8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

احترام دمشق سيادة جيرانها وتطبيق القرارين 1701 و1559 شرط دولي لأخذ موقعها على طاولة التفاوض

من حق دمشق أن تغتبط وحتى أن تظهر سعادتها، وهي ترى عودتها إلى قلب الاتصالات حول الوضع في منطقة الشرق الأوسط وإمكانية إعادة تنشيط عملية السلام بعد أن دخلت في غيبوبة كاملة تماثل غيبوبة آرييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق.
ولكن أيضاً من حق الجميع سواء الذين اتصلوا مباشرة بدمشق أو وجّهوا إليها "رسائل" علنية واضحة أن يسألوها: ماذا تريد، وهل قرّرت فعلاً كيف ستستثمر انتصار المقاومة في لبنان بما انها تدّعي شراكتها الكاملة والمطلقة، رغم أن اللبنانيين وفي عز أيام القصف لم يرَوا سوى تظاهرات شعبية منظمة محدودة، وعايشوا ضغوطاً نفسية وميدانية عبر تهديدات يومية بقطع الطرق أو اقفال الحدود وأخيراً لا آخراً قطع الكهرباء.
"الجسر" وضريبة العبور
ليس جديداً استثمار دمشق من "كيس" غيرها، فهي اعتمدت تاريخياً هذه السياسة طوال ثلاثة عقود وحققت بها ومنها نجاحات كبيرة تزيد بكثير عن "رأس المال" الذي ضاربت به. وتراوح هذه النجاحات بين المحدودة والمفتوحة ومنها إمساكها بقرار الحرب والسلام خاصة بعد انسحاب مصر من المعادلة بعد أن اختارت نهائياً الالتزام الحرفي بالاتفاقات التي وقعتها، واستدراجها للعروض التي أهلتها خلال الحرب الايرانية ـ العربية للتحول إلى "جسر" تأخذ حق المرور عليه من الايراني والعربي معاً، وثبّتت وجودها العسكري والأمني والسياسي وصولاً إلى الهيمنة في لبنان بعد حصولها على "وكالة أميركية" عقب انضمامها إلى التحالف الدولي في حرب "عاصفة الصحراء". وأيضاً الصمت الكامل على الجريمة الاسرائيلية في "سجن" ياسر عرفات أول رئيس فلسطيني، في غرفة صغيرة من مقرّه في المقاطعة، تحت بند رفضها لتوقيعه على اتفاقية أوسلو، ولم يكن ذلك سوى حلقة من مسلسل طويل من العلاقات المأزومة بسبب استقلالية أبو عمار عنها ولعلّ مسارعة دمشق في التعامل مع الرئيس محمود عباس تؤكد ذلك، إذ كيف تحول الممنوع إلى مسموح ومقبول؟!.
الأسد أمام مفترق طرق
الجديد الآن بالنسبة لدمشق انها ليست حرة في اختيارها ولا في استثمارها لهذا الخيار، فالرئيس السوري بشار الأسد أمام واقع جديد لا يمكنه اللعب كثيراً في معادلاته. وإذا كان الأسد الأب والآن الأسد الابن راهن كلّ منهما على "الوقت"، فإن الوضع حالياً يكاد يكون تطبيقاً دقيقاً لقول الامام علي بن أبي طالب: "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك". فالعالم كله لا يكتفي بمراقبة اختيار الأسد وإنما يطالبه ويضع الشروط عليه، وبذلك فإنه امام مفترق طرق يضعه إما على مسار السلام والقبول الواضح بشروطه، وإلا فالانزلاق نهائياً بعناد غير المستنير نحو المواجهة الحتمية في مرحلة يرى جميع المراقبين ان دمشق تشكل فيها الحلقة الأضعف في سلسلة ممتدة من طهران مروراً بالعراق وفلسطين ولبنان وصولاً إليها.
ولا شك في ان رغبة دولية عارمة في عدم "عرقنة" سوريا في حال سقط النظام فيها، هي التي تدفع باتجاه القبول بالنظام نفسه مقابل "تحسين سلوكه" لا أكثر، كما أن محافظة دمشق منذ ثلاثين سنة على التزاماتها بدقة مع إسرائيل وهو مثبّت في يوميات الهدوء الشامل في الجولان، هما اللذان يعدّلان وجهة رياح التغيير في كل مرة هبّت من واشنطن.
سوريا والمادة 18
ولا شك في أن المادة 18 من القرار 1701 قد وضعت دمشق أمام هذا الخيار الدقيق والصعب، فقد دعت المادة إلى إقامة "سلام شامل وعادل" في منطقة الشرق الأوسط. وبذلك تجدد الحديث مرة أخرى وبقوة، عن دخول المنطقة في مسار سلام ترجمته انعقاد مؤتمر دولي على مثال مؤتمر مدريد، وبذلك يمكن لدمشق العودة إلى طاولة المفاوضات من جهة وأن تصبح من جديد "لاعباً" أساسياً طالما أن الحلّ بدونها مستحيل.
لكن أمام هذا الخيار شروط ومقدمات ضرورية وإجبارية يجب تنفيذها، وإلا أصبح هذا الهدف مجرد طموح أو أمل لا يمكن تحقيقه. وإذا كانت المادة 18 من القرار 1701 تفتح الباب أمام دمشق للعودة إلى الواجهة، فإن القرار نفسه مؤلف من حلقات متشابكة لا يمكن المطالبة بتنفيذ واحدة منها دون الالتزام بالمشاركة في تنفيذ باقي الحلقات، وخاصة ما يتعلق منها بلبنان الذي يشكل أرضية هذا القرار وهدفه.
أجندة التحركات الديبلوماسية
وفي استعراض دقيق لأجندة التحركات الديبلوماسية والسياسية الدولية باتجاه دمشق، يتّضح بطريقة لا لبس فيها، أن لبنان هو الآن المساحة "المزنرة بالنار" لاختيار دمشق نهائياً لتصرّفها الايجابي ولحسن سلوكها تجاه لبنان وباقي الأطراف. وبانتظار ما سيقوله كوفي أنان الأمين العام للأمم المتحدة للرئيس بشار الأسد في دمشق، فإن هذه الأجندة تضمّنت:
ـ رئيس الوزراء الايطالي رومانو برودي الذي قال في اتصال هاتفي مع الرئيس السوري بشار الأسد "عليك اتخاذ خطوات ملموسة لإعادة إطلاق الحوار وتعزيز الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط". وهذا "الشرط الواضح" يأتي من روما المشاركة الأساسية في قوة "القبعات الزرق"، والعاملة باندفاع علني للعب دور فاعل وقوي في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما لم تعمل به طوال العقود الماضية.
ـ وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذي بعد أن شدّدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل على "عدم الثقة بدمشق"، أبلغ نظيره السوري وليد المعلم أنه "يجب تكثيف الجهود من أجل سلام عادل وشامل في الشرق الأوسط"، علماً أن ألمانيا ستقدم المعدات والخبرات والتدريب للجيش والأمن اللبنانيين في كلّ ما يساهم بمراقبة الحدود السورية ـ اللبنانية.
شيراك "مايسترو" أوروبا
ولأن الرئيس الفرنسي جاك شيراك هو "مايسترو" التحرك الأوروبي حول لبنان وبكل ما يعيد إحياء عملية السلام، فإن ما قاله أمام مؤتمر السفراء الفرنسيين في العالم، يضع النقاط على الحروف تجاه العلاقة مع دمشق عبر تحديد تصرفها ونشاطها في المنطقة خاصة تجاه لبنان. والمعروف أن خطاب الرئيس الفرنسي أمام مؤتمر السفراء يحدّد نهائياً خريطة الطريق للديبلوماسية الفرنسية في العالم لسنة كاملة وخاصة في كل ما يتعلق بالأزمات البارد منها والمشتعل التي تعني فرنسا مباشرة.
وقد وضع شيراك "قاعدة ذهبية" لمسار ديبلوماسية بلاده في منطقة الشرق الأوسط بقوله "مرة اخرى يستحوذ الشرق الأوسط الضمير العالمي.. والأزمات تتزايد ولبنان فنيَ وقد أزيلت 15 سنة من جهوده في البناء والإعمار. هذا لبنان عطش للحرية.. والشعب الفلسطيني يصرخ مطالباً بالعدالة". ومن هذه القاعدة انطلق إلى القول: "على سوريا أن تخرج من منطق الانغلاق على الذات لتعود وتأخذ مكانتها على طاولة الدول عبر احترامها الشرعية الدولية وسيادة جيرانها.. ان الشرق الأوسط بحاجة إلى سوريا نشطة لخدمة السلام والاستقرار في المنطقة".
والترجمة الحرفية لآلية العمل التي على دمشق العمل بها لأخذ هذا الموقع، حدّدها وزير الخارجية الفرنسي فيليب دوست ـ بلازي بقوله: "على السلطات السورية أن تلعب بشكل كامل مع المجتمع الدولي في اطار القرار 1701 ومن أجل تطبيق القرار1559، ومن الضروري أن تلتزم سوريا احترام حظر السلاح عبر كلّ الممرات الأرضية".
العودة إلى الحضن العربي؟
دمشق مطالبة أكثر من أيّ وقت مضى بقرار واضح. فإما أن تنخرط في المشاركة بتطبيق القرارين 1559 و1701 وما يستتبع ذلك كما تريد واشنطن وغيرها من دول الغرب والمنطقة العودة إلى "الحضن العربي" بعيداً عن الشريك الايراني لأن وقت "زواج المتعة" قد شارف على نهايته. وإما المضي في مغامرة غير محسوبة تقوم على وهم استثمار كامل لانتصار المقاومة على أساس انه انتصار لها وأنه من حقها أن تطلب فتحصل على ما تريده في لبنان والعراق وفلسطين واستعادة الجولان من دون أن تدفع أيّ ثمن أو جهد مقابل أو مماثل لما تريده.
وهي أمام هذا الموقف الأخير، لا بد أن تنزلق نحو امتحان قوة لا رجعة عنه، بدايته في تجديد مدة "زواج المتعة" مع طهران والرقص معها على وقع ايقاعها الخاص سواء بالنسبة لملفها النووي أو لمطالبتها بتشريع دورها الاقليمي والاستمرار في رمي "كرة النار" تجاه الداخل اللبناني بدلاً من أن تخفف عن كاهله نتائج الحرب المفتوحة عليه. ولتعميد كل هذا التوجه، فإن إعادة تحريك الجولان يكون عماد هذه السياسة، ومنطلق هذا التوجه قائم حتى الآن في "رسائل" إعلامية لم تترجم على الأرض بأنه يمكن استنساخ تجربة "حزب الله" في لبنان، والدليل ظهور مجموعة جديدة تطلق على نفسها اسم "رجال المقاومة الوطنية في الجولان السوري المحتل" تطالب بإطلاق سراح "أسرى سوريين في السجون الإسرائيلية" كانت دمشق قد نسيتهم رغم مرور 22 سنة على أسرهم. استفاقة دمشق على احتلال الجولان وضرورة تحريره بعد انتصار المقاومة في لبنان تحول تاريخي يتطلب إعداد الجبهة الداخلية في سوريا لمواجهة استحقاقات هذا الخيار، فصناعة المجتمع المقاوم لا تتم بين ليلة وضحاها، خاصة أنها تتم وسط بحر من الدمار والدماء والدموع.
الأساس في خيارات الدول هو في "وضع الاستراتيجية الشجاعة التي تغيّر التاريخ"، فهل دمشق قادرة على وضع هذه الاستراتيجية، وهي الآن تمرّ في الربع الساعة الأخير من رهاناتها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00