8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الشارع والاحتقان "قنبلة موقوتة" واستحقاق الرئاسة يحول دون الانتخابات التشريعية المبكرة

هذه المرة لن تؤجل جلسة التشاور. فقد استكمل "الأستاذ" تحضيراته الكاملة موفراً الشروط الضرورية لانعقادها. وبذلك سيأخذ اللبنانيون جرعة أوكسجين ضرورية تخفف من حدة قلقهم، وتجعلهم في الوقت نفسه يتابعون بدقة لعبة الكراسي الموسيقية للأزمة الداخلية على خلفية متناغمة مع الحالة الاقليمية. وخلال جلسة التشاور التي قد تمتد الى جلسات أخرى، لن تعود المواقف المختلفة والمتعارضة للقوى المجتمعة أسيرة التصريحات والمقابلات التلفزيونية، ولذا لا بد من أن يؤدي الحوار المباشر على طاولة واحدة الى واقعية ضرورية للخروج بنتائج تفتح جدياً الباب نحو عودة الحوار بحيث يبدأ من المكان الذي انتهى اليه في السابق مع الأخذ دوماً في الاعتبار محصلة حرب 12 تموز ونتائجها ودروسها.
ويبدو حتى الآن أن الديبلوماسية السعودية الفاعلة بصمت والمؤثرة بعمق، ناشطة على جميع الخطوط وباتجاه جميع الفرقاء، لئلا يؤدي الضغط الناتج من الاحتقان القائم في الشارع الى نزع صاعق القنبلة الموقوتة فيقع المستحيل الذي لا يريده أحد مهما بالغ بمطالبته، وبإبراز قوته الضخمة أو المتضخمة.
واستناداً الى عدة مصادر متقاطعة فإن جلسة التشاور "ستُعقد لأن الاتفاق على العناوين الكبرى صار متوافراً. لكن هذا الاتفاق لا يلغي الخلاف على التفاصيل، والقاعدة معروفة جيداً بأنه في التفاصيل يكمن شيطان الخلافات".
استحالة التسليم بالثلث المعطل
ومن ذلك، ان الاتفاق على امكانية توسيع الحكومة بما يؤدي الى ادخال "التيار الوطني الحر" اليها، ممكن جداً وإلى جانبه حليفه النائب الياس السكاف. لكن ذلك دونه الخلاف حول "ملكية" الثلث المعطل اذا صح التعبير، اذ لن تقبل الأكثرية بتسليم أقدارها ومستقبلها الى تحالف حزب الله ـ عون قبل موافقة الحكومة على قانون المحكمة الدولية، خاصة ان العماد عون يصر على تسلم وزارة العدل لتياره. ثم أن للعماد عون مشكلة ذاتية وهي أنه اذا قبل بدخوله الحكومة بالتحالف مع "حزب الله" فإن مسألة ترشيحه للرئاسة لن تعود متوافرة. وفي اطار هذا الوضع فإن مصدراً مطلعاً زار واشنطن مؤخراً ينقل عن المصادر الأميركية المطلعة هجوماً حاداً على العماد عون لأنه "فك عزلة حزب الله من جهة وأنه هاجم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عندما كان مطالباً بتحييد موقفه اذا كان لا يريد دعمها".
ولا شك في أن جلسة التشاور، ستساهم بشكل أو بآخر بحل جزء أساسي من وضع القوى المأزومة كلاً منها على حدة ولأسباب مختلفة، ويبدو أن مسألة الشارع بالشارع، قد أحرجت الجميع، خاصة "حزب الله"، إذ لا أحد يضمن ايقاف ساعة توقيت قنبلة موقوتة في الدقيقة المحددة. ولا يمكن تكرار ما حصل في 8 و14 آذار الآن، لأن الاحتقان القائم حالياً يضع كل التحركات أمام أخطار مفتوحة. واذا كان مطلب توسيع الحكومة أو تعديلها يمكن "بلعه" من الأكثرية الحاكمة، والأخذ به كحل لا يتحمل أحد من الطرفين قطع "الولد" الى نصفين باسم الأبوة، فإن مطلب اجراء انتخابات تشريعية مبكرة أكبر من أن يبلع فكيف بأن يتم هضمه. فهذا الطلب يفتقد الواقعية كلياً. وقد أصبح معروفاً ان أسباباً كثيرة تمنع الأخذ بهذا المطلب. فلا الأكثرية النيابية القائمة، التي أغلبيتها لا تزيد على ثمانية نواب، علماً أن الرئيس الراحل سليمان فرنجية انتخب بأكثرية نائب واحد فقط، مستعدة لتسليم رقبتها لمقصلة أقلية نيابية بعضها سليم النوايا والتوجه الوطني، لكن أيضاً بعضها الآخر له حساباته الخاصة المنطلقة من الثأر لكل ما أنتجه "تسونامي" اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري".
برّي والاعتراف بخبرته
الى جانب هذه العقدة الأساسية، فإن الأخذ بفكرة اجراء انتخابات تشريعية تقتضي اما القبول بالقانون الأعور للعام 2000 وعندها لا لزوم لما يلزم، واما العمل بقانون جديد. ومن الطبيعي أن أي قانون سيطرح اليوم سيخضع مجدداً للعبة الأكثرية والأقلية في البرلمان الحالي. وأخيراً فإنه مهما كانت سرعة حركة التحضير للانتخابات التشريعية، فالأمر يتطلب أشهراً تكون خلاله أقفلت فيه صفحة انتخابات الرئاسة التي مهما كابرت هذه الأقلية الطموحة تبقى بالنسبة لها "أم المعارك".
أما بالنسبة للأكثرية الحاكمة ومعها الأكثرية الشعبية التي لا يمكن إنكارها فإن "أم المعارك بالنسبة اليها هي تشكيل محكمة دولية، تضع نقطة البداية للاقتصاص من قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، طلباً للعدالة وكي تتوقف نهائياً آلة القتل في الوطن العربي، فينعتق المواطن قبل المسؤول من الخوف، وهذا الانعتاق هو المقدمة الأولى للحرية المسؤولة.
الرئيس نبيه برّي، الذي تعترف الآن كل الدوائر الدولية وخاصة واشنطن، بأنه "قيادي خبر كل الأحوال فاكتسب قدرة هائلة على الامساك بكل الخيوط في لبنان المعقد"، عرف كيف يلتقط التحول الداخلي والعربي في الوقت المناسب. وهو أيضاً يعرف جيداً، أنه كما يفعل كبار المستثمرين الذين "يشترون على صوت المدافع ويبيعون على صوت الكمان" فإنه يريد أن يتشاور قادة القوى اللبنانيون تحت ضغط القلق من الانفجار، وفي ظل الارباك الحاصل دولياً في واشنطن بسبب الانتخابات النصفية حتى عندما يستقيم الوضع ويزول الغموض ويعرف الجميع في لبنان أن مسؤوليتهم كبيرة أمام أولادهم وأكثر أمام أحفادهم، يندفعون بإرادتهم نحو صوغ حل يقوم على إعطاء كل طرف ما يستحقه تحت سقف اتفاق الطائف، وليس كما يحلو لهذا الطرف أو ذاك أن يطالب به في ظل المتغيرات التي تبقى متغيرات لا يمكن البناء عليها مطلقاً.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00