8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

طهران تريد تحييد فرنسا في الملف النووي وشيراك للفصل بينه وبين الوضع اللبناني

تعرف باريس جيداً، ان الحضور الايراني في الأزمات المفتوحة في منطقة الشرق الأوسط كبير جداً، وأن هذا "الحضور" تمدّد وتعمّق مثل بقعة الزيت. والايرانيون لم يتركوا شيئاً للصدف. فقد عملوا بصبر ودراية ولم يستعجلوا أمراً تاركين للأحداث وأخطاء الآخرين والوقت إنضاج كل ملف على حدة. وهكذا فإن أحداً لا يشكك في حجم "الحضور والتأثير الايرانيين في العراق". ولا أحد ينفي إلى أي حد بات فيه الرأي الايراني مهماً ومحركاً في الملف الفلسطيني. وبطبيعة الحال فإن الجميع يعلمون ان ايران تتعامل مع "الفسيفساء" اللبنانية وألوانها بدقة حائك السجاد الذي يدع كل لون يأخذ مكانه الطبيعي، من دون أن يغيب عن عيونه ورؤيته وجود لون طاغ يتم بناء باقي الألوان عليه.
وأمام هذه "الدقة الفرنسية" في معرفة الدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وفي ظل "الرقص الجَماعي على موسيقى الملف النووي"، فإن طهران تأخذ بالاعتبار اتجاهات "الرياح الفرنسية" في المنطقة من جهة وهي تهتم بجدية أكبر في قراءة الموقف الفرنسي بكل واقعية، من جهة ثانية، لأن طهران تعرف بدورها انه في ظل الهجمة الأميركية عليها لا حل أمامها سوى فصل أوروبا عن الولايات المتحدة الأميركية أو على الأقل تحييدها على أمل جذبها نحوها، مستغلة في كل ذلك رفض فرنسا للعقوبات الاقتصادية ضد إيران على غرار ما حصل مع العراق وليبيا".
إلى جانب هذه "الدقة الإيرانية" المتقاطعة مع الدقة الفرنسية في معرفة كل طرف للآخر، فإن طهران مدركة أيضاً أن باريس وان كانت مهتمة بالعراق وبمستقبله فإن اهتمامها به يبقى داخل "دائرة قطرها العلاقات الاقتصادية واخراج العراق من حالة العنف الأسود الذي يدفع بالعراق يومياً نحو جهنم الحرب الأهلية الشاملة بكل إنعكاساتها المذهبية على المنطقة" كما ان طهران تدرك أيضاً أن اهتمام باريس بالملف الفلسطيني وان كان اهتماماً نابعاً من فهم استراتيجي لكل التحولات في المنطقة، فإن اهتمامها يبقى سياسياً وانسانياً.
أما ما يتعلق بلبنان فإن طهران تعرف وهي لمست بنفسها أن الملف اللبناني يحتل موقع الأولوية والأساس في المنطقة من القلب والعقل الفرنسيين وأن هذه العلاقة التي يختلط فيها التاريخ بالثقافة بالسياسة، لا تسمح مطلقاً بأي محاولة للعب عليها. وبدورها فإن باريس لم تترك فرصة أو مناسبة إلا وعملت على تأكيد ثوابتها في لبنان أمام مختلف المسؤولين والأطراف الإيرانيين سواء في زمن التوترات أو الهدوء أو حتى المساكنة.
التعادل في الاهتمامات
وفي ظل معادلة تقوم على "التعادل" بالاهتمام بلبنان بين طهران وباريس، فإن الصراحة تصبح سيّدة الأحكام. ومن ذلك أن باريس وطهران عمدتا بعد نهاية حرب تموز الى "المكاشفة العميقة". ومما دفع الى ذلك "أن لفرنسا وجودا عسكرياً في اطار قوات اليونفيل داخل لبنان، وأن أمن الجنود الفرنسيين من صلب الأمن الفرنسي، وأن تعقيدات حملة الانتخابات الرئاسية التي بدأت باكراً تزيد من أعباء واهتمامات الرئاسة والحكومة الفرنسيتين بهذا الأمن".
شيراك والأولوية للبنان
وعلى أساس هذه القاعدة، فإن الرئيس جاك شيراك عمد بنفسه الى متابعة الوضع الناشئ بعد "حرب تموز". واستناداً الى المصادر نفسها، فإن اللقاء الذي جرى بين الرئيس الفرنسي وهاشمي سماره مبعوث الرئيس الايراني أحمدي نجاد الى باريس، تناول الملف النووي بشكل سريع، لأن المعني بمتابعة هذا الملف هو علي لاريجاني سكرتير مجلس الأمن القومي. وأن التركيز جرى حول لبنان. ولذلك فإنه بفضل عدم المزج بين الملفين النووي واللبناني، يمكن ألا يبقى لبنان الساحة الكبيرة الأكثر انكشافاً أمام المواجهة الايرانية ـ الأميركية.
واذا كان من الصعب معرفة ما جرى خلال اللقاء والحوار الذي دار، فإن المصادر نفسها أشارت الى أن المبعوث الايراني الموثوق جداً من الرئيس نجاد، أكد ان طهران "تعرف مدى اهتمام فرنسا بالاستقرار في لبنان ولذلك فإن طهران التي تؤيد هذا الاهتمام تريد التعاون من أجل تحقيق هذا الهدف المشترك. ولذلك فإنها ترغب دائماً بالتشاور والتعاون مع باريس".
وبطبيعة الحال، فإن هذه "الرسالة" بدت واضحة جداً في صياغتها الهادفة الى تقديم "عرض عبر التشاور والتعاون من أجل الاستقرار للدخول في تفاصيل الوضع اللبناني". لكن واستناداً الى المصادر نفسها فإن "الرسالة" الفرنسية بدت أيضاً واضحة على مثال "الرسالة" الايرانية. فقد سمع المبعوث الايراني ما يفيد ان باريس تعرف بدقة طبيعة العلاقة بين طهران و"حزب الله"، وأن الحزب وان كانت له استقلاليته في التحرك والنشاط وصوغ علاقاته، الا ان لطهران رأيها في استراتيجيته ونشاطه بسبب العلاقة الاستراتيجية فكرياً وسياسياً وتنظيمياً. ولذلك فإن طهران قادرة على ضبط ايقاع حركة "حزب الله" بما يخدم الهدف المشترك وهو تحقيق الاستقرار في لبنان. واستكمالاً لكل ذلك فإن مسألة نزع سلاح "حزب الله" وان لم تكن مطروحة حالياً، لكن على الجميع التأكد من أن هذا الهدف قائم ولا بديل عنه في اطار تحقيق المطالب اللبنانية كاملة وهي حل مشكلة مزارع شبعا وما استجد في الغجر وخرائط الألغام (وقد حلّت) وما استجد من خرائط للقنابل العنقودية، وأخيراً ملف الأسرى. وضمن هذه "الخارطة"، فإن قوات "اليونفيل" ستعمل لحصر فاعلية سلاح "حزب الله"، والتأكد يومياً من عدم وجود حركة مكشوفة لهذا السلاح، والعمل بقوة على تجفيف مصادر تهريب السلاح عبر الحدود السورية ـ اللبنانية أو عبر البحر.
طهران وباريس، بحاجة لبعضهما البعض. فالأولى يهمها الموقف الفرنسي حول الملف النووي. والثانية يهمها انضباط الموقف الايراني في لبنان عبر "حزب الله". وبوجود هذه المصلحة المشتركة للطرفين وادراك كل منهما ذلك، فإن التفاهم "قد" يصبح سيد الأحكام.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00