8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

غموض القرار الأميركي في المنطقة وخطر "العرقنة" يفرضان الحذر الشديد

هل يكون 12 تشرين الثاني، موعداً جديداً للبنان مع حرب أخرى أخطر وأقسى وأدمى من حرب 12 تموز، عندما قرّر "حزب الله" ونفذ خطة أسر الجنديين الاسرائيليين، مقدراً أن ردة الفعل الاسرائيلية ستكون محدودة ومحصورة بسقف وضعه الحزب وهو ممارسة أقصى ضغط عسكري لأيام محدودة ثم التفاوض غير المباشر لاطلاق الأسرى اللبنانيين والعرب من السجون الاسرائيلية، فكانت حرب الثلاثة وثلاثين يوماً، التي انتصر فيها لبنان كل لبنان لأنه حارب من الجنوب وصمد على مساحة كل لبنان.
بعد 12 تموز وقف اللبنانيون مع المقاومة متناسين المقولة الكبيرة حول اذا كان شاؤوا أم أبوا في اللحاق بالحزب في الحرب ضد اسرائيل. فهذه الحرب تبقى وستبقى مشرفة وشرفاً لكل من يشارك فيها بالسلاح أو بالصمود أو بالمناصرة والدعم.
الآن الدعوة ليست عامة انها خاصة جداً فهي دعوة "للنزول الى الشارع وليكن الرد على الشارع بالشارع". المشكلة الأولى والأساسية، ان الشارع هو فتيلة موقوتة لا يملك أحد ساعة توقيتها، ومتى بدأ العد العكسي لها، من الصعب ان لم يكن من المستحيل توقيت دقاتها، ولتصبح كل دقيقة تمضي من توقيتها رسماً لخندق جديد من الدماء بين اللبنانيين.
في الحرب ضد اسرائيل، كانت المقاومة تملك قرارها، أما "حزب الله" وكل الأحزاب التي تناصره، فإنها وان كانت تملك قرار النزول فإنها لا تمسك مطلقاً بمسار التطورات. وبكلام أوضح يقوله حتى أقرب المقربين من الحزب: الجميع يعرف جيداً وبوضوح أن المواجهة تمتد من العراق الى فلسطين فلبنان. وان الغموض هو سيّد الموقف حالياً، لأن المنطقة كلها تمر حالياً في مرحلة انتقالية بانتظار الحسم. فواشنطن غارقة الى أذنيها في الانتخابات النصفية. وخوف الرئيس جورج بوش وادارته والجمهوريين من خَسارة هذه الانتخابات أصبح قبل أيام من اجرائها، يقيناً. وخلال الأسابيع المقبلة فإن كل الدوائر في واشنطن من ادارية وسياسية وحزبية ستكون مشغولة بقراءة النتائج ودراستها. وفي ضوء كل الأبحاث والدراسات ستؤخذ القرارات، ومن الطبيعي مع اقتراب عطلة نهاية العام، أن يكون موعد القرارات في مطلع العام المقبل. وفي ظل هذا الغموض، لا أحد يستطيع أن يعلن انتصاره، ولا أن يحزم أمره وقراراته بالحرب أو بالسلام، فمهما كانت المواجهة حامية مع الولايات المتحدة الأميركية فإن أحداً ليس باستطاعته بناء فعله وردود فعله بدون الأخذ في الاعتبار توجه الادارة الأميركية ومسار حركتها المقبلة استراتيجياً وتكتيكاً".
الغموض والعرقنة
وزيادة في التوضيح يقول هؤلاء المقربون، انه في ظل الغموض يكون الحذر هو السلاح الأمضى. ومما يعزز ذلك ان المنطقة وخاصة لبنان يعيشان في مرحلة الخوف القاتل من "العرقنة". ولذلك لا يكفي الاشارة الى "بيت العنكبوت" فالمطلوب العمل بقوة على تجنبه لعدم السقوط فيه. واذا كان التظاهر حقاً شرعياً من حقوق الديموقراطية وممارستها، فإن الواجب أيضاً يقضي بالسؤال هل يمكن اللجوء الى الشارع في ظل الغموض الدولي وخطر العرقنة"؟. وفي محاولة لرسم خريطة واضحة للوضع، ترى أوساط متعددة، أنه لم يعد موضوعياً ولا شرعياً التصرف مثل النعامة عند الخطر. فقد سبق وأن تحدثت دمشق بوضوح عن وجود "القاعدة" في لبنان، واستكمالاً لذلك فإن الجميع يعرف أن نشاط مجموعات سلفية قويّ جداً وأن الاحتقان القائم حالياً يضخ كل الأسباب التي تؤجج دعاوي هذه المجموعات، والسؤال الواقعي جداً هو من يضمن عدم دخول مجموعات من كل هذه القوى على خط التظاهرات في الشوارع وتفجير صدامات ومواجهات لا أحد يعرف كيف ستنتهي. والى جانب هذا الخطر القائم فإن قوى حزبية معروفة مرتبطة بدمشق ومصالحها أكثر من ارتباطها بلبنان ومستقبله. وهذه القوى التي لم ترضَ بإبعادها عن السلطة وهي التي كانت موجودة فيها بقوة سلطة الوصاية وليس لشعبيتها، قادرة في أي لحظة على إشعال الشارع. ولعل ما حصل عندما تم اقتحام مبنى الايسكوا في ساحة رياض الصلح خبر دليل على قدرة مجموعة صغيرة على حرف أكبر التجمعات الشعبية عن مسارها المطلبي والديموقراطي. أبعد من ذلك وعلى افتراض ان الخلل لن يأتي من هذا الطرف أو ذاك، أليس من الضروري والواجب الوطني عدم تعريض رجال الأمن للتجربة خاصة وانهم من أبناء مختلف الشرائح الاجتماعية التي تتأثر وتؤثر؟
انتصار المقاومة
في حرب 12 تموز، انتصرت المقاومة لأنها كانت تتحكم بما يجري على الأرض، أما في شوارع بيروت فإن الارادات الطيبة والمخلصة والوطنية لا تكفي للوصول الى النهايات المطلوبة. فالوضع في الشارع هو مثل السائق المتمكن والممسك بقيادة سيارته بفن ورعاية وقوة لكن ذلك لا يحول دون اصطدامه بسيارة أخرى لأن سائقها ضعيف أو أرعن. والنتيجة أن السائق الأول هو الذي يدفع من رصيده وسيارته خطأ السائق الآخر. أما في حالة لبنان فإن الصدام في الشارع سيحرق كل شيء، والخاسر في كل ذلك اللبنانيون على جميع توجهاتهم.
انتصار المقاومة في حرب 12 تموز هو لكل اللبنانيين. واستثماره يجب أن يكون لكل اللبنانيين في اطار الحرية والسيادة والاستقلال. أما المواجهة في 12 تشرين الثاني حتى لو كانت سلمية في بداياتها فإنها ستكون ضد مصلحة كل اللبنانيين، ولن ينتصر فيها أحد، وهذه النتيجة لا تحتاج الى دليل، فالاثبات موجود في الحرب الأهلية التي استمرت 17 سنة دامية. ومن الطبيعي أن يخاف كل لبناني من نزق الشارع ومن خطورة انفجار هذه القنبلة الموقوتة، وأن يكون أمله بأن يكون حرب 12 تموز آخر الحروب وليس المقدمة الحزينة لحرب جديدة أسوأ ما فيها أنها ستكون داخلية وان الآخرين سيحصدون كوارثها كما حصل في حرب 1975 وكل الحروب التي تلتها.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00