8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الفشل الأميركي في العراق يفتح "شهية" دمشق.. والغرب يتشدّد حيالها

الرئيس جورج بوش هُزم في العراق، ولن يشاركه أحد في "أبوّة" هذه الهزيمة، لأن التاريخ لم يعرف سوى "أب" واحد لكل هزيمة. حتى حليفه ونصيره توني بلير رئيس الوزراء البريطاني، لن يكون حاضراً عندما يغادر بوش البيت الأبيض تاركاً كل "الغسيل الوسخ" لهذه الحرب لخليفته، كما فعل من قبل الرئيس نيكسون في حرب فييتنام.
طبعاً ستدفع الادارة الأميركية الثمن عاجلاً أم آجلاً. والحزب الجمهوري سيدفعه خلال الأسابيع القريبة لدى انتهاء الانتخابات النصفية التي يبدو منذ الآن أن الديموقراطيين سيحصدون نتائج هذه الهزيمة، ليس لأنهم قدموا أفكاراً جديدة أو قيادات مستقبلية لها وزنها.
هذه الهزيمة وهذا العقاب يعنيان الأميركيين مباشرة، لكنهما يعنيان العرب ما يكفي لأن يكونوا حاضرين ومواكبين لكل التطورات، فالعراق هو في قلب هذه الهزيمة، لأنه احتل المرتبة الأولى من اهتمامات وهموم الأميركيين حسب مختلف استطلاعات الرأي. وعندما تتحول قضية خارجية الى مشكلة اميركية داخلية، فمعنى ذلك ان خسائرها دخلت كل بيت، فالأميركي العاديّ لا يعرف سوى حساب الربح والخسارة، سواء التي ستدخل الى جيبه، أو تلك التي ستخرج من حساباته المصرفية. والأخطر من كل ذلك ان تصبح الخسائر من أبنائه أكبر من أن يتحمّلوها، خاصة متى تحوّلت ضريبة يومية قاسية تمسّ كل العائلات.
العراق "قلب" المنطقة
العراق "قلب" منطقة الشرق الأوسط، والولايات المتحدة الأميركية في عهد المحافظين الجدد، أرادت على يد الرئيس "المؤمن" جورج بوش ان تغيّر المنطقة ابتداء من هذا "القلب". وبعد ثلاث سنوات، يبدو كل هذا العالم في خطر، فمتى أصيب "القلب" لا بد أن تطاول اصابته الجميع. ولذا صارالخوف من المستقبل سيّد الموقف، فليس اصعب من الوقوف أمام مفترق طرق وكل الاتجاهات الظاهرة تقود الى كارثة مؤكدة.
لن يسلّم الرئيس جورج بوش، بسهولة بهذه الخَسَارة، وأمامه نحو عامين في البيت الأبيض، يستطيع خلالهما ان يفعل الكثير. ومن الطبيعي جداً ان يعمل لتخفيف حجم خسائره وخسائر الولايات المتحدة. وأولى الخطوات نحو هذا المسار هي التخفيف من تصاعد العنف المسلح في العراق لئلا يكون انسحاب القوات الأميركية بضغط هذا العنف الذي تختلط فيه المقاومة بالارهاب بالمصالح المذهبية الضيقة والطموحات القومية العملاقة التي لا يبدو ان أرجلها على الأرض لأنها تأخذ بالتحولات كثوابت أكثر من عملها على الثوابت الخارجة من الجغرافيا وإرادة البقاء لدى دول تاريخية.
ولعل طلب العون الأميركي من ايران وسوريا للحد من انفجار الوضع، يدفعهما الى المزيد من تقديم العروض والمطالب. واذا كانت طهران صريحة في مطالبها وهي الحصول على شرعية دورها الاقليمي الكبير وحصولها على شرعية التصنيع النووي المدني، مستندة في ذلك على "أوراق" عديدة تمتد على طول القوس الاسلامي من أفغانستان الى العراق فلبنان، فإن سوريا تضمر أكثر مما تعلن، لأنها تعرف ضمناً أن ما تطالب به تنقصه الشرعية ويفتقد القدرات الكافية لتثبيته.
ذلك ان دمشق تريد فعلاً مقابل دورها في تهدئة الأمور في العراق، وهو دور معلق على حقيقة حجم تأثيرها في قادة العشائر و"القاعدة" والبعث القديم، ان تتقاسم مع ايران النفوذ في العراق فتكون لها "حصة" في نفط العراق وهي التي تعيش مرحلة نفاد مخزونها الاحتياطي من النفط، وأن تستعيد بعض او الكثير مما خسرته في لبنان، وأن تكون لها كلمة في التسوية الفلسطينية في اطار وحدة المسار والمصير العربيين.
المخاطرة الممنوعة
لا يمكن لواشنطن المخاطرة كثيراً في مواجهة مطالب طهران ودمشق، فلها حساباتها المعقدة وعليها ان تأخذ برأي حلفائها وبخاصة باريس. ولذلك فإنها ان أعطت، فعطاؤها سيبقى محدوداً وعلى قاعدة الحد الأدنى. واذا كان للعراق ألف حساب وحساب في كل التسويات والحروب، فإن مستقبل النزاع الفلسطيني ـ الاسرائيلي يبقى دوماً تحت الرقابة الشديدة للعلاقات الأميركية ـ الإسرائيلية. وواشنطن مهما قبلت تقديم تنازلات من أجل خلاصها في العراق لا يمكن أن تفعل ذلك على حساب إسرائيل خاصة في عهد المحافظين الجدد.
يبقى لبنان وهو "بيضة القبّان" في كل هذه المطالب العلنية والمخفية لدمشق، ذلك أن عودة دمشق إلى ما قبل 14 شباط 2005 مستحيلة حتى بالنسبة "لحزب الله"، لان لا شيء أحلى من حرية الحركة بعيداً عن "السيف القاطع" للأمن السوري المباشر. ومع ذلك يبدو ان "شهية" دمشق لم تتراجع، وهي تضغط داخل لبنان لتشريع مطالبها أمام واشنطن على أساس انها القادرة "على ضبط الوضع كلياً مستندة في ذلك إلى تجربة "تاريخية".
"الشهية" الدمشقية
أمام هذه "الشهية الدمشقية"، يبدو أن التشدد الأميركي ـ الفرنسي عاد ليصبح سيد الموقف. واستناداً إلى مصادر مطلعة في باريس فإن الحد الأقصى الذي يمكن القبول به هو مقابل أي دور لدمشق في العراق هو سلامة النظام وبعد محاسبات مهمة، تؤدي عملياً إلى تغيير طبيعة هذا النظام إذا نجح في استيلاد شروط بقائه. ولذلك فإن "جرس" التذكير لدمشق يدق على توقيت القرار 1559 الذي صدر قبل التمديد ثم القرار 1680 واخيرا وليس آخرا القرار 1701 إضافة إلى اقتراب استحقاق صدور تقرير المحقق الدولي سيرج براميرتس وأخيراً اقتراب عملية تشكيل المحكمة الدولية بعد الانتهاء من صدور قرارها على يد حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مهما اشتدت الضغوط والتحذيرات وحتى التهديدات.
ويبدو أن هذا التشدد الأميركي ـ الفرنسي، يتكامل مع عودة التشدد العربي وخاصة من القطبين السعودي والمصري. بحيث يضيق هامش الحركة السورية في مواجهة الضغوط عليها. فدمشق لم تعرف كيف تتعامل مع "اليد العربية" التي امتدت لسنة كاملة لمساعدتها، إذ اعتبرت أن هذه الإرادة العربية هي مظهر ضعف وليست تجسيداً لتضامن اخوي ممتزجاً بقرار الحفاظ على الاستقرار وعدم تعريض المنطقة إلى مزيد من الفوضى. وبدلاً من أن تصبح "العرقنة" خطراً قائماً يتطلب عملاً عربياً مشتركاً لوأده فإن دمشق صعدت من الموقف ولوحت بقوة بالعرقنة كسلاح في يدها وليس ضدها.
والمعركة ما زالت في هذه المرحلة في بداياتها، وإذا كان العراق هو "قلب المواجهة وتقرير المصير، فإن لبنان هو حالياً الساحة التي تشهد صياغة كل المعادلات وموازين القوى، ولذلك يجب توقع المفاجآت. ومن هنا فإن الحذر الشديد مطلوب أكثر من أي وقت مضى منذ 14 شباط 2005.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00