اللبنانيون قلقون على حاضرهم ومستقبلهم. وخائفون على انفسهم ومن بعضهم البعض. الايام السبعون التي بدأ عدها العكسي مع انتهاء حرب 12 تموز في الرابع من آب الماضي، شهدت اعلى درجات الشحن للعواطف والغرائز، واوسع حركة لبناء الاسوار لمحاصرة العقول، وكل ذلك بما يكفي لانفجار براكين عدة في وقت واحد.
الآن، يبدو وكأن "ساعة العمل الثوري قد دقت"، فالى الشوارع والزواريب، حتى لا يبقى بيت الا ويدخله الخوف. ولا داعي لتهدئة الخواطر، لانها حالياً عملية فاشلة. فالقلق يزرع الحذر، والشكّ يقوقع ويقطع الاتصال بالآخر، والخوف يولّد الخوف، والسلاح يستجلب السلاح. فلا قدسيّة للسلاح متى تحول الى الداخل ارادياً او بقوة دفع الاحداث والاحتكاكات والتطورات.
الدخول في الحائط
ومن الظاهر للعيان حتى الآن ان الايام المقبلة، وهي بحدود الستين يوماً كحد ادنى، هي ايام صعبة جداً، الى درجة ان اليوم الآتي سيكون اصعب من اليوم الذي مضى. فالجميع اصبحوا معلقين فوق حافة الهاوية. واذا كانوا لا يريدون الاصطدام لانهم يعرفون ان المواجهة في الشارع الآن هي من نوع حرب الدمار الشامل، فانهم كما يبدو غير قادرين على التراجع بسرعة، لان احتمال دخولهم بالحائط الذي اقاموه خلفهم كبير جداً. فالساحات التي امتلأت في 8 و14 آذار كانت فارغة من التجييش المذهبي والطائفي.
ومهما اراد اللبنانيون النجاة بحاضرهم املاً منهم ببناء مستقبلهم الخاص الآمن والمستقر والمستقل، فإن وقوع لبنان بين حجري الرحى للمنطقة هو الذي يعوقهم ويأسرهم ويعرضهم للطحن! والاسوأ من كل ذلك ان "الطحان السوري"، قادر ومستعد وراغب في تشغيل "المطحنة" بكل ما يمتلكه من ارادة وخبرة وامكانات مخفية وعلنية.
هذه السوداوية، هي الطبق اليومي حالياً للبنانيين، والذين غير غارقين في اليوميات الصغيرة للسياسة المليئة حتى التخمة بالتصريحات والتصريحات المضادة، وينظرون خارجاً، يرون بوضوح "ان حالة الاشتباك بين الجمهورية الاسلامية في ايران ومَنْ تحت "عباءتها"، والولايات المتحدة الاميركية وصلت الى الذروة". فالمفاوضات حامية ومن الطبيعي والواجب ان يعمل كل طرف على تعزيز موقعه التفاوضي على مساحة المنطقة، والأصح على مساحة "الهلال" الممتد من افغانستان الى ضفاف البحر المتوسط في غزة ولبنان.
"الجائزة الكبرى"
ولأن "الجائزة الكبرى" هي الموقع والدور، فإن التصعيد الشامل وهو مرئي ومسموع في افغانستان والعراق وغزة ولبنان. فالايرانيون اصبحوا مطمئنين، كما تشدد مصادرهم المطلعة، على "تشريع" امتلاكهم للطاقة النووية المدنية، وان المفاوضات في هذا الملف حالياً تنحصر تقريباً حول موقع اراك لانتاج المياه الثقيلة التي تشكل الخطوة المباشرة لانتاج السلاح النووي". واستناداً الى المصادر نفسها فإن واشنطن ومعها اوروبا لن يتراجعوا عن مطلبهم بتفكيك هذا الموقع لانه الضمانة الحقيقية ولو لسنوات لعدم انتاج الايرانيين للسلاح النووي". وتضيف المصادر نفسها ان المسؤولين الايرانيين مغتبطون لهذه النتيجة النهائية متى وقّع عليها الاطراف جميعهم، لان معمل اراك بني لاستخدامه كحد اقصى في المفاوضات ويكون التنازل عنه مقدمة للحصول على المطالب المحددة سابقاً. ولذلك فإن المفاوضات الحقيقية متى خرجت الى العلن، لانها عملياً بدأت مع تحريك جميع "المفاصل" الفاعلة والمؤثرة في الملفات، هي حول "الدور الاقليمي لايران والذي تريده دوراً كبيراً يحولها الى قوة متوسطة تفتح امامها ابواب الشراكة في العقد المقبل مع القوى العظمى العائدة بعد انتهاء عصر الاحادية الاميركية، مثل روسيا والصين وحتى اوروبا".
وبعيداً عن الطموحات والمشاريع المضادة، فالتصعيد الشامل الحاصل، يبدو في العراق اولاً حيث النحر اليومي للعراق والعراقيين في تصاعد مستمر على وقع دخول الايرانيين علناً على خط "الحل السياسي" الذي يقال منذ الآن ان احدى نتائجه ستكون "توكيل طهران بالعراق على المثال السوري في لبنان"، ولذلك فان واشنطن تحاول "بلع" هذا الحل وفي الوقت نفسه إقامة "إمارة طالبانية" في غرب العراق عبر التلويح بانسحاب سريع منه".
من افغانستان الى لبنان
وفي افغانستان حيث الكلام الاميركي عن الوضع يؤشر بأنها تحولت الى "جهادستان" اي "ارض الجهاد"، يلمّح الايرانيون علناً، بعدما تحركوا سراً، بأنهم قادرون على التفاهم مع "الطالبانيين" الجدد وخصوصاً ان لهم عوناً كبيراً في المهندس قلب الدين حكمتيار.
وفي غزة، وئد مشروع الحكومة الوطنية فور انتهاء مفاعيل استثمار اعلانه. فما لم يتم التفاهم عليه بين السلطة بقيادة الرئيس محمود عباس وحركة "حماس" هو على كل ما لا يتعلق بهما، اي ما هو مربوط بعيداً خارج غزة في واشنطن وطهران. ولعل صورة اللقاء بين علي لاريجاني المسؤول عن المفاوضات حول القوة النووية مع محمود الزهار وزير الخارجية في الحكومة الفلسطينية ما يؤشر بوضوح الى حقيقة ما يجري.
اما في لبنان، وهو بيت القصيد، ومهما كانت دعاوى الاستقلالية قائمة في كل القرارات، فإن حضور كل عواصم العالم، وخصوصاً واشنطن وطهران ودمشق في لبنان يلغيها. واذا كان المرشد في ايران آية الله علي خامنئي يريد إلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة واسرائيل في لبنان، فإن السيد حسن نصرالله يؤكد "ان لبنان سيكون جزءاً من الشرق الاوسط الذي نريده وليس الشرق الاوسط الذي يريده جورج بوش". ورغم مشروعية هذا الهدف فان معناه حكماً فتح المواجهة على مصراعيها. وفي النهاية فإن لبنان واللبنانيين هم "كبش المحرقة" ان لم يكن من دمائهم، فعلى الاقل في لقمة عيشهم حاضراً ونمو اقتصادهم مستقبلاً. هذا في وقت لا يشعر فيه "حزب الله" بوقع هذه الازمة الاقتصادية طالما ان "النصر الالهي"، يهطل عليه مزيداً من "المال الحلال"!.
حتى الآن لم تقفل ابواب الحل امام لبنان، الخطر كل الخطر ان يأتي هذا الحل وقد اصبح الوطن "حقيبة للسفر" لدى اللبنانيين الذين لا يريدون ان يُطحنوا من دون ارادتهم ولغير مصالحهم، وهم على الارجح الاكثرية المطلقة!.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.