8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الحرب ما زالت مفتوحة على وقع تطورات الملف النووي الإيراني وغموض بعض بنود القرار 1701

"القصف" السوري على الجبهة الداخلية في لبنان اشتعل في الأيام الأخيرة من الحرب التي شهدت أعنف المعارك وأقسى الغارات الاسرائيلية، وليس في اليوم التالي لتوقف هدير الطائرات المغيرة وبدء عودة النازحين إلى قراهم ومبانيهم المدمرة. فالرئيس بشار الأسد قال ما قاله امام وفد مصري، وصدر الكلام نفسه في مجلة مصرية، قبل ان يخطب امام اتحاد الصحافيين، وكأن الأسد أراد في ذلك القيام بهجوم استباقي بعدما استشعر "النصر" بعد صمود المقاومة فأراد وهو "الشريك المضارب" من مال غيره، تحصيل اقصى ما يمكنه ليسوّقه في ما بعد امام الشعب السوري لتغطية سماوات الصمت المطبق في الجولان بقبوات الاندفاع في دعم المقاومة خطابياً وعلى أساس من كان ليس من المقاومة فهو ليس منه. وبذلك طوّب نفسه "قائداً" للمقاومة في حين ان القادة الحقيقيين كانوا على الارض يقاتلون أو يواجهون ويعملون دائماً لحماية الجبهة الداخلية في لبنان، مؤكدين مرة بعد أخرى ان صناعة الوحدة الوطنية تعادل خاصة في الإطار اللبناني صناعة المقاومة، مقاتلين ومجتمعاً.
القنابل الدمشقية غير الذكية
وإذا كان من المتوقع ان يتولى وزير أو إعلامي الهجوم بقوة وقسوة على خصومه، فإن ما ليس مقبولاً ان يقود رئيس دولة مثل الرئيس السوري هجوماً إعلامياً مليئاً بكل أنواع الألغام والقنابل، ذلك ان رئيساً يريد انتصار المقاومة لا يزرع الشقاق والفرقة في عز الحرب بين الأطراف اللبنانية، حتى ولو كانت مقاربتها ومساهمتها في "الحرب المفتوحة" متفاوتة أو متباينة.
هذا "القصف" بأقوى أنواع "الصواريخ" غير "الذكية" باتجاه الجبهة الداخلية اللبنانية عبر وصف فريق 14 آذار بأنه "نتاج إسرائيلي"، فشل في إصابة أهدافه، فلا "حزب الله" ولا "حركة أمل" تولى إسناد هذا "القصف" الجوي الإعلامي بإسناد بَرّي، ذلك ان "حزب الله" و"حركة أمل" يعرفان أكثر من غيرهما ان لبنان بحاجة اليوم وغداً أكثر من كل وقت مضى إلى دعم الوحدة الوطنية اللبنانية، ومن دون هذه الوحدة فإن الانتصار العسكري للمقاومة سيتحول حكماً إلى هزيمة سياسية تفكك الوطن، وعندها ما الفائدة اذا صمد لبنان في الحرب وانهزم في السلام؟.
ولعلّ الردّ البسيط والواقعي والمباشر على "قصف" الرئيس السوري ان وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" كانوا ولا يزالون شركاء في حكومة نالت ثقة مجلس النواب وتضم في ما تضم اعضاء من قوى 14 آذار، ولو كان هؤلاء الوزراء يرون في اتهامات الرئيس السوري ذرة واحدة من الصدق أو الواقعية، لما بقوا دقيقة واحدة في هذه الحكومة، حتى لا يتقاسموا هذه الاتهامات مع شركائهم. وتأتي التصريحات العلنية من "حزب الله" بأن "قوى 14 آذار شركاء في النصر ونحن وراءهم". ولذلك بدلاً من العمل لتجاوز المحنة والتعامل كما يتعامل الشقيق مع شقيقه ـ والشعب السوري لم يقصر في ذلك مطلقاً بل أثبت انه فتح قلبه وصدره للبنانيين قبل ان يفتح لهم قلبه ـ جاء هذا "القصف" ليؤكد مرة أخرى حجم المرارة والحقد الكامنين في صدر النظام السوري لهزيمته القديمة عندما اضطر إلى سحب جيشه ومخابراته تحت ضغط الانتفاضة وفي ظل سحب واشنطن منه "الوكالة" القديمة للوصاية على لبنان والتي أعطيت له قبل عقود.
القصف و"الوديعة"
هذه "الهزيمة" الجديدة لدمشق في مواجهة لبنان المقاوم لا تعني ان كل شيء انتهى. وكما ان الجبهة العسكرية الهادئة الآن قد تشتعل في كل لحظة "لأن إسرائيل تريد انتزاع انتصار من أنياب الهزيمة"، فإن لا شيء يؤكد ان "القصف" الآتي من دمشق سيتوقف. وما دامت الجبهة الداخلية في لبنان هي الهدف، فإن لدى دمشق مخزوناً من أنواع الأسلحة ما يكفي لإخافة اللبنانيين الذين خبروه وعرفوه منذ بداية الحرب في العام 1975.
وتسود قناعة كبيرة لدى اللبنانيين بأن حياة وسلامة السيد حسن نصرالله أصبحت "وديعة" عندهم. وحتى لو كانت الخلافات كبيرة وأحياناً عميقة بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني حول سلاح "حزب الله" ومستقبله، فإن الاتفاق على ضمانة سلامة "الوديعة" أصبح واجباً وطنياً، ذلك ان الخوف الكبير عليه الآن هو من الأقربين وليس فقط من الاسرائيليين. فإذا كان السيد هدفاً إسرائيلياً مفتوحاً بامتياز، فإنه الآن وبعد ان تحول إلى "رمز" للمقاومة وللمجتمع المقاوم وإلى رمز لمشروع وأد الفتنة المذهبية و"العرقنة"، وما يمثله داخل "حزب الله" من مركز استقطاب لكل التيارات، فإنه أصبح أيضاً هدفاً للذين يرفضون هذه الصورة ويرغبون إشعال الحرب الأهلية في لبنان.
مشروعان للشرق الأوسط
ومن "القصف" إلى "الحرب المفتوحة" فهذه الحرب هدأت ولم تنته، فالقرارات لا تضع حداً للنزاعات، والمنطقة في حالة غليان ويتنازعها طرفان، كل طرف لديه مشروعه الخاص. فإذا كانت واشنطن مصممة على قيام "شرق أوسط جديد"، فإن طهران تريد "شرق أوسط لا وجود فيه لسيطرة الصهاينة والأميركيين". وهذا الصراع هو حالياً مركز كل المواجهات.
وحتى لو كانت الحرب في لبنان أساساً حرباً بين إسرائيل و"حزب الله"، فإنها كانت أيضاً حرباً بالواسطة بين الولايات المتحدة والجمهورية الاسلامية في إيران. وقد أصبح معروفاً ان مسؤولين أميركيين كما قالوا سراً وأصبح الآن معلوماً، شددوا على ان هذه الحرب "ستكون حرباً رخيصة ذات فوائد كبيرة، وهي ستكون عينة من الحرب مع إيران". لا بل أكثر من ذلك، فإنه عندما درست الخطة العسكرية الاسرائيلية وخاصة في جانبها الجوي فإن الجنرالات الأميركيين أبلغوا نظراءهم الاسرائيليين كما كشف الصحافي سيمور هرش، كان في ذهنهم وضع خطة حرب حاسمة ضد المنشآت النووية الإيرانية على قاعدة "لنتشارك في ما لدينا ضد إيران وما لديكم ضد لبنان".
هذه المشاركة كانت بسبب الأهداف المشتركة بين واشنطن وتل أبيب، ولذلك فإن كل مسار الحرب في لبنان حتى الغزو البري كان برأي الخبراء العسكريين "صورة مصغرة للحرب الممكنة ضد إيران". وانكشاف الغموض حول سلاح الصواريخ في جنوب لبنان لا يلغي انه أعطى صورة مجسمة لما هو متوقع، فما جرى عينة صغيرة في الحجم والنوعية أمام ما تملكه إيران، وأمام ما يمكن للولايات المتحدة الأميركية ان تفعله. ولذلك فقد سارع الرئيس نجاد إلى التهديد علناً بأن "واشنطن عاجزة عن القيام بأيّ حرب لأنها ستتلقى رداً قاسياً"، وكأنه أراد بهذا توجيه "رسالة" تتضمن معرفة واضحة بأن دور طهران آتٍ وأن الإيرانيين مستعدون للمواجهة القادمة.
ويبدو استناداً إلى الخبراء في واشنطن ان معارضة دونالد رامسفيلد وزير الدفاع للحرب في لبنان وتوسيعها إلى إيران حتى الآن، هو ما يؤخر القرار القادم. وموقف رامسفيلد هذا عائد "لأنه غاضب وقلق على مصير قواته في العراق" وليس لأيّ سبب آخر.
الملف النووي ومجلس الأمن
ولا شك ان نهاية الشهر الحالي ستشكل الامتحان الكبير لطبيعة المواجهة بين واشنطن وطهران، ذلك ان أيّ قرار صادر عن مجلس الأمن ضد الطموحات الإيرانية سيضع الجميع امام ساعة الحقيقة، فإذا تحدّت طهران القرار الصادر وأصرّت على الاستمرار في التخصيب، فإن السؤال يصبح كيف ومتى ستقع الحرب، وليس هل ستتمّ المواجهة.
ويبدو حسب الخبراء ان كل مراكز الدراسات العسكرية والاستراتيجية منكبة الآن على دراسة وتحليل واستخلاص الدروس من يوميات الحرب في لبنان، فهذه الحرب أكدت ان الحروب قد تغيرت، وهي وضعت قواعد جديدة لها لا بد ان تؤخذ في الاعتبار مستقبلاً. وخطورة الوضع على لبنان ان الحرب المفتوحة ما زالت مفتوحة، فالقرار 1701 يبدو تنفيذه معلقاً على إرادتين هما إرادة كل من إسرائيل و"حزب الله".
وإذا كانت إسرائيل شريكاً أو رديفاً أو حتى ملحقاً بالقرار الأميركي ما يدفعها إلى البقاء متأهبة لجولة جديدة بعدما أكدت لمرة أخيرة ان عقيدتها العسكرية "لم تعد قتالية وإنما تدميرية"، مع كل الإمكانات لفتح الحرب باتجاه مسار اقليمي كما يبدو ذلك في الأفق، فإن "حزب الله" لا يبدو مستعداً أكثر من ان ينفذ مشروعا لتنظيم سلاحه في اطار دولة المقاومة والجيش المسلح وليس لنزع سلاحه. وحججه في هذا الموقف الذي لا يعني تنفيذاً حرفياً للقرار 1701، كثير منها ما يرتبط بضمان أمن مقاتليه ومحازبيه والجنوبيين، ومنها ما يتعلق أساساً بانخراطه في مشروع سياسي يناهض المشروع الأميركي.
وأمام هذه المأزق الكبير، فإن لبنان هو من جديد ساحة بلا حدود حيث قواعد اللعبة مفتوحة على مصراعيها، وهو واقع بين "سندان" موقف "حزب الله" وامتداده الايراني ـ السوري، و"مطرقة" إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية.
صحيح انه يجب عدم الانخراط في التشاؤم والتركيز على العناصر الايجابية وعدم التركيز على المصاعب والمخاطر، لكن رهانات القوة بين قوى عظمى دولياً واقليمياً تجعل من الصعب المطالبة لبنانياً بالحصول على أكثر من كوّة صغيرة من الأمل في هذا النفق المظلم.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00