8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

إبقاء لبنان مشلولاً وخائفاً بانتظار مواجهة حرب إقليمية خسارة للجميع

أول الغيث، إعلان الهدنة الإعلامية من ساحة النجمة، على أمل أن تكون الهدنة السياسية مطلعها. ذلك أن "طاحونة" الإعلام "تطحن" ما يصبّ فيها وليس العكس. وللجميع حالياً مصلحة عاجلة وملحّة في هذه الهدنة، لأن الخوف هو السيد الكبير لدى جميع اللبنانيين. فقد فعل الاحتقان فعله ولم يعد اللبنانيون يسألون هل ستقع الواقعة، وإنما متى وكيف؟. ولعلّ اخراج اللبنانيين من حالة الخوف أصبح العملية الأكثر إلحاحاً، لأن الخوف يشلُّ التفكير والحركة ويجعل كل ردة فعل، مهما كانت قاتلة، عملاً مشروعاً مع أنها تقتل.
وطاولة التشاور التي أبدع "الأستاذ" في طرحها وفي لمّ الشمل حولها، هي المقدمة الطبيعية للتحاور. وأول خطوة على طريق عودة الحوار هي في إعادة بناء جسور الثقة.
وهذه المهمة تتطلب سرعة في التخطيط والتنفيذ، لأن استمرار انقطاع هذه الجسور يقود حتماً الى مزيد من تخندق كل طرف في مواقعه بانتظار المواجهة الكبرى، حيث تتحول الحرب الباردة القائمة الآن الى حرب لن يخرج منها منتصر مهما بالغ في استعراض قوته وقواه بدءاً من الداخل وصولاً الى الخارج.
الخوفان السياسي والاقتصادي
وأمام هذا الوضع الملحّ، من الطبيعي جداً أن يبدأ التشاور من جانب كل طرف من موقع المتمكن والمتشدد، لأن التفاوض لا يعود تفاوضاً اذا ما سلّم أي طرف لطرف آخر بالتفاوض من حيث يقف.
ولا شك في أن النائب سعد الحريري عرف كيف يؤكد ثوابت مواقف قوى 14 آذار مع ترك الأبواب مفتوحة أمام الحوار. وهو بتأكيده للثابت الكبير، وهو عدم التسليم لـ"حزب الله" أو لغيره بالثلث المعطّل أو الضامن، أبقى على صك الضمان بيد قوى 14 آذار، من جهة، ومن خلال تأكيده عدم طرح سلاح المقاومة على المناقشة، أعطى الحزب صك ضمان يطمئنه مستقبلاً، مهما كانت المكابرة حالياً بأن موضوع السلاح هو خارج البحث بقوة هذا السلاح، من جهة اخرى. فالضمانة الأولى والأساسية للمقاومة هو الاتفاق والتوافق اللبناني، عبر التفاهم والتفهم بعيداً عن الاستقواء والانفراد.
والثابت الثاني والمتداخل بقوة مع ثابت الثلث المعطّل هو قانون انشاء المحكمة الدولية. فهذه القضية تتشابك المواقف الداخلية منها مع المواقف الاقليمية والدولية. لكن يجب أن لا ينتج هذا التشابك أي محاولة باسم القانون، وهي غير قانونية، للالتفاف على انشاء المحكمة، لأن ظهور الحقيقة أصبح متداخلاً مع عملية بناء لبنان السيد الحر والمستقل.
واذا كان الخوف من الانفجار يسود اللبنانيين، فإن الخوف الأكبر هو أن الوضع الاقتصادي في لبنان وصل الى "الخط الأحمر" الذي اذا كُسر انكسر ظهر لبنان. فالأمن الاقتصادي من الأمن السياسي والعكس صحيح، وما الفائدة من وضع اليد على السلطة، سواء بالانقلاب عليها، أو بسد الطرق على الحكومة لاسقاطها، اذا كان ما سيجري الاستيلاء عليه بركاناً اقتصادياً متفجراً تخلخل حممه كل المناطق والشرائح الاجتماعية؟ ذلك ان لبنان وباعتراف الجميع "بحاجة الى خمسة مليارات دولار من الهبات لتخطي مخاطر العامين 2006 و2007"، وليس كما كان الوضع مع باريس ­ 1 وباريس ­ 2 لسد الثغرات والتمهيد لحركة نمو ناشطة. وأمام هذا الوضع فإن مسؤولية اعاقة انعقاد باريس ­ 3، مهما كانت شرعية أو مشروعة، تعني غرز خنجر مسموم في ظهر كل اللبنانيين.
وحدة اللبنانيين
ولأن أي طرف لبناني يسمع نبض اللبنانيين ويعمل على وقع هذا النبض، يكون محكوماً برسم حدود وطنية لحركته، فإنه مجبر على تقديم الأهم على المهم. والأهم حالياً هو العثور على صيغة تبعد لبنان عن حافة الهاوية، مهما بدا الثمن مرتفعاً. وأمام هذه المهمة تتساوى جميع الأطراف والقوى. ولكن لا شك في ان مسؤولية "حزب الله" كبيرة، لأن استمرار لبنان موحداً يحمي ظهر المقاومة، حتى ولو تفاوت التزام هذه القوى بها. واذا كان الانتصار في حرب 12 تموز تاريخياً، فإن أهم افرازاته ونتائجه كانت في اتحاد اللبنانيين خلال الحرب، فإسرائيل أصبحت عدواً لجميع اللبنانيين. في حين أن أهم افرازات حركة 14 آذار التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري هي ان جميع اللبنانيين ارادوا خروج سوريا من لبنان. ولذلك فإن أي صدام جديد قد يقود الى كسر هذه الايجابية التي منها يولد لبنان الجديد.
طبعاً مشكلة لبنان، أنه عقدة القطع والوصل لكل مشكلات المنطقة، من العراق الى الجولان مروراً بغزة الذبيحة.
وفي هذه "العقدة" يبدو جلياً ان كل الأطراف في حاجة بعضها الى بعض، سواء الخارجية منها أو المحلية. فحاجة "حزب الله" لإيران لا تقل عن حاجة ايران للحزب. وحاجة دمشق لطهران لا تقل عن حاجة الأخيرة لها. وأخيراً وليس آخراً فإن كل دولة عربية معنية بلبنان وبأمنه واستقراره في حاجة للبنان كما هي حاجة اللبنانيين لدعم كل واحدة منها له على جميع الأصعدة، وفي شكل خاص على صعيد استقلاله وسيادته وحريته.
ولعل الانجاز الكبير للرئيس فؤاد السنيورة، خلال حرب الثلاثة وثلاثين يوماً، انه نجح وهو في وسط هذا التشابك من الحاجات المتبادلة، في استقدام البحث حول لبنان الى بيروت وحصر القرارات في النقاط السبع بعد أن كان قرار اللبنانيين في كل العواصم إلا في عاصمتهم وحول كل الملفات إلا ملفهم الأصلي. وربما لأن السنيورة حقق هذا النجاح يريد البعض ازاحته تحت مختلف الحجج، مع أن الحجة الفعلية هي لشطب هذا التحول وجعله حركة يتيمة جرت في ظلال الحرب.
حرب 12 تشرين الثاني يجب ألاّ تقع ولن تقع، لأن لا رابح فيها، والخاسر الكبير فيها من يعتقد انه سيكون الرابح الكبير. ومهما كانت ظلال تشكل حرب اقليمية جديدة قائمة، تبدو مظاهرها في حكومة الحرب الاسرائيلية الجديدة مع انضمام ليبرمان اليها، فإن ذلك يجب أن يدفع مختلف القوى وفي مقدمتها "حزب الله" لإبعاد شبح الحرب وأهوالها عن لبنان. وأول خطوة هي في إخراج لبنان من حالة الخوف، وبالتضامن والتكافل مع كافة القوى الوطنية اللبنانية. واذا كان التضامن واجباً وطنياً في حال وقوع هذه الحرب الاقليمية، فإنه يجب عدم ربط السلام الداخلي في لبنان باحتمالات قد تقع وقد لا تقع، لأن شلل لبنان لا يفيد أحداً في دمشق أو طهران في حالتي الحرب والسلام على السواء، في حين ان اللبنانيين سيكونون هم الخاسرين في جميع الحالات.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00