8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"حزب الله" أثبت جدارته عسكرياً ويؤكد يومياً عجزه سياسياً ولذلك يزداد مأزقه حدّة

لم يشكك أحد يوماً بقدرة "حزب الله" على تجييش جماهيره وتسييرها الى الساحة التي يريد، من ساحة رياض الصلح الى "ساحة" الجنوب. كذلك لم يشكك أحد يوماً أن حلفاءه ليس لديهم ما يملكونه سوى السير تحت عباءته معتبرين أنفسهم رقماً، وهم الى جانبه مجرّد تلاوين ضرورية للصورة.
هذه القدرة ربما تكون تاريخية في لبنان، الى درجة أنها قد لا تتكرر، خصوصاً أن زمن الأحزاب الشمولية الى زوال مهما طالت هذه الفترة الانتقالية في مسار التحول من عصر الآحادية الى زمن التعددية. وكان يمكن لهذه القوة الشعبية الاستثنائية من حيث تشكلها، ظروفاً ومناخاً وحضوراً واندفاعاً، أن تكون قوة دفع لبناء لبنان سيّد حرّ ومستقل بعيد عن كل الوصايات والمداخلات والتدخلات. لكن "حزب الله" وبسبب تكوينه وتركيبته الفكرية والتزامه الديني والفكري بالولاية المطلقة، نجح في مكان وفشل في مكان آخر. فالحزب عندما تعامل كمقاومة حقّق نصراً مهماً ضد العدو الاسرائيلي في الجنوب، دفع بالأزهريين الى رفع صور السيّد حسن نصرالله لابساً العمامة السوداء بكل معانيها ورمزيتها الشيعية.
الشعارات والمأزق
لكن "حزب الله" نفسه لم يستطع أن يحقق النجاح ذاته في البقاع، وخصوصاً في بعلبك ـ الهرمل، رغم ان هذه المنطقة كانت وما زالت تشكل الخزان الاحتياطي الذي يمدّه بالمقاتلين والشهداء. وهذا الفشل يعود الى تعامله مع منطقة بعلبك ـ الهرمل بمنطق انقلابي. فهو سعى وعمل خارج التركيبة الاجتماعية العشائرية ـ القبلية إما نتيجة لإرادة انقلابية أو لغياب استيعاب عميق لمدى امتداد جذور هذه الشجرة العشائرية ـ العائلية في أرض البقاع. وقد أنتج ذلك مزيداً من التخلّف الاقتصادي والتنموي يكفي اختصاره بأن الطريق الذي يصل المنطقة ببيروت وحمص اسمها "طريق الموت".
الآن وبعد هذه التظاهرة الشعبية، وبعيداً عن خطط "حزب الله" والقوى والأحزاب التي تسمع وتنفذ ارادته مهما كانت ايحاءات الاستقلالية التي يبديها العماد ميشال عون رغم أنه كان وما زال أسير حلمه بالعودة مظفراً الى بعبدا، فالسؤال الكبير أمام الحزب هو ماذا بعد؟.
من الواضح أن الحزب يزداد يوماً بعد يوم تمسكاً بالشعارات والمطالب التي رفعها، وتماثله قوى 14 آذار في هذا التمسك بشعاراتها، حتى أصبح لدى الطرفين استراتيجية جامدة، وليس كما هو مفترض تكتيك مفتوح لمواجهة المتغيرات الميدانية.
وهذا "الأسر" هو الذي يضع الطرفين أمام الخيارات المستحيلة. فالحزب يريد اسقاط حكومة الرئيس فواد السنيورة وكأن ذلك سيحلّ كل مشاكله، وينتزعه من تعقيدات موافقته السابقة على القرار 1701 وسيتيح القدرة على ابعاد المحاسبة عن نظام دمشق شريكه والممسك "بوريد" تسليحه عبر الممرات الجبلية من الشمال الى حاصبيا.
بدورها فإن قوى 14 آذار ليس أمامها من حل سوى الوصول الى إقرار للمحكمة الدولية ليس فقط للمحاسبة بعد كشف الحقيقة، ولكن لأن هذه المحكمة هي لردع النظام السوري عن التدخل وحماية للديموقراطية. فهذه القوى تستذكر بأن "الردع السوري" لم يبدأ في عهد الوصاية وإنما قبله عندما تمّ خطف الأستاذ الراحل ميشال أبو جودة.
ما يجري الآن، يؤكد مرة أخرى أن "حزب الله" الذي تفوّق كمقاومة في الميدان العسكري، يتراجع يوماً بعد يوم في الميدان السياسي. فإذا كانت تضحيات المقاتلين ودماء الشهداء تحمي الحزب وتحصنه، فإن "زواريب" السياسة اللبنانية تربك وتحرف كل المسارات وتلغي كل القدسيات.
والمشكلة الكبرى التي يواجهها الحزب، وهو عليم بها، أنه لا يكفي تحركه الشعبي ولا دعم دمشق وحتى طهران له لاسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. فهذه الحكومة تتمتع حكماً بدعم نصف اللبنانيين حتى ولو جرى الأخذ بحسابات التظاهرات وتحريك الشوارع، والأخطر من ذلك أنه متى تحركت الشوارع في ظل الاحتقان المذهبي، يخرج "حزب الله" من "قدسية" المقاومة التي دفعت الأزهريين الى حمل صور السيد حسن نصرالله، ويدخله في مستنقع الفرز المذهبي الأسود والدموي.
كما أن هذه الحكومة تتمتع اليوم أكثر من الماضي بدعم عربي رسمي، تأكدت حيثياته بتحولات في المواقف عالية الصوت.
"باريس ­3" الضحية
كل ما يجري الآن هو "معركة عض أصابع". قوة الرئيس السنيورة وحكومته وقوى 14 آذار، أن ليس لديهم الكثير ليخسروه أكثر ما خسر لبنان حتى الآن. والوقائع والأرقام تؤكد ذلك وهي في مواجهة حزب الله مثله في ذلك مثل 14 آذار اذا كان حبّه للبنان يعادل شعاراته الجديدة حول "عروبة بيروت". والأخطار هي:
* أن الانضباط العالي لـ"أمن الحزب" الذاتي واضح الكفاءة. ولكن ماذا اذا طال زمن التظاهرات والاعتصامات بكل ما سيغلي فيها على نار التحولات والارادات الخارجية، سواء القادمة من دمشق أو الناتجة عن الارتفاع المطرد في درجة حرارة الاشتباك الايراني ـ الأميركي. ولا شك، وحزب الله يعرف أكثر من غيره، ان "الشارع" ليس قنبلة صوتية اذا ما انفجر بل هو فعلاً سلاح دمار شامل خاصة بوجود الاحتقان المذهبي والطائفي وإمكانية وقوف شوارع ضد الشوارع.
* أن مؤتمر باريس ـ 3، قد أصبح فعل ماضٍ مع نهاية العام 2006. ولذلك يجب انتظار العام 2007 لتحريك انعقاد المؤتمر علماً أن المحرك الأول للمؤتمر دولياً هو الرئيس جاك شيراك. والسؤال هل ستكون قوة الدفع في العام 2007 كافية لانعقاد المؤتمر، سواء لأن مشاغل شيراك ستكون مختلفة مع نهاية عهده وربما مع امكانية غرقه في حملة رئاسية جديدة؟ وكيف سيواجه حزب الله اللبنانيين أمام هذه الخسارة، خصوصاً أنه المسؤول الكبير عن خسارة الصيف الواعد، والآن فترة نهاية العام وأعيادها الثنائية (كان ايقاف التظاهرات قبل أيام من فترة الأعياد كافياً للفرح وحجز السياح، وأخيراً ليس آخراً فإن كل يوم اقفال على غرار أمس يعني خسارة الاقتصاد اللبناني أكثر من سبعين مليون دولار، بكل ما يعني ذلك من انعكاسات على سوق التعامل بالليرة اللبنانية والدولار والذي من نتائجه أن البنك المركزي اضطر للتدخل في شهر كانون الأول بأكثر من 430 مليون دولار.
* ان الجيش اللبناني اضطر لسحب نصف اللواء المدرع الى بيروت للمساهمة في اقرار الأمن، فماذا لو طال أمد التظاهرات، أو حصلت احتكاكات، فماذا سيفعل الجيش اللبناني؟، وهل ذلك يفيد "حزب الله" في الجنوب بوقوفه "عارياً" أمام قوة "اليونفيل"؟.
أمام طريق مسدود مثل الذي يقف لبنان أمامه لا يمكن التوصل الى حل ينقذ اللبنانيين إلا عبر تقديم التنازلات المتبادلة مع الحفاظ على الأساسيات، خصوصاً أن أي حل على هذا الأساس يعني للجميع مزيداً من الاستقلالية والسيادة والحرية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00