8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طهران ودمشق و "حزب الله" يعرفون أن أوروبا وروسيا والصين لا تقبل بفشلها في لبنان

جو من الحذر والقلق يسود باريس. فالفرنسيون من رسميين وسياسيين ومثقفين أصبحوا مقتنعين بأن "الحرب ضد الإرهاب" التي بدأت غداة اعتداءات 11 أيلول 2001، لم تحقق النجاح المطلوب لها، وأن عملية عميقة تجري لحرف هذه الحرب عن مسارها الحقيقي باتجاه "حرب حضارات" لا يعرف أحد متى وكيف ستتوقف، وبالتالي لا يمكن حالياً تحديد نتائجها وآثارها الكارثية. ويتفق معظم المثقفين الفرنسيين، أن المواقف الإيديولوجية المتشددة غير المسبوقة في الولايات المتحدة الأميركية هي التي شكلت المحرك الكبير لهذا الانحراف الخطير من جهة، ومن جهة أخرى أن هيمنة الأحادية الأميركية على إدارة العالم في هذه الفترة الزمنية المليئة بكل أنواع النزاعات قد دفعت باتجاه تحولات محفوفة بكل أنواع المخاطر.
"ضريبة" المشاركة
وفي إطار هذا الوضع كله فإن القلق الفرنسي لا يعود كما يخيل للبعض الى وجود ألفي جندي من قواتها في لبنان، لا بل أن اتفاقاً عاماً يسود باريس بأن هذه المشاركة المهمة والفاعلة في قوات "القبعات الزرق"، "ضريبة" يجب دفعها لأسباب متعددة منها:
* إن فرنسا لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي أمام "نحر لبنان" مهما تعددت الأسباب.
* إن لبنان هو "قلب" حوض البحر الأبيض المتوسط. هذا الحوض الذي أصبح "النقطة المركزية لانعدام التفاهم بين الشعوب" كما يقول الرئيس جاك شيراك.
* إن نشر قوات "قبعات زرق" متعددة الجنسيات ومن ثم النجاح في مهمتها سيشكل "الرافعة" الحقيقية لتغيير المسار الذي يتحكم بإدارة العالم.
وفي محاولة جديدة لإسقاط الدهشة حول هذا المسار، ووقوع لبنان في موقع القلب منه يرى مصدر أوروبي متابع للسياسة الدولية: "إنه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة، هيمنت الولايات المتحدة الأميركية على إدارة شؤون العالم، فارضة أحاديتها المطلقة على الجميع، الى درجة أن كلمة المنافسة سقطت من القاموس السياسي اليومي حتى عند الفرنسيين. وقد دفعت باريس ثمناً كبيراً لموقفها من حرب العراق. وهي لا تنوي الدخول من جديد في منازعة مع الولايات المتحدة. ولكنها في الوقت نفسه لا يمكنها الاستسلام لها. ومن يشجعها على ذلك أن قوى عديدة أبرزها روسيا والصين لم تعد تقبل باستمرار هذه الأحادية، ولذلك فإنها تعتمد الآن سياسة النفس الطويل لإعادة التوازن ومن ثم فرض التعددية على العالم.
الاختبار الدولي في لبنان
أما كيف تتم ترجمة هذه السياسة في لبنان، فيقول المصدر نفسه: "يجب عدم الاستهانة بمفاعيل انضمام روسيا والصين الى جانب الأوروبيين وتشجيع تركيا وأندونيسيا لإرسال قوات تشارك في "القبعات الزرق". فهذه القوى وعلى رأسها فرنسا ترى أن هذه التعددية وعدم مشاركة الأميركيين فيها هي "رسالة" ميدانية مباشرة الى واشنطن بأن العمل الدولي المشترك قادر على النجاح، خصوصاً وأن فشل الحل العسكري أصبح ثابتاً وواضحاً مثل وضوح الشمس. وبذلك فإن هذه المساحة الضيّقة الممتدة بين "الخط الأزرق" ونهر الليطاني في لبنان، تتحول تدريجاً الى اختبار قوة جديد بين المجتمع الدولي من جهة، وواشنطن من جهة أخرى. فأوروبا وروسيا والصين تريد متابعة "الحرب ضد الإرهاب" وتحقيق انتصار حاسم فيها ولكنها في الوقت نفسه لا تريد إضافة نزاعات جديدة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي قال شيراك "إن النزاعات فيها تبث في الكون أجمع نتائجها".
ولا شك أن ما جمع هذه "الترويكا" الأوروبية ـ الصينية ـ الروسية، هو الخوف من أن تندفع إدارة الرئيس جورج بوش نحو هاوية جديدة عنوانها الحرب ضد إيران. ولذلك تكثّف أطراف "الترويكا" الدولية نشاطاتها للعثور على حل تقبل به واشنطن ويرضي طهران حول الملف النووي. وخطورة مثل هذه الحرب التي تبدو في "الأفق" كما يرى مصدر فرنسي مهم، أنها ستؤدي الى حرائق جديدة قد لا يكون إطفاؤها ممكناً بالسرعة المطلوبة، خصوصاً في المجال الاقتصادي، والأهم من ذلك أن "الحرب ضد الإرهاب" قد تتلقى ضربة قاتلة هذه المرة.
القنبلة الإيرانية
ويبدو أن الفشل الأميركي في العراق ومظاهر الفشل التي أخذت تسود الوضع الميداني في أفغانستان، دفعت بـ"الترويكا" الدولية للعمل نحو وقف مسار العد العكسي للقنبلة المزروعة في المعالجة الأميركية للملف النووي الإيراني. ويرى مصدر أوروبي مطلع "إن الحرب ضد الإرهاب كما فرضتها واشنطن تحول دون معرفة الآخر لأنها تقسم العالم بين نحن وهم. وأن أخطر ما في هذه الإدارة أنها وضعت كل القوى المختلفة مع واشنطن أو إسرائيل في سلة واحدة للإرهاب مع أن مظاهر الإرهاب وحركته متعددة. ولذلك فإن الرد عليها يجب أن يكون مختلفاً باختلاف هذه القوى. ومن ذلك أنه لا يمكن وضع "القاعدة" في سلة واحدة مع حركة "حماس" و"حزب الله" أو جيش المهدي في العراق. وإذا كانت الحرب مع القاعدة واجباً يجب أن تنتهي بمنتصر هو العالم ومهزوم هي القاعدة، فإنه لا يمكن ضرب حماس وحزب الله والآخرين وهم الذين يشكلون جزءاً من تركيبة المجتمعات الموجودة فيها.
ويضيف المصدر نفسه، أن معالجة الموقف مع حركة حماس تتم الآن عبر تشجيع أوروبي كامل لاقامة حكومة وحدة وطنية. واذا ما نجح هذا الحل فانه لا يعود أمام الأوروبيين سوى التعامل مع حماس التي ما زالت موضوعة حتى الآن على لائحة المنظمات الارهابية. والسؤال ماذا ستفعل واشنطن أمام مثل هذا التحول؟ وبالنسبة لحزب الله، فان معالجة الوضع في جنوب لبنان يمكن ان تتم عبر التنفيذ الدقيق والشديد للقرار 1701. ومن الطبيعي أن يشعر حزب الله بالاحراج خاصة أمام قاعدته من هذا التنفيذ الدقيق للقرار 1701 الذي سبق وان وافق عليه. فالحزب يجد نفسه أمام واقع جديد يقوم على جدية المجتمع الدولي كله في تنفيذ هذا القرار. وهو باستطاعته الاعتراض شفهياً لكن عليه التعامل بواقعية حقيقية على الأرض، لأن رفض الانخراط جدياً في مسار تنفيذ هذا القرار يعني الافتراق مع أوروبا والصين وروسيا. وهو لو شاء ذلك، فإن حلفاءه في طهران ودمشق غير قادرين على تنفيذه. فالايرانيون يحتاجون الآن موسكو وبكين للوقوف في وجه أي قرار بفرض العقوبات عليهم، وهم يريدون تعميق الابتعاد الأوروبي عن القرار الأميركي لأنه يفتح الباب أمامهم للتعامل مع واشنطن بحرية أكبر بعيداً عن الضغوط الجماعية.
حراجة وضع "حزب الله"
وأمام هذا الوضع الجديد في لبنان، يرى مصدر فرنسي متابع للشؤون اللبنانية، أن ارتفاع صوت "حزب الله"، بهذه الحدة في وجه الاطراف اللبنانية المعارضة أو المختلفة معه، ليس سوى الصدى الطبيعي لحرجه من هذا التطور الاستثنائي دولياً. فهو مثله مثل طهران ودمشق وحتى تل أبيب يعلم أن هذه القوى التي تجمع العالم القديم بقوة صاعدة هي الصين الشعبية والمدعومة آسيوياً تريد النجاح لمهمتها في لبنان ولا يمكنها المغامرة والفشل لأن في ذلك ضرباً لمشروع استراتيجي يتعلق برؤيتها المشتركة لعالم تعددي القوى.
وفي محاولة أخيرة لقراءة هذا التحول، يشير مصدر فرنسي الى مؤتمر حوار "الشعوب والثقافات" الذي عقد في باريس برئاسة الرئيس جاك شيراك. ويقول المصدر: موعد هذا المؤتمر الذي وافق الذكرى الخامسة لاعتداءات 11 أيلول كان مقصوداً، ففي مواجهة تسعير حرب الحضارات والدفع باتجاه طلاق الثقافات، فان شيراك الذي يرى أن حوض المتوسط هو أكبر مختبر لعيش الشعوب معاً، قال لواشنطن مباشرة إن الحوار هو الحل، وإنه لا يمكن حل النزاعات عن طريق القوة، وإن الوقت قد حان للعمل من أجل حل النزاعات في منطقة الشرق الأوسط التي تعكس خيارات سياسية، حتى لا يكون الثمن مغامرة جديدة لا تريد أوروبا دفع ثمنها هذه المرة من كيسها!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00