أن تصبح الخروق الجوية الإسرائيلية للسماء اللبنانية "انتهاكاً للقرار 1701، لانه يشكل خرقاً للخط الأزرق" موقفاً رسمياً من قائد "اليونيفيل" الجنرال الفرنسي الان بلليغريني يعلنه من نيويورك المقر الرسمي للأمم المتحدة، فإن ذلك يعني أن تطوراً مهماً قد حصل في تناول هذا القرار وآلية تطبيقه، وذلك قبل اكتمال وصول كافة القوات المشاركة في اليونيفيل إلى لبنان وانتشارها في المربع الضيق الممتد من جنوب الليطاني حتى "الخط الأزرق".
ويبدو واضحاً الآن أن هذا التطور ليس منقطعاً عن سياق عمل قوات "اليونيفيل"، وهو يشكل حلقة مهمة من مجموعة حلقات تتصل بالبعض الآخر لتشكل بذلك مساراً جديداً في تعامل الأمم المتحدة مع الحالة اللبنانية. فالأمم المتحدة التي أدرك أمينها العام كوفي أنان الذي يستعد لعملية التسلم والتسليم مع خليفته الكوري الجنوبي، "حقيقة الوضع في لبنان في ظل قرارات الأمم المتحدة الكثيرة وخاصة القرار 1701 الذي صدر لينهي حرب الثلاثة وثلاثين يوماً الإسرائيلية ضد لبنان، عمل على استثمار الثغرات العديدة الموجودة في القرار 1701 ايجابياً وفي إطار الأخذ بعين الاعتبار "طبيعة الوضع الهش في لبنان رغم الهدوء الذي يسود فيه بعد الحرب".
"الرسالة" الفرنسية الى إسرائيل
واستكمالاً لهذا الفهم العميق من جانب الأمين العام للأمم المتحدة للوضع في لبنان، فإن قائد "اليونيفيل" الفرنسي، يسرع الخطى لوضع "قواعد ثابتة لآلية تنفيذ القرار 1701، حتى لا يؤدي تغيير القيادة كما هو معروف إلى تغيير القواعد". ولا شك في ان الجنرال بلليغريني يستند في موقفه القوي على الدعم الفرنسي، رغم أن باريس تؤكد وتكرر أن أي قرار يتخذه الجنرال بلليغريني هو "قرار للأمم المتحدة وهي المسؤولة عن تنفيذه وليس قراراً فرنسياً تُسأل عنه باريس".
لكن عندما يقول الجنرال الفرنسي "أن بلاده نشرت صواريخ مضادة للطائرات في جنوب لبنان، وانه إذا تعرضت مواقعنا للهجوم من طائرات أو مروحيات فسنرد بهذه الصواريخ" فإنه لا يمكن بسهولة الفصل بين موقف بيللغريني كجنرال فرنسي وموقفه كقائد لقوات "اليونيفيل".
وبنتيجة لهذا التداخل فإن التفسير المنطقي والواقعي هو في النظر عن قرب إلى الموقف الفرنسي. فمن بين كل الدول المشاركة في قوات "اليونيفيل"، يبدو الموقف الفرنسي "الأكثر التزاماً بالحفاظ على أمن واستقلال لبنان وعدم تعرض هدوئه وسلامه الهش إلى الخطر". ولذلك فإن الكلام عن "صواريخ" فرنسية هو "رسالة" فرنسية واضحة جداً الى اسرائيل، بأنها معنية بقوة بلبنان ولا يجب المراهنة كثيراً على الالتزام الفرنسي الآخر بعدم الاشتباك مع قواتها لأسباب سياسية معروفة. وما هذا الموقف الفرنسي الحازم إلا لانها "قلقة على لبنان ويعنيها مباشرة الحفاظ عليه".
ومما يؤكد كل ذلك ان وزيرة الدفاع الفرنسية ميشال اليوت ماري التي التقت ستيفن هارلي مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض وغيره من المسؤولين أعلنت بوضوح ومن واشنطن "ان الوضع في لبنان يقتضي العمل على تجنب كل استفزازات من شأنها اشعال العنف من جديد". فالاختراقات الجوية الاسرائيلية سياسة اسرائيلية تستفز اللبنانيين وحتى قوات "اليونفيل" القادمة من دول تعرف وتمارس سيادتها على كامل أراضيها وأجوائها بدقة لا يمكن اللعب عليها أو معها. كما ان تكرار الخروق البرية "للخط الأزرق" والذي عالج الجيش اللبناني بعضه بتصميم واقتدار، قد يؤدي الى احتكاكات غير محسوبة تعيد جو المواجهات الحربية التي اصبحت تشكل في الوقت نفسه خطر محسوباً على قوات اليونفيل. ولذلك كله فإن تطويق مثل هذا الاحتمال قبل وقوعه بمواقف متشددة أنجع بكثير من التعامل مع الخطر العسكري.
هذا التشدد من قبل قوات "اليونفيل" باتجاه اسرائيل، والذي لا بد من اكتماله بإنهاء قضية مزارع شبعا وحل ملف الأسرى والمعتقلين في السجون الاسرائيلية، يأتي في اطار فهم متكامل لتطبيق القرار 1701. فإذا كان القرار 1559 يطالب "بنزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية من خلال عملية سياسية"، فإن القرار 1701 وكما أشار رئيس الوزراء التركي رجب طب اردوغان لا يطالب قوات اليونيفيل بنزع سلاح حزب الله".
لكن هذا التعامل الواقعي مع القرار الدولي، لا يعني مطلقاً ان قوات "اليونيفيل" ستكون مجرد شاهد دولي على استمرار الوضع في جنوب لبنان بكل تعقيدات وجود المقاومة المسلحة فيه. واستناداً الى مصدر مطلع في باريس، فإن قوات "اليونيسفيل" التي لن تعمل على نزع سلاح حزب الله، "تعمل على نزع وظيفة سلاح حزب الله". وآلية هذه المهمة هي في التشدد في مواجهة اسرائيل، بحيث تنزع من خلال التنفيذ اليومي لمطالبها سواء في وقف الخروقات البرية الاسرائيلية أو في العثور على حل لوقف الخروقات الجوية، في نزع كل الأوراق والمطالب من يد حزب الله والتي تشرع له أمام اللبنانيين وخاصة امام الجنوبيين استمرار محافظته على سلاحه. وعندما يفقد هذا السلاح "وظيفته"، فإن وجوده في المخازن والمخابئ تحت الأرض يصبح قابلاً أكثر بكثير للنقاش والحوار اللبناني اللبناني.
طبعاً "حزب الله"، كما تؤشر اوساطه "يراقب ويتابع بدقة تصريحات ومواقف قيادة "اليونيفيل"، كما يتابع يومياً تحركات وانتشار هذه القوات على الأرض في الجنوب والتي تلغي تدريجياً حرية حركته المسلحة". لكن مصادر أخرى متحمسة للحزب ترى "ان التصريحات الأخيرة وخاصة من الجنرال بلليغريني تعمل على انتاج شرعية ميدانية لقوات "اليونيفيل" في مواجهة اسرائيل تؤدي لاحقاً الى تشريع اي تحرك في مواجهة المقاومة.
المواقف العلنية أو غير المعلنة من الطرفين الدولي و"حزب الله" لا تزال خاضعة لتجربة بناء جسور الثقة بينهما، وهي عملية طويلة وصعبة وعرضة في كل يوم لتجربة جديدة. لكن المؤكد وكما تقول مصادر مطلعة في باريس ان اي تحديد جديد لقواعد الاشتباك لقوات "اليونيفيل" في لبنان تتطلب قراراً جديداً من مجلس الأمن، وهذا القرار كما يبدو وان كان احتمالاً قائماً الا انه ليس ملحاً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.