استقال وزراء "حزب الله" و"حركة أمل" الخمسة، زائد وزير الرئيس إميل لحود من الحكومة، وأقرّت مسودة اتفاق المحكمة في جلسة دُستورية قراراتها شرعية، مهما أراد بعضهم تعليقها على حبل التوافق الطائفي على أمل تحويله الى "حبل مشنقة" تخنق شرعيته لتلغيه.
والآن، مهما كابرت بعض قوى المعارضة، فإن واقعاً جديداً قد قام، وطبيعيٌ جداً ان المفاوضات أو المشاورات يجب أن تبدأ انطلاقاً من واقع هذه المحصلة ـ النتيجة وذلك على غرار ما قالت به طهران بعد اعلانها نجاحها بتخصيب الأورانيوم "بأن المفاوضات يجب أن تبدأ من هذه النتيجة وليس على ما قبلها".
وحتى لو بدا في هذا الواقع الجديد، نوع من الأمر المفروض، فإن تغييره أو رفضه أو العمل لنسفه، يتحول مشروع مواجهة مكشوفة وأيضاً في اطار القراءة نفسها للحدث الإيراني تحضيراً لحرب شاملة. فمَن هو الطرف المستعد للدخول في مغامرة كهذه، ذلك انه حتى في حالة إيران تبدو الولايات المتحدة مترددة وحتى مستنكفة نتيجة لقراءتها لخريطة الوضع بواقعية شديدة تتميز بها البراغماتية الأميركية فكيف اذا في حالة لبنان حيث المواجهة لا تعني حسماً للأمور سوى لمحصلة أخيرة وهي نهاية لبنان.
قراءتان ونتيجتان
قراءتان للوضع اللبناني، سائدتان بين مختلف القوى. قراءة متفائلة على حذر شديد، وثانية متشائمة جداً مفتوحة على مخاطر غير محدودة.
القراءة الأولى تقول، ان "حزب الله" وحركة "أمل"، لا يرفضان المحكمة الدولية، لكنهما يخافان إما من توسيع دائرة الملاحقات لتصل الى الثمانينات فتطال حزب الله وبعض قياداته وهو مرفوض حكماً. وإما التزام أحكام التحالف الاستراتيجي برغم التباينات التكتيكية مع دمشق ويريدان مع الرئيس إميل لحود حماية النظام في دمشق.
وهذه المخاوف الشرعية أو الطبيعية، لم يعد لها من مكان بعد التأكيدات بأن مسؤولية المحكمة تبدأ مع محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة حتى اغتيال الشهيد جبران التويني، وبذلك فإن "مسودة القانون" قدمت الضمانة المطلوبة وبذلك سقطت تحفظات حزب الله اذا كانت فقط معلقة على هذا البند. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن اقرار بند الحصانة وعدم ملاحقة الرؤساء وتحديداً الرئيس بشار الأسد في حال ظهور قرائن وأدلة على دور ما له في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يلغي أيضاً هذا التحفظ.
واذا ما سُلم بهذه القراءة فإن مستكملاتها تكون الأخذ بأن "الاستقالة" التي وصفت بـ"الطلاق" يمكن العودة عنها كما يجري في هذه الحالة وذلك في الاطار الشرعي. خصوصاً اذا كانت العائلة، أو قياساً، "الوطن"، هما الضحية الأولى لمفاعيل هذا الطلاق. وبناء على ذلك، فإن الاعلان الذي يمكن العودة عنه خصوصاً وان الطرف الآخر رفضه ويرفضه مهما كانت المغريات كبيرة، يبعد لبنان من أمام حافة الهاوية. ولدى الرئيس نبيه بري من التجربة والخبرة والقدرة زائد كلمة السر الحقيقية التي سيحملها من طهران ما يكفي لتحقيق "المصالحة الزوجية". ومما يسمح بتعزيز هذا الرأي أن اقرار المسودة في ظل غياب وزراء الشيعة، يعفي الحزب والحركة من "المساءلة أمام حليفهما الكبير في دمشق".
القراءة المتشائمة تقول، إن "حزب الله" تحديداً يريد الذهاب الى آخر مدى في استثمار "النصر الالهي" الذي حصله في حرب 12تموز، يساعده في ذلك "هطول النصر" على المنطقة كما ترى طهران. وان عملية هذا الاستثمار في الداخل تقوم على قلب الأكثرية على طريق تسلم الأقلية السلطة بفعل حق الفيتو للثلث المعطل، وأما بتعجيل تغيير تركيبة السلطتين التنفيذية والتشريعية فوراً. وهذا يمكن أن ينجز بإجراء انتخابات مبكرة تنتج مجلساً جديداً تكون الكلمة الأخيرة فيه لحزب الله. ومن الطبيعي وضمن الاجراءات الدستورية العادية ان ينتخب المجلس الجديد رئيساً للجمهورية تتمركز فيه كل موازين القوى المتشكلة حديثاً.
وبهذا تعود دمشق الى لبنان من بوابة بعبدا، ولكن والأخطر والأهم من كل ذلك ان "حزب الله" سيمسك مع حلفائه وبخاصة العماد ميشال عون بالرئاسات الثلاث مباشرة أو مداورة وهي رئاسة الجمهورية، ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة واستتباعاً لذلك طبيعة توزيع الحقائب على أعضاء الحكومة المشكّلة، والسؤال الكبير هنا: هل يقبل المجتمع الدولي بسلطة لبنانية عمودها الفقري حزب الله فيكون وضع لبنان على مثال غزة ـ حماس أي رفع المظلة الشرعية الدولية عنه بكل مفاعيلها التي ذاق الفلسطينيون علقمها.
واذا كانت الطموحات مشروعة والأحلام ممكنة، فإن أعظم الطموحات تتكسر في لحظة معينة على صخور الواقع، وأن أجمل الأحلام تتبدد عادة مع أول شعاع لشمس الصباح. فالأكثرية وان كانت أبدت خلال المرحلة الماضية الكثير من المرونة وارتكبت العديد من الأخطاء ولم تظهر امتلاكها لمشروع أو رؤية متكاملة غير القول بالاستقلال والحرية والسيادة، فإنها لن تقدم رأسها "هدية" لأقلية انقلابية.
كما ان اجراء انتخابات تشريعية مبكرة يوجب أن يكون قانون الانتخابات قد تمّ إعداده وإقراره. الا اذا كانت هذه الأقلية مستعدة للذهاب بعيداً عبر الأخذ بقانون العام 2000 وهو كما يعترف بعض أركان هذه المعارضة "أمر معيب". وأما العمل لاقرار قانون جديد والمجلس الحالي هو الذي سيقره بكل موازين القوى المعروفة لصالح الأكثرية وقوى 14 آذار. ومهما كانت هذه الأكثرية مثالية فإن من واجبها العمل لتشريع قانون يكون في أساسه على قياسها وبهذا فإن نتائج الانتخابات قد تتغير في هذه الدائرة أو تلك لكن موازين القوى لن تتبدل خاصة وان الشحن الطائفي والمذهبي كفيل أيضاً في ترجيح هذه النتائج المتوقعة.
اذاً هذا الطموح ليس واقعياً، ولذلك اعترف وزير الداخلية السابق سليمان فرنجية "بأن استقالة نواب المعارضة لن تؤدي الى فرط المجلس، والانتخابات الفرعية ستكبر حِصة الأكثرية" وبذلك يفرط مشروع الانتخابات المبكرة. وأما مسألة المطالبة بالثلث المعطل فإنه كما يقول فرنجية نفسه "لم يعد يفي بالحاجة".
والسؤال، ما البديل أمام هذا المأزق الكبير؟
الجواب بسيط إما التهدئة والعودة الى أصول اللعبة الديموقراطية وقبول الأكثرية حتى لو كانت على صوت واحد حتى المواعيد الدستورية للاستحقاقات المقبلة وأولها رئاسة الجمهورية. وإما الانتقال الى الشارع ووضع لبنان عارياً أمام كل المخاطر المفتوحة مهما بدا الكلام الكبير عن القدرة على ضبط الشارع حضارياً فالاحتقان والخوف ينزعان صمام الأمان مهما بلغ تصميم الارادات الطيبة على تجنب مفاعيل الاحتكام الى الشارع، خصوصاً في ظل أجواء "العرقنة" السائدة ومشاريع الفيدرالية الخارجة من تحت الرماد.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.