8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

تبنّي "حزب الله" توجّه برّي حول ارتباط الشيعة بالدولة يوقف عملية خلط المقاومة بالإرهاب

لبنان هو "الحديقة الخلفية" لكل النزاعات الصغيرة منها والكبيرة، الداخلية منها والخارجية. وهذا الموقع ليس جديداً على لبنان، سوى في حجمه وامتداداته، فهو كان طوال عقود طويلة "مختبراً" ناجحاً ومثمراً للقوى الاقليمية والدولية في "الحرب الباردة". وأمام هذا الواقع لا يعود السؤال: إذا أردت أن تعرف ماذا في الولايات المتحدة الأميركية أو في فرنسا عليك أن تعرف ماذا في لبنان؟ سؤالاً للتندر أو لإضاعة وجهة البوصلة في النقاشات الجادة، وإنما هو كما تؤكده التطورات والأحداث سؤالاً جدياً يجب العثور على اجابات له أكثر جدية وأكثر سهولة منه.
لبنان المحاصر جواً وبحراً في عملية اختراق إسرائيلية فاضحة وواضحة للقرار 1701، اخترق بدوره جميع الدول المعنية منها به أو التي تحاول مقاربته. وإذا كان لبنان دائماً يتأثر أكثر مما يؤثر بما يحيط به، فإنه بعد 12 تموز يبدو وكأن تأثيره قد تضاعف على الآخرين، وإن كان هذا التأثير ليس ايجابياً على طول الخط.
"قبعات زرق" مشتركة
وليس صدفة أن يكون الوضع اللبناني في قلب المناقشات الداخلية في الدول الكبرى والاقليمية على السواء، لكن بدلاً من أن يشكل هذا الحدث مسارات لصياغة "أفكار بسيطة لهذا الشرق المعقد"، فإن ما يجري يكاد يقذف ببراميل من الزيت والبارود على النار المشتعلة أصلاً. ويشكل تواجد قوات غربية الى جانب قوات من دول إسلامية كبيرة ومؤثرة مثل أندونيسيا وتركيا، في قوات "القبعات الزرق" العاملة في لبنان تأكيداً لـ"حوار الحضارات" وبناء السلام والاستقرار من خلال هذا التعاون المشترك، بديلاً لما يجري من محاولات لنقض كل ذلك وتثبيت شرعية "صراع الحضارات".
صحيح أن الولايات المتحدة الأميركية وضعت "حزب الله" على لائحة المنظمات الإرهابية. لكن وضع الحزب على مصاف واحد مع "القاعدة"، هو الجديد والخطير، فهو يعمل على زرع خطر داخلي في الذاكرة الشعبية الأميركية تجعل من أي مصالحة أو تفاهم مهمة مستحيلة. وتقع الحرب مع "الحزب" في إطار الحرب الدولية ضد الإرهاب. علماً أنه إذا كان العالم متفقاً على أن "القاعدة" منظمة إرهابية، فإن أوروبا وتحديداً فرنسا ترفض مثل هذا الاتهام للحزب وتصل هذه المقاربة لدى بوش قمتها عندما قال: إن المسؤولين عن تفجيرات مركز التجارة الدولي، متحدين مع مفجّري السيارات المفخخة في بغداد ومقاتلي حزب الله الذين يطلقون الصواريخ على إسرائيل".
خطورة الخلط بين المقاومة والأرض
والسؤال الطبيعي والمباشر الآن، إذا كان الرئيس جورج بوش يجد نفسه محشوراً في العراق بعد أن رفض 51% من الأميركيين ربط الوضع هناك بالإرهاب، وإذا كان الرئيس الأميركي قلق جداً على مستقبل الحزب الجمهوري وتيار المحافظين المتشددين فيه، فهل يعمل وهو يهرب الى الأمام على دفع حلفائه الأوروبيين نحو الانزلاق بقوة نحو مجابهة فوق أرض الجنوب في لبنان؟.. علماً أن القرار 1701 لم يفرض اللجوء الى القوة المسلحة إلا في حالة الدفاع عن النفس.
خطورة هذا الخلط بين جميع القوى الإسلامية المحاربة عن حق أو ضلال، أنه يقود نحو مجابهات غير ضرورية وخطيرة على السلام العالمي وهي ليست صحيحة ولا دقيقة ذلك أن الخبراء الذين يجمعون على أن "القاعدة" ذاتها "لا ترقص على نغم واحد، إذ لكل من فروعها أجندة خاصة بها"، فكيف إذاً بالجمع بين "حزب الله" الذي مهما جرى الربط بينه وبين طهران ودمشق، تبقى له أجندة خاصة به تتعلق بتحرير الأراضي اللبنانية والأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية وانطلاقاً من هذا الوضع الخاص، فإن فرنسا مثلاً ترفض رسمياً وضعه على لائحة الإرهاب. لكن يبدو أن للضرورات الداخلية أحكامها، الى جانب ذلك فإن الالتزام غير المسبوق للولايات المتحدة الأميركية بإسرائيل، دفع بالرئيس الأميركي الى هذا الموقف وهو واضح من خلال الإشارة الى قصف المقاومة لشمال إسرائيل.
ساركوزي المستعجل للخلافة
وفي فرنسا، التي لا داعي لعرض مواقفها "الشيراكية" من لبنان والتي تكاد تصل الى حدود إدخاله في صلب الأمن القومي والترجمة الواقعية لكل المبادئ السامية التي يؤمن بها الفرنسيون حول الاستقلال والسيادة والحرية، فإن ذلك لم يمنع أيضاً من تحول لبنان الى نقطة ملتهبة في معركة الانتخابات الرئاسية.
وما قاله نيكولا ساركوزي وزير الداخلية الحالي، والمرشح لرئاسة الجمهورية يؤكد ذلك. فساركوزي المستعجل جداً لخلافة جاك شيراك، والذي وصف دائماً بأنه قادر على حرق المراحل ومن يحيط به للوصول الى ما يريد، ذهب بعيداً هذه المرة في حربه المفتوحة ضد شيراك والشيراكية من لبنان.
"حزب الله"، هو "منظمة إرهابية برأي ساركوزي لأنه قصف شمال إسرائيل"، وبهذا التحديد يكون قد تقاطع مع مثاله السياسي الأكبر الرئيس الأميركي جورج بوش لكنه ألحق أضراراً ببلاده وأمن أبنائه، كما لم يفعل ذلك أحد من السياسيين الفرنسيين من قبل. ففي الوقت الذي يصل فيه الجنود الفرنسيون العاملون في قوات القبعات الزرق، تباعاً مع رفاقهم من الأوروبيين الايطاليين والاسبان وقريباً الألمان، يقوم ساركوزي المستعجل للرئاسة الفرنسية والذي وضع لنفسه قاعدة ذهبية "أنا أو لا أحد" من اليمين الجمهوري، بوضع "قنبلة موقوتة" في حضن هذه القوات.
أصوات اليهود والعرب
والوضع على تعقيداته فإنه بسيط في معطياته. فالمرشح ساركوزي الطامح كثيراً للفوز بأصوات الجالية اليهودية ودعمها الاقتصادي له، دون النظر الى الجالية العربية والمسلمة التي تتقدم نحو لعب دور أكثر تأثيراً في الحياة السياسية الفرنسية، يضع القوات الأوروبية وبخاصة الفرنسية أمام امتحان دقيق. فهي إذا لم تحارب هذه "المنظمة الإرهابية" فإنها تصبح "شريكة لها"، وإن حاربتها وقعت في فخ دموي هي بغنى عنه. وإذا كان من حق ساركوزي أن يكون "معجباً بالأميركيين، وصديقاً لهم" وأن يكون "طوني بلير" الفرنسي الذي يلحق باريس بواشنطن الى درجة احتجاج العاقلين من الأميركيين على سياسة بلير البريطاني، وإذا كان مستعداً لشطب تاريخ فرنسا الحديث الذي أرساه الجنرال ديغول بجرّة قلم، فإنه ليس حراً في تعريض الجنود الفرنسيين للسقوط في فخ يرفض الفرنسيون الانجرار اليه، وكان الرئيس جاك شيراك قد قام باستبعاده أصلاً، خصوصاً وأن أحد المسؤولين الأمنيين يرى أنه "من الطبيعي، أن يفكر كل واحد منا بأمن القوات على الأرض".
الأرض المشتعلة
حتى ولو كانت عملية الخلط بين "حزب الله" كمقاومة والإرهاب مقصودة لتحقيق مكاسب داخلية في هذه الدولة أو تلك فإنه يجب مواجهتها بالوقائع لوقف مسار عمليتها أساساً، ومن ثم كسر مفاعيلها الخطرة على واشنطن وباريس، ولكن أيضاً أكثر بكثير على لبنان واللبنانيين. ذلك أن الاستمرا في توجيه هذه الاتهامات والبناء عليها سواء في واشنطن أو باريس وربما غداً من عواصم أخرى، يعني وفي لحظة تفاجئ الجميع، تحول لبنان الى أرض مشتعلة على مثال العراق. ومما يرفع من درجة هذه المخاطر أن قوى عديدة تنتظر مثل هذه الفرصة بفارغ الصبر إما للثأر أو لتقديم أنفسها كمخلّص وحيد يعيد الأمن والاستقرار، وكما تحلم به دمشق سراً وعلانية.
ولا شك أن مهمة هذا الفصل بين المقاومة تقع أولاً وأساساً على عاتق حزب الله، لأنه هو الهدف ولأنه قادر على الإسراع في تأكيد ارتباطه بلبنان الدولة على درجة واحدة مع التزامه بتحرير أراضي لبنان ـ الوطني، من الاحتلال الإسرائيلي. وكلما فعل ذلك بسرعة أسقط مصداقية مثل هذه الاتهامات التي تفتقد الشرعية أصلاً من جهة، ومن جهة أخرى كسر حلقة الحصار المحكمة حوله والتي يريد البعض تحويلها الى "مشنقة" له ولدوره السياسي المستقبلي في لبنان.
وهنا لا بد من الانتباه ومتابعة ودعم ما يقوم به الرئيس نبيه بري. ذلك أنه هو الملتزم التزاماً كاملاً ومتيناً بالمقاومة، بحيث لا يمكن لأحد التشكيك بمواقفه ولو قيد أنملة أو رقة الشعرة الواحدة، وهو يعود الى الينابيع الأولى متمثلاً بقول الإمام موسى الصدر مؤكداً عمق ارتباط الشيعة بالدولة في قوله "إن لبنان هو وطن نهائي لجميع أبنائه". وفي المسار نفسه يؤكد الرئيس بري دعم التزام القرار 1701.
"حزب الله" يستطيع البناء على موقف الرئيس نبيه بري لكسر الحلقة الجهنمية التي تهدف الى الخلط بين المقاومة التي قام ويقوم بها في جنوب لبنان والإرهاب، فبمثل هذا الخلط المتعمد تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من ضرب المقاومة في العراق.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، دفع لبنان نحو مسار جديد إطاره ما قاله الرئيس جاك شيراك "إن لبنان المستقل والسيد ضمانة لمصالح كل دول المنطقة".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00