يرفض الرئيس إميل لحود أي حل للأزمة تكون بدايته اجراء انتخابات رئاسية مبكرة. الرئيس إميل لحود مصرّ على إكمال مدته الرئاسية الممدّدة قسراً حتى آخر لحظة. انه يرفض دخول التاريخ من باب اخراج لبنان من أمام حافة الهاوية، مفضلاً "التخندق" في قصر بعبدا، على أمل اكتمال التحول الانقلابي، ليسلّم بعبدا إلى خليفة له يكون على قياسه ونهجه، ولتكون قراراته الأولى وأد قانون المحكمة ذات الطابع الدولي تحت ألف حُجة وحُجة، مع أن الهدف واحد هو إطلاق الجنرالات الأربعة من السجن ليرافقوه ويطمئنوه بتقاعد هادئ ومطمئن.
لحود: لست بشارة الخوري
حين فوتح الرئيس لحود في عزّ المد الشعبي الذي انطلق بفعل حرارة دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وفور خروج الجيش السوري وقواه الأمنية للمرة الأولى ثم لمّا ألقي القبض على "جنرالاته" الأربعة، بأهمية مخاطبة اللبنانيين على مثال الرئيس بشارة الخوري "بأن دم لبنانيّ واحد أغلى عليه من الرئاسة"، أجاب: "لا أنا بشارة الخوري، ولا وليد جنبلاط كمال جنبلاط".
وهذه الشفافية في إجابة لحود تؤكد أمرين، مدى تعلقه بقصر بعبدا من جهة، وإدراكه الباطني بأنه لا يملك طاقة وقدرات رئيس للجمهورية على مثال أحد بناة الاستقلال البارزين. ذلك ان قراراً بحجم ترك الرئاسة طلباً للتاريخ وللحفاظ على دور تاريخي لا يمكن أن يتجسد في رئيس بحجم إميل لحود كل نجاحه ناتج من التسليم بدور دمشق الحاسم في كل ما يعني لبنان واللبنانيين.
أمام هذا الواقع المعروف، لا يمكن أن تكون بكركي قد فوجئت بقرار الرئيس لحود، حتى لو كانت باسم حق الموارنة في استعادة موقع الرئاسة كما يجب أن يكون لا كما هو حالياً فاقد للشرعية الدولية والعربية وحتى اللبنانية. ولا شك في ان اللبنانيين وخصوصاً الموارنة، يدركون اليوم أكثر من الماضي، كم أثّر "تخندق" الرئيس اميل لحود في بعبدا على حساب لبنان على هذا الموقع. ولا شك في ان استعادة الرئاسة لموقعها الخاص في النظام سيتطلب الكثير من الجهود والصدقية ولفترة طويلة.
"تخندق" اميل لحود في قصر بعبدا، يضيف الى "أزمة الشارع" مرارة لا يمكن بلعها، خصوصاً أن الكثير من مرارتها ليس نابعاً من العامل الشخصي فقط، بل من التداخل الحاصل بين بعض بيروت ودمشق. لكن يبدو وبعد الاعتصامات والخطابات النارية، لأقطاب المعارضة التي وصلت الى التخوين، قد أكدت من جديد أن حل الأزمة وسحب لبنان من أمام حافة الانهيار ضروري جداً. فالهاوية لن تبتلع طرفاً من دون الطرف الآخر، فهي واسعة وعميقة بحيث تتسع للجميع.
الى جانب ذلك، فإن مختلف الأطراف تعرف الآن، أنه لا يمكن فرض خط أحمر على طرف ثم سحبه لمصلحته أمام الآخرين. فما ينطبق على الرئاسة الأولى ينطبق على الرئاسة الثالثة.
ذلك انه مهما ظهرت قواعد الديموقراطية مزروعة في لبنان، فإن أحداً لا يمكنه تناسي ان النظام اللبناني نابع من التركيبة الخاصة للبنان، وهي يا للأسف تركيبة طائفية ومذهبية حادة أساسها التوازن ثم التوافق. ولذلك فإن أي "زحف" شعبي لا يمكن أن ينجح في لبنان على غرار أوكرانيا، ولو كان أضخم منه بمئات وآلاف المرات. فالهجوم على مقر رئاسة الوزراء ومجلس النواب لا يمكن ان يتم كما جرى في أوكرانيا. هناك قوى حزبية تصارعت في إطار أوكرانيا التي لا علاقة لنظامها بالطائفية والمذهبية، ومهما كابرت قوى تريد ان تكون الوريثة أو لا أحد، فإن الهجوم على مقر رئاسة مجلس الوزراء يعني في ما يعني فتح أبواب جهنم الحرب الأهلية، في ظل موقف عربي ودولي داعم ولا سابق له.
الاشتراكي الفرنسي وعون "الدمية"
ولعل اتهام الحزب الاشتراكي الفرنسي لـ"حزب الله" بالعمل لـ "إنقلاب زاحف" واتهام العماد ميشال عون بأنه "دمية وضعت في الواجهة لإضفاء مشروعية جديدة على التظاهرات"، يؤكد مرة اخرى أن سياسة فرنسا ليست "شخصانية"، وانها ذات نهج ومسار قائم على حسابات مرتبطة بمصالح فرنسا كدولة لها موقعها ودورها، كائناً من كان الرئيس الذي يقيم في قصر الاليزيه.
أمام هذا الواقع القائم على جملة استحالات وممنوعات نابعة من خصوصية لبنان وتركيبته الاجتماعية والسياسية والطائفية، وفي ظل تزايد الخسائر الاقتصادية المباشرة حيث بلغت نحو مليار دولار منذ بدء الاعتصام في ساحة رياض الصلح، ومهما كابر البعض ورأى أن ملياراً جديداً يضاف إلى ديون لبنان لن يغير شيئاً من الخلل، فإن الخطوة الأولى لنجاح حل أساسه تقديم كل الأطراف التنازلات المتبادلة، تبدو كأنها بدأت.
والخطوة الأولى، كان يجب أن تكون لبنانية وقد حصلت. ذلك أن "مبادرة" بكركي المتمثلة ببيان المطارنة الموارنة، قدمت "العمود الفقري" الذي يمكن أن يتشكل حوله جسم الحل. ومما يعزّز ذلك أن العرب الذين يرَوْن في خروج لبنان من أزمته هو الآن ضرورة وواجب لتوجيه ضربة في الصميم لمحاولات "العرقنة"، يعملون ايضاً لبناء هذا الحل. وبانتظار تبلور المبادرة لدى الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، فإنه يجب تخفيف الخوف والإكثار من الأمل. فالحل ليس غداً، لكن أجراسه بدأت تقرع على حذر. والدقة الأولى لهذا الجرس تكون في العودة إلى الحوار، الذي به يتم "تجاوز كل العراقيل دفاعاً عن استقلال لبنان".
وما هذا الحذر إلا لأن لدمشق دوراً وكلمة حاسمة. وهي كالعادة تريد قبض الثمن مقدماً. والثمن الذي تطالب به العمل لاتمام مصالحتها مع الرياض والقاهرة أولاً، ثم الحديث عن بقية المطالب ومنها العودة بطريقة أو بأخرى إلى لبنان الذي ارغمت على تركه، فلبنان حاجة اقتصادية ملحة لآلة نظامها إلى جانب ان وحدة المسار والمصير بين لبنان وسوريا تقوي موقعها في كل المساومات والمفاوضات. ولتقدير قسوة "تاجر دمشق" التي تزيد على قساوة قلب "تاجر البندقية"، فإن السفير السوري في واشنطن لا يتوانى عن تذكير الأميركيين، بأن عدم التعاون معهم في العراق يعني انتقال العراق من الكارثة إلى النكبة".
وإذا كان "خير" دمشق لبغداد وهي التي تبادلت معها العلاقات الديبلوماسية أمس، فماذا عن خيرها للبنان وهي التي حتى الآن لا تعترف به وطناً مستقلاً سيّداً وحراً.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.