8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

دمشق تعد السوريين بالمقاومة لتحرير الجولان و"القبعات الزرق" لتجفيف مصادر السلاح واللبنانيون ينزعونه "حزب الله" وأزمة الثقة مع اللبنانيين

كل شيء كان جاهزاً لتنفيذ قرار الرئيس جاك شيراك برفع عديد القوات الفرنسية المشاركة في "القبعات الزرق" إلى ألفي جندي، وبسرعة أكبر تحول هذا القرار الفرنسي، إلى "رافعة" للموقف الاوروبي، فإذا بكل التحفظات تتلاشى، لترتفع مشاركة دول الاتحاد إلى سبعة آلاف جندي، بعد أن تبين للرئيس الفرنسي ان 15 ألف جندي يقفون إلى جانب 15 ألف جندي لبناني فوق أرض محدودة أصغر من نصف مقاطعة فرنسية "أمر مبالغ به يؤدي إلى ازدحام غير ضروري".
هذا الموقف الفرنسي ـ الأوروبي لم يكن ليصدر لو لم يحصل على "ضمانات ثلاثية من الأمم المتحدة وإسرائيل ولبنان تتعلق بحق الجنود من الدفاع والرد على أي اعتداء أو استفزاز وأن يكون انتشارهم مأموناً وفعالاً، وأيضاً ان تكون قيادة هذه القوات "محترفة وفعالة ومنتجة".
فالاوروبيون عامة والفرنسيون خاصة لا يريدون أن تحول هذه المشاركة من أجل الوقف النهائي لاطلاق النار في لبنان، القوات إلى "هدف في وسط حقل مكشوف ومليء بالألغام"، كما يقول مصدر فرنسي مطلع. والمقصود بذلك مزدوج سواء بالانزلاق في أي لحظة نحو مواجهة غير محسوبة مع "حزب الله"، أو الدخول في صدام مكلف عسكرياً وسياسياً وثقافياً مع قوى تتحرك تحت دعاوى مختلفة ومتعددة الأهداف والتوجهات تحت اسم "القاعدة".
"خريطة طريق" لعمل القوات
ولعل الانجاز الكبير الذي حققته الديبلوماسية الفرنسة، يتجسد بتحديد "خريطة طريق" عمل "القبعات الزرق"، وفي ترك قضية نزع سلاح "حزب الله" للبنانيين ليحلوها في ما بينهم ولا تكون هذه المهمة الحربية بكل معنى الكلمة من مهمات قوات "القبعات الزرق". فالرئيس الفرنسي تحديداً وفرنسا ومعهما اوروبا يدركون بقوة وعمق ان مثل هذه المهمة في هذا الوقت تعني كسر السلم الأهلي البارد في لبنان مع العلم ان ما تريده فرنسا واوروبا هو العكس أي تدعيم وحدة لبنان وسيادته وتقوية الحكومة اللبنانية. وهذا الموقف ليس فقط لأسباب تاريخية وثقافية وتعلقاً منهم بالديموقراطية الناشئة في بلد الأرز، دائماً لأن الضفة الجنوبية لحوض البحر المتوسط ليست بحاجة إلى نزاع جديد يعرضها إلى تجربة عنف تدخل في حالة "العرقنة" التي لا بد أن تنعكس مفاعيلها ومظاهرها بشكل أو بآخر على الضفة الشمالية لهذا الحوض. ولهذا فإن الخطة البديلة هي في العمل طويلاً على "تجفيف" موارد السلاح لحزب الله وفي أثناء ذلك بتفاهم اللبنانيين على حل نزع السلاح.
ومن الملزم هنا الاشارة إلى نقطة تتعلق بالسياسة الداخلية الفرنسية والاوروبية معاً. ذلك ان ارسال جنود إلى منطقة حساسة ومقلقة بكل ما يتعلق بأمنهم وسلامتهم، يعني نقاشاً داخلياً لا يتوقف ولا ينتهي حتى عودتهم إلى قواعدهم سالمين. فشيراك ومعه باقي الزعماء الاوروبيين يقررون، لكن المسألة الشعبية والحزبية لا تتوقف وهي لا بد وأن تتحول في لحظة ما خاصة في أثناءالحملات الانتخابية إلى نقطة حامية "يرقص الجميع على ايقاعها". فالمسؤولية في هذه الدول الديموقراطية تعني المحاسبة الدقيقة والصعبة. فالمسؤول مهما بلغ حجم زعامته الشعبية وحتى التاريخية لا يستطيع ولا يمكنه اتخاذ قرار السلام والحرب بدون الرجوع إلى الشعب ومن يمثله في المؤسسات الدستورية. فالاوروبيون انتهوا من تلك المرحلة التاريخية القاتلة حيث الملك يقحمهم في حروب وتحالفات وصكوك سلام "شاؤوا أم أبوا". ولذلك يبطل العجب لدى سماع شيراك في المؤتمر الصحافي المشترك مع انجيلا ميركل مستشارة المانيا يقول: أتعجب كيف يحكمون عليّ وكأني ذهبت ـ قرار إرسال الجنود ـ وكأني كلب مجنون".
الأسئلة الكبيرة
الآن، وقد بدأت تشكل فعلياً قوات "القبعات الزرق"، ومنها ما بدأ بالفعل الانتشار ليواكب في ذلك انتشار الجيش اللبناني العائد إلى أرضه وحدوده بعد أربعة عقود يصبح السؤال الطبيعي الملزم: هل هذا الانتشار يعني انتهاء الحرب؟ وهل يستطيع اللبنانيون وتحديداً الجنوبيون و"الضاحيون" ـ نسبة إلى أهالي الضاحية ـ والبعلبكيون الاطمئنان وإعادة الأبواب إلى منازلهم لاغلاقها والنوم بأمان، أم ان كل ما يحصل هو هدنة بين حربين؟!
لو كانت "الحرب المفتوحة" هي حرب بين "حزب الله" وإسرائيل فقط، لكانت الاجابة أسهل رغم كل التعقيدات حول التحرير للأرض والأسرى، ولكن لأن ما جرى هو عدة حروب في حرب واحدة، فإن الاجابة بنعم متفائلة أو لا متشائمة هو ضرب من سوء التقدير إن لم يكن من الخيال. ذلك ان لبنان ليس حلقة معلقة في الفراغ وإنما هو حلقة في سلسلة طويلة تبدأ بسوريا وتمتد إلى ايران لتصل إلى الولايات المتحدة الأميركية.
وليس خافياً ان منطقة الشرق الأوسط كلها "ترقص" على إيقاع الملف النووي الايراني. ولذلك تبدو مواعيده مواعيد في ساحات الحرب أو على طاولات المفاوضات. وبداية فإن الحلقة الأساسية في كل ما يتعلق بلبنان هو "حزب الله". فالمسؤولية عليه كانت كبيرة وهي اليوم أكبر مع الانجاز الكبير للمقاومة في الصمود والتصدي وكسر الأهداف الإسرائيلية، وهذا كله لا ينتقص من قيمة الانتصار الذي حققه، ولكن إذا فهم هكذا ووضع في اطاره الصحيح وهو المطلوب أصلاً، فإن معنى ذلك بقاء "أرجل" المقاومة على الأرض مهما شمخ رأسها في السماء. وبدون ذلك فإن الخوف كبير من أن يختل توازنها وبالتالي حساباتها فتقع في "بيت عنكبوت" من المفاجآت إذ ليس أصعب من الانتصار سوى المحافظة عليه، وليس أخطر على الانتصار إلا السقوط في أوهام تضخيمه وعدم دراسته للاستزادة من دروسه وتجاربه خبرة ومعرفة وقدرة إضافية للمواجهة القادمة متى وقعت.
حسم الخيارات
وهنا فإن من ضمن المسؤولية التي يتحملها "حزب الله"، حسم خياره المستقبلي وهو هل المقاومة للبنان ومن أجل لبنان أم أنها جزء من مشروع كبير يمتد إلى القدس الشريف وتحريرها أو حتى إلى نجدة الاسلام والمسلمين من العراق وايران وغيرهما؟ وأيضاً حتى ولو استطاع ان يعيد الضاحية أبهى مما كانت بمساعدة الدولة اللبنانية أو بدون مساعدتها، وحتى لو نجح في جمع "المال الحلال" من العالم كله لاعادة بناء الجنوب وبعلبك، فإن سؤالاً كبيراً يطرحه الجنوبيون والبعلبكيون مهما بلغ تعلقهم والتزامهم بالمقاومة وهو: هل كتب علينا، أن نمد يدنا كل خمس أو عشر سنوات لنطلب مساعدة مالية أو حتى غذائية كما حصل هذه المرة، مع اننا شعب منتج في جميع الميادين الاقتصادية والعلمية والتجارية والثقافية، ولم نعد منذ عقود شريحة من "المحرومين"؟ وبهذا الخصوص فإن إعادة إعمار ما تهدّم من الحجر لا تكفي، لأن المطلوب الآن وبسرعة كبيرة وبعيداً عن التظاهرات الإعلامية التضخيمية إعادة الثقة للجنوبي والبعلبكي وابن الضاحية، بأنه ما سيبنيه هو لمرة أخيرة، وأن مستقبل أولادهم ليس معلقاً على طلقة رصاص حتى لا تتحول الهجرة طريقاً للهرب من الوطن بدلاً من ان تكون سبيلاً للعمل والاغتناء للعودة إلى القرية للعيش أو للاستثمار.
سوريا ونهج المقاومة
ومن "حزب الله" ولبنان والدولة، إلى دمشق. فالرئيس السوري بشار الأسد يستطيع أن يرفع "سقف" رغباته وطموحاته وحتى مطالبه استناداً منه إلى انتصار المقاومة في لبنان، وهو أيضاً يستطيع أن يدخل في مرحلة انتظار لانعقاد مؤتمر دولي يعيد له الجولان. لكن من حق اللبنانيين أن يطالبوه بألا يكون كل ذلك عبر الضغط عليهم. لأن الحصار الاسرائيلي البري والجوي والبحري يكفيهم. وحتى لو كان مشروعاً على صعيد الدول استثمار كل الأوراق في المواجهات سواء كانت للسلم أو للحرب، فإنه لا يجوز ومن غير المقبول الاستمرار في توجيه "الرسائل" إلى المجتمع الدولي عبر تهديد اللبنانيين ساعة بقطع الكهرباء وساعة أخرى بإقفال الحدود المشتركة معهم. فقد سبق الفضل مرة أو مرات ليعرف اللبنانيون كافة معنى هذا التهديد ونتائجه على حياتهم ومعيشتهم.
وأمام هذا الوضع فإن مصادر مطلعة تردد بأن الرئيس السوري بشار الأسد لا يكتفي بالمناورة ولا بالانتظار في رهان منه على الوقت وعلى انتصار المقاومة. وإنما يعمل وكأن الحرب مع إسرائيل وعبرها مع الولايات المتحدة الأميركية واقعة. ولذلك فإنه شجع بقوة روح المقاومة التي انبعثت لدى الشعب السوري أثناء الحرب في لبنان، ليزرع من خلال ذلك مسار توجه سوري رسمي نحو المقاومة لاسترجاع الجولان".
ومهما كان هذا الموقف حقيقة أو علاجاً لنوع من انفصام للشخصية بين القيادة التي تريد دائماً استثمار كل الأوراق بما فيها المقاومة لتحسين موقعها التفاوضي وإرادة الشعب السوري بالمقاومة، فإن انخراط سوريا في المقاومة تتطلب بناء مجتمع المقاومة عبر إعادة تأهيل وتحضير تقوم أولاً وأساساً على علاقة من الثقة الكاملة بين القيادة والشعب واعترافاً من القيادة بالشراكة الكاملة معه في القرار، لأن الكلفة كبيرة وهي لا بد أنها ستجري تحت ضغط الحديد والنار كما حدث مع اللبنانيين طوال عقود.
والمشكلة الكبيرة التي يعاني منها الرئيس بشار الأسد ـ وهي مؤكدة ولا يمكن انكارها أو وضعها في خانة التآمر ـ ان الثقة به من جانب الاوروبيين والأميركيين معدومة وهو ما أشارت إليه انجيلا ميركل في باريس بعد فشل زيارة وزير خارجيتها لدمشق، فقد قالت "ليس لدمشق موقف بناء.. والمانيا ليست مستعدة لاقامة اتصالات على أي مستوى كان أو تحت أي شروط كانت". أما الرئيس الفرنسي فقد اختصر الوضع بقوله: ان سوريا بلد قديم يتمتع بحضارة قديمة وتاريخية وهو بلد موجود ويستحق الاحترام لكن قيادته لا توحي بالثقة".
الثقة وبناؤها أو إعادتها هي الآن الكلمة السحرية في منطقة الشرق الأوسط من جهة وفي لبنان من جهة أخرى. واللبنانيون هم الآن أكثر شعوب المنطقة حاجة إلى عودة ثقتهم إليهم بأن "حزب الله" هو من لبنان للبنان، وأن أي دولة لن تستخدمهم ورقة على طاولة المفاوضات أو خنادق دفاع لهم، فاللبنانيون يستحقون الحياة لأنهم دفعوا ثمنها غالياً وبما يكفي.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00