8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

المعلّم سأل بيكر عن الثمن ولندن أبلغت دمشق أن نفوذها تحت "الاختبار"

نجح تشدّد دمشق وبالتحالف مع طهران وحركة "حماس" في فلسطين و"حزب الله" في لبنان من جهة، والتحولات الانقلابية نتيجة للحرب في العراق في كل من واشنطن ولندن من جهة ثانية، في قلب المعادلة. والنتيجة الأولى لهذه العملية عودة دمشق الى "الانخراط" في مسار دولي تأمل قطف "ثماره" في كل زاوية وضعت فيها اصبعاً لها.
أمام هذا التحوّل، من حق دمشق أن تضحك وأن تعطي دروساً في الصمود والتصدي من دون الدخول في تفاصيل الوسائل التي كانت وما زالت خارجة من المحكمة السوداء الأبدية "الغاية تبرّر الوسيلة". ولأن تشدّدها نجح في فك عزلتها، والكفّ عن توجيه الدروس لها "بضرورة تحسين سلوكها"، فإن دمشق ستتابع سياستها، لا بل ستعمل على رفع حرارة تشدّدها لتحقيق مزيد من المكاسب. "فالتاجر الدمشقي" قادر على "مقايضة" كل شيء، مادام يخدم "تجارته" ويعود عليه بالربح، علماً أن خسارته دائماً محدودة لأنه يراهن من "كيس غيره". ولعل لبنان هو أفضل مثال لهذه السياسة.
الصبر وممرات الموت
ولا شك في ان ضحكة وزير الخارجية السوري وليد المعلّم في بغداد "الطنانة والرنانة"، ليست سوى اشعار علني، بأن الصبر أثمر وقد حان قطاف ثماره، مع ان كل بغدادي وكل عراقي يعرف ان "ممرات الموت" على الحدود السورية ­ العراقية، قد دفع ثمنها من دمائه تحت شعار المقاومة حتى عندما اقترب الوضع من حافة الحرب الأهلية الشاملة، أصبح ملحاً على دمشق التعاون لوأد هذه "النار الدموية" التي لا تعرف حدوداً خاصة عندما تكون الدائرة المفتوحة هي العراق "قلب" المنطقة.
وواشنطن التي تعاملت طويلاً مع دمشق تعرف "عشق" الأخيرة للبيع والشراء وفي الوقت نفسه التزامها أي اتفاق. "فكلمة التاجر الدمشقي كلمة" والدليل هدوء الموت السريري الذي يعيشه الجولان منذ الاتفاق الذي جرى تحت رعاية هنري كسينجر الذي لا يزال له حضوره وكلمته في السياسة الخارجية الأميركية. لذلك، واستناداً الى المصادر السورية، فإن جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق ورئيس "لجنة بيكر هاملتون" سأل وليد المعلم عندما التقاه، وبصراحة "الكاوبوي الأميركي": ما هو الثمن الذي تطالبون به بديلاً لانخراطكم في الجهد للمساعدة في العراق؟.
ولأن القاعدة الأولى التي وضعها الرئيس الراحل بورقيبة هي "خذ وطالب"، هي القاعدة الذهبية لدمشق، فإن المعلّم سأل، وبيكر أجاب عن الملفات التي يمكن لدمشق البحث حولها الى جانب العراق وهي:
الوضع الفلسطيني والدفع في اتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية.
تسهيل عملية تبادل الأسرى مع الجندي الأسير جلعاد شليط.
عملية السلام.
لبنان وتنفيذ القرار 1701 ودعم حكومة الرئيس فواد السنيورة
ايران ودورها في المنطقة، علماً أن ملاحظة بيكر كانت أن المصالح السورية ­ الايرانية في هذا الملف غير متطابقة لأن الحرب الأهلية لا تنسجم مع مصالح دمشق.
التعاون في الحرب ضد الارهاب.
التنازلات والمصالح
ودوماً في الاطار نفسه، وعلى قاعدة قديمة ­ جديدة، فإن دمشق "أبدت استعدادها لتقديم تنازلات في القضايا التي تخدم مصالحها". ولهذا فإنها مستعدة للتعاون في فلسطين لعل ذلك يدفع باتجاه تشكل مسار جديد لحل مشاكل الشرق الأوسط. وبالنسبة للتعاون في الحرب ضد الارهاب، فإن دمشق التي اعتمدت مؤخراً تقديم "الهدايا" للزوار من الأجهزة الأمنية أكدت متابعتها لهذه السياسة.
عقدة العقد هي لبنان، ومركز العقد هو "المحكمة الدولية". فدمشق لا تريد السماع بهذه المحكمة تحت بند ان "الهدف من اقامتها ليس كشف الحقيقة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانما تسييسها لتبقى سيفاً مصلتاً فوق رأسها. وقد سمعت دمشق ما يجب أن تسمعه بوضوح ودائماً استناداً الى الأنباء المسرّبة من دمشق. فقد قال نايجل شاويدر، مبعوث طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني للمسؤولين السوريين: ما يحصل عليه براميرتز من أدلّة سيقدمها للمحكمة. واذا كانت هناك أدلة كافية لتشكيل المحكمة فإنها ستحصل". وقد اكتفت دمشق بالتأكيد على "العمل مع أصدقائها للحفاظ على الاستقرار والوحدة الوطنية في لبنان".
المرحلة المقبلة وهي بالأسابيع، لأن "جنرال الوقت" في نهاياته. هي مرحلة اختبار متبادلة: الغرب وتحديداً بريطانيا الشريكة الفعلية للولايات المتحدة الأميركية، ستختبر حجم وحقيقة نوايا دمشق في الملفات المطروحة والمطلوب فيها تعاونها، ودمشق ستختبر بدورها النيات الأميركية ­ الأوروبية نحوها. ولذلك فإن دمشق ستكون تحت المتابعة والملاحقة بدقة في كل ملف من الملفات الأربعة التي بحثت.
ويبقى لبنان هو المحور لأن دمشق أشارت أمام شاويدر بوضوح الى ان "الوضع معقد في لبنان".
المهم في كل هذا الموقف المسرّب من دمشق نفسها اعترافها العلني بأن أبلغت بوضوح "أن دولاً عديدة ستحمّل سوريا مسؤولية أي مشكلة في لبنان بصرف النظر عن مدى صحة ذلك".
التمدد السوري وطموح البناء
لبنان في خطر. ودمشق تعرف جيداً كيف تتمدد وبخاصة أن لها حلفاء أوفياء وأعواناً مطيعين. وتاريخ الحرب الأهلية وكيف عادت دمشق الى بيروت عبر الاقتتال الداخلي في 6 شباط 1984 وغيره أكبر مثال على ذلك. فدمشق تريد العودة الى لبنان وأولى خطوة لها هي ضرب مشروع المحكمة الدولية ­ وحرام أن يشارك أي طرف في هذه العملية مهما كانت المسميات والدعاوى حتى لا يأتي يوم وتعود فيه أيام عنجر والبوريفاج وربما أخطر وأوجع مما مضى، لأن هذه العودة ستكون في ظل عدم معاقبة قتلة الحريري ورفاقه كائناً من كانوا.
أما اللبنانيون الذين ينظرون الى أمنهم الاقتصادي وهو يحترق لتغرق سفينته تحت خمسة في المئة في العام المقبل اذا استمر الوضع على حاله فكيف اذا تدهور، فإنهم لا يريدون أكثر من الأمن والطمأنينة. وهو ما سمعه السيد حسن نصرالله من أحد المتضررين الذين اجتمعوا به اخيراً. فقد قال هذا بصوت عالٍ "سماحة السيّد تعرفني حق المعرفة وأعرفك حق المعرفة، نتمنى عليك أن تنزلَ الى الشارع لتستمزجوا آراء الناس الذين تهدمت بيوتهم وتشردت عائلاتهم. هناك فئة لا يهمها مصلحة البلد، ولا مصلحة الحزب. هناك غوغائيون والناس تنتظر منكم مبادرة خير ومحبة حتى يعودوا الى بيوتهم آمنين مطمئنين. والسلام!".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00