراً بدمشق، لما امسكت واشنطن بالقرار الإسرائيلي لحظة. لكن المشكلة أولاً وأساساً هي مع طهران فدمشق هي الآن الحلقة الأضعف بين طهران وحزب الله، ولذلك فالسؤال الفوري هو: ماذا عن الموقف الإيراني؟ هل تكتفي طهران بالدعم المعنوي وحتى في إقامة جسر للسلاح علماً أن الحرب ضد دمشق لن تطول لأن عامل المقاومة وإن كان لا ينقص الشعب السوري، إنما الاستعدادات والتحضيرات له غير متوافرة لأن تكونها هو خيار عمره بالسنوات.
خيار مضيق هرمز
ولا شك أن واشنطن تريد تسوية حساباتها مع النظام الإسلامي في إيران، ولكن بأقل كلفة ممكنة، وبأقل احتمالات مفتوحة على المخاطر سواء كانت محسوبة أو غير متوقعة. ولذلك فإن واشنطن وهي تدرس كل الاحتمالات تجد أن في إخراج دمشق من "حضن" إيران إلى "الحضن العربي" أو في توجيه ضربة عسكرية لها، يخدم هدفها الأساسي وهو إضعاف خصمها المركزي أي إيران.
وتنقل أوساط أوروبية مطلعة، أن من الخيارات العسكرية التي تدرسها واشنطن والتي قدمتها لها مراكز الأبحاث المرتبطة مباشرة بالمحافظين المتشددين في واشنطن الذهاب مباشرة إلى قلب "بيت العنكبوت" لاجتثاث العنكبوت وشله وليس للسقوط فيه. ويتضمن ذلك الإمساك بمضيق هرمز والتحكم نهائياً بقرار السلوك فيه بأمن وبلا حذر. وبمعنى آخر، إن طهران التي وإن لم تهدد في تصريحاتها علناً، فإنها هددت ضمناً عندما قامت بمناوراتها العسكرية الواسعة قبل أشهر في المضيق بإقفاله، إذا دفعت إلى ذلك. والحل حسب هذه الدراسات هو إقفال الأسطول الأميركي بالقوة مضيق هرمز. وعند ذلك تكون الخسارة العالمية من ارتفاع أسعار النفط ضخمة جداً لكن لفترة زمنية محدودة، وفي النهاية سيتخلص العالم من هذا الخطر وتعود الأسعار إلى استقرارها عند خط أسعار مقبول للمنتجين والمستوردين معاً. وبطبيعة الحال فإن ذلك سيسحب من الإيرانيين ورقة أساسية من أيديهم، إلى جانب ورقة سوريا وعندها يصبح التفاوض معها أسهل حول الملف النووي ودورها.
"حزب الله" قاتل وصمد وحقق مكاسب شعبية وسياسية. لكن إسرائيل لن تقبل بالهزيمة، وقد تعمد إذا ما اقفلت أمامها الخيارات وبخاصة الخيار الإقليمي، إلى قذف "كرة النار" باتجاه الداخل اللبناني لفرقعته وإشغال اللبنانيين وخصوصاً "حزب الله" في معركة خاسرة للجميع بكل الحسابات والنتائج. وأمام كل هذه الاحتمالات، اختار السيد حسن نصرالله أن يهدي "النصر إلى كل اللبنانيين"، وهو موقف مسؤول ومطلوب.
يبقى كيفية ترجمة ذلك في دعم الدولة اللبنانية "حصن" اللبنانيين جميعاً من جهة، ومن جهة أخرى كيفية تعامل اللبنانيين مع هذا "الوعد".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00