8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

دمشق لم تنجح في الدخول على الحل وطهران خسرت غموض ورقة الصواريخ وباريس حمت بيروت

يعيش لبنان على وقع ربع الساعة الأخير من "الحرب المفتوحة" التي دخلت أسبوعها الخامس. وعادة يكون ربع الساعة الأخير، الأصعب وربما الأخطر، لأن دقائقها تشهد وصول العقد إلى قمتها، في حين تتبلور الحلول مع كل عملية فرز كل الأطراف لمواقفهم وخياراتهم.
القرار 1701، يكاد يضع نقطة النهاية لمسار طويل عاشه لبنان منذ العام 1968، ومدى النجاح في تنفيذ هذا القرار مع كل آلامه أحياناً، يعني أن لبنان يستعد ليعيش عصراً جديداً. ليس من الضروري أبداً أن يكون العصر القادم مزهراً أو يحمل كل الزهو الذي يرغب اللبنانيون فيه لأن صدور مثل هذا القرار يفرض على الأطراف المعنية مباشرة بالحرب "تقديم تنازلات قاسية لا يمكن أن تقبل بتقديمها في ظروف أخرى".
وليس من الضروري أيضاً أن تكون هذه التنازلات كما يرى ديبلوماسي خبير تجسيداً لموازين القوى ولا للنتائج الميدانية، وانما تكون كما في هذا القرار، نتيجة للمفاوضات التي خاضتها بقوة وفاعلية وحتى أحياناً بشراسة، القوى الدولية المعنية وهي تحديداً الولايات المتحدة الأميركية ومعها بريطانيا من جهة وفرنسا من جهة اخرى تساندها روسيا بحركتها المحسوبة على المسرح والصين الشعبية بصمتها المعبر، وأيضاً العرب الذين دخلوا إلى الساحة ولو متأخرين كثيراً، والذي عدل حضورهم ولو أنه "بوزن الريشة" في تخفيف الأعباء والشروط القاسية على اللبنانيين.
القرار الحاسم
ورغم ان نص القرار 1701، يكاد يشبه الكلمات المتقاطعة التي يجب ملء مربعاتها حتى تكتمل الاجابات عن الأسئلة المطروحة، وحتى لو كان القرار "يتضمن فجوات" واضحة فإن لا أحد لديه القدرة على قول لا للقرار. فاللبنانيون وافقوا عليه أصلاً عندما وضعوا صيغة النقاط السبع وعندما قررت الحكومة مجتمعة إرسال 15 الف جندي إلى الجنوب مما شكل خطوة ديبلوماسية وبارعة بارعة جداً، اقنعت القوى الدولية بمصداقيتها ورغبتها بإنهاء الحرب المفتوحة والدخول في مرحلة جديدة تكون فيها هذه الحرب آخر الحروب التي يعيشها اللبنانيون. وبذلك سهلت على باريس مهمتها، إذ قوت موقفها في مواجهة واشنطن التي كانت تريد قراراً أكثر تحيزاً للموقف الإسرائيلي.
وهذا القرار كما حدده فيليب دوست بلازي وزير الخارجية الفرنسي، "نجح في تحقيق الأمن لشمال إسرائيل وضمان السيادة اللبنانية" كما أعطى للبنان، كما يرى ديبلوماسي خبير بشؤون الأمم المتحدة، "أكثر مما يستطيع أن يأخذه، فقد فتح ملف مزارع شبعا على القرار 425، أي انه اعاد فتح قرار دولي اعتبر انه نفذ كلياً وهو أمر استثنائي في الأمم المتحدة. وهو بذلك أعاد بطريقة ضمنية وضع الأعمال الحربية في المزارع تحت بند المقاومة بينما كانت توصف بأنها غير قانونية. كما انه جرى إعفاء لبنان من القبوع تحت مظلة البند السابع، مع العلم انه من حيث صياغة نصه وشروط الحل يمكن القول انه وضع لبنان تحت البند ستة ونصف".
الحزب والخيارات الصعبة
ويبدو الآن بعد صدور القرار، أن "حزب الله" أمام أصعب الاختيارات المصيرية له وللبنانيين عامة وللشيعة خاصة. وعليه أن يأخذ "قراره حتى ولو كان ذلك الأخذ بخيار الامام الخميني ـ وهو ما زال سيد من أفتى بالنسبة للحزب ـ أي شرب الكأس ولو كان كأساً من السم. ولكي لا يؤخذ هذا القرار على غير معناه، فإن المقاومة وإن حققت انتصاراً عسكرياً بكل المقاييس، فإنه ممنوع عليها توظيف هذا الانتصار العسكري سياسياً، والدليل صدور هذا القرار الذي يمنع الوجود المسلح لغير الجيش اللبناني وقوات "القبعات الزرق" من "الخط الأزرق" حتى جنوب الليطاني. ومهما كانت المكابرة فإن تنفيذ هذا القرار تدريجياً سيغير الواقع. ولذلك فإن الحزب أمام واقع جديد هو إما أن يصر على البقاء حزباً للتحرير أو حزباً في الدولة يعمل من أجل لبنان واللبنانيين وبطبيعة الحال للشيعة، الذين كانوا محرومين حتى اتفاق الطائف، فأصبحوا مع هذه الحرب، الطائفة المسحوقة والنازحة الى درجة أن عديد النازحين منها يفوق أعداد الشعب الفلسطيني في المخيمات. وأمام هذا الواقع المر، فإن على الحزب الآن، مهمة كبيرة ومصيرية وهي الدفع باتجاه إعادة إعمار ما تهدم بالمال الحلال أو غيره، فالحجر لا يعرف من يحمله، المهم أن يكون موقعه في الموقع المناسب من البناء المطلوب على الأرض المفتوحة لأبنائها النازحين ـ العائدين.
حفظ ماء الوجه
أما اسرائيل، فإن ما تعمل من أجله وبالتوافق الكامل مع الولايات المتحدة الأميركية حفظ ماء وجهها عسكرياً بعد أن فشلت في تحقيق الأهداف التي وضعتها في بداية الحرب. وهي حالياً من خلال توسيع عملياتها قبل نهاية ربع الساعة الأخير، تريد إعادة الاعتبار للجيش الاسرائيلي، مع العلم أن الوصول الى الليطاني لم يعد له معنى مع وجود الصواريخ البعيدة المدى. وإذا كان الجيش الاسرائيلي كما يقول خبير عسكري لم ينتصر في ظل شروط تفوق كامل، فإنه لن يستطيع أن ينتصر في ظروف أخرى. ولا شك أن تغيير قائد المنطقة الشمالية يؤكد ذلك إذ أنه في العقيدة العسكرية عامة هو من نوع "وضع قائد على صهوة الجواد في عز المعركة".
ويكفي لتقدير مدى محاولة اسرائيل "لكسب الحرب لأنها لا تقوى على الخسارة"، انها مستعدة لممارسة كل الجرائم التي تجعل منها الابن الشرعي والوحيد للنازية. ولعل قصف قافلة مرجعيون المسالمة والتي خرجت بموافقتها ومن ثم قصف سوق بعلبك الأثري والشياح المزدحمة بالنازحين ما يؤكد ذلك.
ومن الواضح أن ايهود أولمرت وبيرتس الخائفان على موقعهما عندما ستدق ساعة الحساب والحقيقة وتتشكل لجنة للمحاسبة، قد وقعا في شرك هذا الخوف ولذلك يتخبطان في قراراتهما، وهما يسعيان الى تحسين صورتهما عبر دفع الجيش للتمدد عسكرياً على طريقة ثغرة الدفرسوار في حرب العام 1973، والسعي لتحقيق انجاز عسكري ـ إعلامي، لأن الانسحاب الى ما بعد الخط الأزرق منصوص عليه في القرار 1701.

الخاسر الكبير
بدورها فإن دمشق تبدو حتى الآن "الخاسر الكبير" في هذه الحرب. فقد كشفت مواقفها الى أي درجة يمكن أن تصل إليها في تنفيذ نهجها بالمقايضة، فقد حاولت وفشلت رغم كل عروضها في فتح خط على واشنطن وعلى أوروبا. والخسارة الكبرى، أن "مركز التفاوض" خلال كل هذه الحرب المفتوحة قد انتقل من دمشق إلى بيروت، فالأميركيون والاوروبيون تجاهلوها، والعرب جاؤوا إلى مقر رئاسة الوزراء للتباحث واتخاذ الموقف الداعم للنقاط السبع اللبنانية، وخلال هذه الجلسة، كان الوزير وليد المعلم هو المعارض الوحيد، وكانت حصيلته درساً له من حليفه الليبي في الصمود والتصدي سابقاً "بضرورة تطبيق مواقفه أولاً في الجولان ثم المزايدة على اللبنانيين".
والخسارة الكبيرة لدمشق على المدى الطويل هي كسر وحدة المسار والمصير مع لبنان. ذلك ان خسارتها لورقة مزارع شبعا التي لعبت طويلاً على لبنانيتها، خاصة في عدم إرسال الرسالة المطلوبة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يُضاف إليها خسارتها المقبلة في سحب ورقة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات والتابعة للقيادة العامة ولفتح ـ الانتفاضة، ذلك أن متابعة تنفيذ القرار 1559 ستبدأ منها. وأمام هذا الواقع فإنه لم يعد أمام دمشق سوى الاختيار بين الدخول في "بيت الطاعة" لتتوقف عن اللعب فتكون عامل تهدئة وسلام في لبنان، أو تتابع الضغط من الخارج بالتلويح باستمرار تحالفها مع طهران، فيتحوّل اهمالها إلى جولة حساب مقبلة معها.

طهران وسقوط الغموض
أما الجمهورية الإسلامية في ايران، فإنها تجد نفسها معرضة للخسارة ولكنها قادرة على المناورة على حتى الآن لمنعها، فهي خسرت غموض أوراقها خاصة في لبنان. فقد انكشفت ورقة الصواريخ ولم تعد سراً، وهي وإن خسرت في هذا الاطار إلا ان العرض الاوروبي رغم كل التحفظ الأميركي ما زال معروضاً عليها وهو "لعب دور ايجابي" كما قال وزير خارجية فرنسا، علماً انها ما زالت في موقع المواجهة والمجابهة لكل ما يتعلق بالملف النووي في نهاية الشهر الجاري.
خيبة أمل بوش من اسرائيل
تبقى باريس وواشنطن، لقد عملت فرنسا ـ شيراك بكل قوتها للمحافظة على دولة لبنان وعلى حكومته حتى لا تكون نهايته. والقرار رغم "عدم توازنه"، يؤكد نجاحها في ذلك، وهي حمّلت اللبنانيين مرة أخرى ديناً جديداً في إنقاذها لبيروت من البراثن الإسرائيلية، ولولا الخط الأحمر الذي وضعه الرئيس جاك شيراك لحماية بيروت ونجاحه في إقناع الأميركيين بذلك، لكانت الكارثة قد اكتملت وتجسدت بمأساة تشبه تدمير مدينة درسدن في المانيا.
أما واشنطن، فإن الرئيس جورج بوش وادارته يتمنيان أن تنجح إسرائيل في مهمتها وقد خيبت آمالهما، وما الصمت والدعم الأميركي لهذه الحرب الإسرائيلية المفتوحة على قصف المدنيين والبنى التحتية سوى تطبيق ميداني لصيغة الهدم وترك التطورات تضيع عملية البناء وشكلها. ولعل ما قالته كونداليزا رايس يختصر هذا الموقف عندما رأت في كل ما يجري نوعاً من "آلام المخاض قبل ولادة الشرق الأوسط الجديد".
صدور القرار أمر وتنفيذه أمراً آخر، ذلك ان الصعوبة تكمن في هذا التنفيذ كما قال خافيير سولانا الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمن المشترك للاتحاد الاوروبي. وتنفيذ القرار سيخضع للامتحان في كل لحظة وفوق كل شبر. ويجب عدم تناسي موقف كل طرف على حدة. ذلك ان وحدة القرار اللبناني وأساسه حالياً هو في موقف حزب الله من جهة وكيفية تعامل الحكومة الإسرائيلية المنقسمة داخلياً، والمحكومة بشعور مَن يخوض لأول مرة حرباً لحساب غير حسابه حتى ولو كان لحساب الأميركيين، وأيضاً كيفية تعامل الجنرالات بالوقائع الميدانية سيؤثر كثيراً على كيفية وسرعة تنفيذ القرار.
كذلك فإن الصراع المكشوف داخل الادارة الأميركية بين "الصقور المتطرفين" وعلى رأسهم نائب الرئيس ديك تشيني و"الصقور المعتدلين" وعلى رأسهم وزيرة الخارجية كونداليزا رايس سيلعب أيضاً دوراً أساسياً في تسريع تنفيذ القرار أو ابطاءه.
وأخيراً فإن العرب ليس أمامهم سوى ما قاله لهم الرئيس فؤاد السنيورة "أكلت يوم أكل الثور الأبيض". وبقدر ما يستنهضون هممهم ليفعلوا بدلاً من أن تكون سياستهم رد فعل على الآخرين بقدر ما يستعيدون شيئاً من مكانتهم في القرار. أما اللبنانيون فقد أثبتوا حتى الآن نجاحهم في صناعة وحدتهم الوطنية، مثلما نجح المقاومون في صناعة الصمود وكسر أسطورة الجيش الاسرائيلي، واستمرار نجاحهم في ذلك يدخل لبنان عصراً جديداً أرادوه منذ عقود.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00