8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

لبنان "مركز الحسم" لمعركة إيرانية ـ سورية ـ أميركية بدأت "تجيّش"

لبنان هو "مركز الحسم" لمعركة معقدة في تعددية أطرافها وغنى أهدافها. واللبنانيون على مختلف تلاوينهم السياسية وتوزيعهم الجغرافي والاجتماعي والديني، هم الوسيلة والغاية والهدف في وقت واحد، لكنهم ليسوا اللاعبين سوى بمصائرهم ولا الذين يفرضون اراداتهم. كل ما يمكنهم فعله، هو الصمود ولو على حافة الهاوية حتى يتبلور مسار الحسم.
ما يأتي به الغد لا يمكننا معرفته. وهذا الوضع أكثر من صحيح، خصوصاً أن ما يجري اليوم برغم "عجقة" الساحات وصخبها، وتكاثر الوفود ومحادثاتها، ليس سوى انعكاس لما يجري في عواصم "مثلث" المنطقة. فالطبخة وان لم تكن "طبخة بحص" الا انها لم تنضج بعد!
لا غالب ولا مغلوب
من البديهي القول إن اللبنانيين على مختلف أطرافهم يعيشون، كلٌّ على قدر حساباته وطموحاته وأهدافه، أزمة حقيقية. ولذا فإن هُتافات الانتصار أينما جاءت وممن جاءت، تبدو صخباً موجهاً عالياً لكن لا يبقى على الشاطئ منها حتى ولا الزبد. فالقاعدة الأبدية التي رافقت ولادة لبنان ما زالت هي هي، أي لا غالب ولا مغلوب. ومن الواضح حتى الآن، ان احدا لا يستطيع أن يلغيَ الطرف الآخر.
ولا أحد يمكنه فرض ارادته على الآخرين. فلبنان الأبدي السرمدي كما يتغنى به اللبنانيون "بيت من عدة منازل". ولذلك كله، لن يستقيل الرئيس فؤاد السنيورة لأن قائد المعارضة السيد حسن نصرالله الذي واجه الاسرائيليين عسكرياً فقاوم واستبسل وانتصر، لا يستطيع ان يغيّر رئيس الوزراء، فالمعادلات المذهبية تبدو حتى زمن آخر أبدية وسرمدية في لبنان.
والواقع أن أزمة "حزب الله" الكبيرة ليست في وجود حكومة الرئيس فؤاد السنيورة ولا في غيرها، بل في كشف الستار عن واقع وقف "حرب 12 تموز" ونتائجها. فالقرار 1701 الذي وافق عليه "حزب الله"، مهما كانت طبيعة المفاوضات ومن قام بها وكيف نفذها، قد أدت الى ما لم يكن يقبله بدون حرب، أي انتشار الجيش اللبناني ومعه ما يعادله من قوات "اليونيفيل" جنوب الليطاني وحتى "الخط الأزرق". ومهما كانت الحقيقة مرة ولها وقع شرب "كأس السم"، كما حصل مع الامام الخميني والحرب مع العراق، فإن انتشار الجيش و"اليونيفيل" ينتج يوماً بعد يوم" تفتيتا للأسس السياسية والايديولوجية التي يقوم تمسك حزب الله بها. وبهذا فإن وجوده المقاوم وهو "وجوده المتميز" في جنوب لبنان هو الذي تلقى الضربة الكبرى.
ولذلك فإن "حزب الله" ومهما كابر أمام جماهيره، وجعل من السرايا الحكومية هدفاً كبيراً له، فإن أزمته الحقيقية هي في كيفية التوفيق بين نتيجة قبوله بالقرار 1701 وافرازاته ووقائعه، ورفضه الضمني لها من جهة وشعوره بالعجز عن التغيير لأن ثمنه كبير جداً قد لا يمكنه تحمله. ذلك ان انسحاب قوات "اليونيفيل" (كما جرى الكلام عنه علناً) يعني مواجهة حتمية مع اسرائيل عاجلاً أم آجلاً، هذه المواجهة التي لا يمكن لأحد تحديد نتائجها على مستقبل لبنان خصوصاً انه اذا ما وقعت الواقعة وجرت المواجهة فإنها ستكون في ظل "الشرعية الدولية".
إيران وخطر "التجييش" العربي
بدورها فإن قوى 14 آذار وضعت كل ثقلها في "سلة" حكومة الرئيس السنيورة. ولذلك لن تقبل بتقديم تنازلات يكون تنفيذها بالتدريج أو حزمة واحدة هزيمة في حرب وليس في معركة ستتبعها معركة جديدة. ولذلك فإن لا شيء يتقدم على قرار المحكمة ذات الطابع الدولي، واستكمالها بحزمة من القرارات تبدأ بانتخابات رئاسية مبكرة.
المواقف والتطورات هي التي وضعت ظهر الفريقين على الحائط وفي وقت يقفان فيه معاً أمام حافة الانهيار في ظل خوف حقيقي من "نار العرقنة" التي تتصاعد حرارتها من حين لآخر ثم تخمد من دون أن تنطفئ.
بعد أزمة اللبنانيين، يأتي دور الأزمات الإقليمية والدولية. دمشق تريد استقرار لبنان وأمنه"، لكنها لا تريد المحكمة ذات الطابع الدولي ومهما كان ثمنها كبيراً لانه لا يمكن في أي حالة كما يقول المثل الانكليزي "ذكر الحبل في بيت مشنوق". وقد تأكد من ذلك جميع من دخل في وساطات أو مبادرات.
والرفض يأتي مباشرة أو بالواسطة وذلك بالتساؤل عن تفاصيل قانون المحكمة و"في التفاصيل يكمن الشيطان". وما لم تحصل دمشق على قرار بإلغاء مشروع المحكمة فإن الحل سيبقى كما يبدو معلقاً. علماً أن المجتمع الدولي قد يحسم الأمر، فيقررها استناداً إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة وعندئذٍ ستتغير كل المعادلات لتأخذ "الحرب مساراً جديداً. ولذلك قبل أن تقع الواقعة تريد دمشق إنجاز "المصالحة" مع الرياض والقاهرة على طريقتها مع أن الطريقة الصحيحة معروفة ومعلنة.
أما إيران التي تخوض معركة مستقبلها كله مع الولايات المتحدة الأميركية، فإنها توظف كل قواها وقدراتها وأوراقها بدراية وحنكة وحذر حتى الآن. لكن رياح "العرقنة" الصحراوية تكاد تقترب كثيراً من نقطة تعطيل الرؤية وبالتالي حرف المسار كله. ذلك انه كلما ازداد الحديث المدعوم بالوقائع عن تعمق النفوذ الإيراني في المنطقة واستثمار هذه الوضعية في كسب المواقع والأوراق في وجه واشنطن، وقع "تجييش" العرب ضد المشروع الإيراني وهذا "التجييش" يتم إما تحت اليافطة القومية القديمة، أي العروبة والفرس، أو المذهبية الشيعية ـ السنية. وخطورة هذه المواجهة التي تبدو في مسارها العام شبه محتومة، دفع بعض العرب رغم إرادتهم للسقوط أكثر فأكثر في أحضان الولايات المتحدة الأميركية.
ولن يكون هذا "السقوط" سوى من نوع "الدفاع المشروع عن النفس" مهما كان وقعه وعملية رفضه.
هذا هو "بيت العنكبوت" الذي لا بد أن الجميع في لبنان وفي المنطقة، يرونه، ويتابعون فيه حركة "العنكبوت الإسرائيلي" المتحفز للانقضاض وشل "فريسته". وكل ما تفعله هذه القوى التحذير من "المؤامرة". والحقيقة الأولى والأخيرة وسط هذا الصراخ، أن الوطن الذي نريده، ـ خصوصاً نحن اللبنانيين ـ "يقع في داخلنا، لكنه أيضاً يتبلور في أفعالنا".

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00