8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الاعتصام استنفد أغراضه وعمرو موسى و14 مسؤولاً دولياً يعملون لخروج لبنان من الأزمة

ممنوع على الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى "أن يفقد الأمل" لأنه "متى فقد الأمل بطل العمل" وانتهت مهمته الحالية، علماً أنه محكوم بالاستمرار في جولاته المكوكية داخل بيروت من جهة وبين العواصم العربية. ويبدو أن لدى موسى من الصبر الكثير هذه المرة، لكي يحقق بعض النجاح على طريق نزع صاعق الأزمة، حتى لا تنفجر وتقع كارثة عربية، خصوصاً وأن امكانية تحولها الى أزمة اقليمية شاملة دخلت في الحسابات العربية والدولية المعلنة.
والأمين العام عمرو موسى، يعرف من مسار جولاته ومحادثاته ان نجاحه ليس مستحيلاً، لكن بالتأكيد لن يكون بالضربة القاضية وانما بالنقاط، ولذلك تعمّد أن يرفع رصيده من خمسين بالمئة الى واحد وخمسين، وأن يضيف الى قاموس الواقعية السياسية تعبيراً جديداً يقع ضمن اطار موقفه هذا، فأشار الى انه انتقل من التشاؤل الى التفاؤم أي الميل أكثر باتجاه التفاؤل وذلك على أمل الانتقال نهائياً الى ضفة التفاؤل والحل.
الواقعية السياسية
وفي اطار هذه الواقعية السياسية التي دفعت موسى الى زيارة الرياض، فإنه انتقل الى دمشق للتباحث مع الرئيس السوري بشار الاسد العائد من موسكو ولقائه بـ"القيصر" بوتين، الذي قدم له "النصائح" الكاملة من اجل استقرار المنطقة. ومن الطبيعي ان يطلب موسى الحل للازمة في لبنان، لان دمشق التي خرجت بقواتها وأمنها اخذت معها "مفتاح" الاستقرار على امل حدوث متغيرات تسمح لها بالعودة الى دائرة القرار اللبناني الداخلي، حتى ولو بدون عنجر مصنعاً لهذا القرار.
واذا كان لبنان محكوماً بالبقاء "بيتاً بعدة منازل" طبقاً لنظامه الطائفي المعقد، فان موسى أعاد توصيف الصيغة اللبنانية انطلاقاً من تجربته ومن اقامته في رئاسة جامعة الدول العربية، فقد جعل لبنان "بناية من طوابق عدة.. منها طبقة لبنانية محلية واخرى عربية وثالثة اقليمية ورابعة دولية". ومن الطبيعي ان كل طابق محكوم بجيرانه الآخرين لا يمكن سوى التفاهم معهم او مع بعضهم طالما ان "العروس" المطلوب يدها هي دائماً في الطابق الاول. والمهم في هذا التنافس، الا يأتي وقت تسقط فيه "العروس" ضحية للتنافس، فتقع الخسارة على الجميع مهما بالغ جار او اكثر بأن الامر لا يعنيه الا من باب التحكم بباقي الابنية!.
وطالما ان "البيض" اللبناني حالياً في "سلة" موسى، فان الدعم العربي مطلوب بقوة حتى ينجح، ودائماً في الكلام من دائرة التقدير وليس التأكيد فان موسى ما كان ليتحرك لو كان قد تسلم قبل قيامه بهذه المهمة "شيكاً عربياً بلا رصيد". ولكن موسى مضطر اكثر فاكثر الى التعامل بحذر شديد مع هذا "الرصيد" بحيث لا يصرفه في غير وقته، ولا يتصرف فيه وكأنه "شيك على بياض"، فيأتي في مرحلة معينة ليجد نفسه يتكلم من رصيده الشخصي، الذي مهما كان غنياً وقوياً، فانه لا يكفي، فهو لا يملك في "البناية اللبنانية" اكثر من عنوان سكن في احد الطوابق الاربعة.
احترام كل الاستحقاقات
وأمام هذه القاعدة التي لا تسمح كثيراً بالمناورة فان الكلام عن استكمال الرئيس اميل لحود لاستحقاقه الرئاسي يبقى ناقصاً لو لم يتحدث موسى عن ضرورة احترام باقي الاستحقاقات والتي يجب ان يكون استحقاق مجلس النواب قد مرّ في تفكيره، بحيث ان مطالبة المعارضة بانتخابات مبكرة من دون انتخاب رئيس جديد ليس الا وضع العربة امام الحصان.
وحقيقة المشكلة، ان الوفاق مطلوب لاختيار رئيس للجمهورية، وهذا يعني ضمناً توافق الطوابق الاربعة اذا امكن او على الاقل ثلاثة طوابق من الاربعة. وما تريده المعارضة الآن من تسريع انتخاب مجلس نواب جديد يعود الى ثقتها التي لم تؤكدها الوقائع الميدانية بانها قادرة على قلب المعادلة والتحول من اقلية الى اكثرية وبالتالي انتخاب رئيس جمهورية جديد يعود لحلفائها اي السوري والايراني معاً حق الغلبة في اختياره بنسبة كبيرة. في حين اذا جرت الانتخابات الرئاسية حالياً، فان الرئيس الجديد سيكون في تكوينه المستقل ميالاً اكثر الى تلاوين 14 آذار. والواقع ان تعلق الرئيس اميل لحود الذي دائماً لا يريد شيئاً، بكرسي الرئاسة ولو على حساب الطائفة المارونية كلها قبل كل اللبنانيين لا يمنع انتخاب رئيس جديد. وقد برز هذا التوجه في صلب اعلان موسى عن استمرار لحود حتى نهاية ولايته عندما اشار الى امكانية التوافق على اسم الرئيس الجديد مع استمرار لحود في منصبه.
ما يؤشر الى احتمال موسى النجاح في مهمته الآن أو غداً بعد الأعياد، ان لبنان في قلب حاضنة دولية تعمل بقوة على ابعاده عن الانزلاق نحو النهاية في حرب أهلية لا ترحم، علماً أن لبنان ومعه كل اللبنانيين يجري قطع الأوكسجين عنهم يومياً ليفقدوا الأمل وليموتوا بالاختناق مثلما يحصل في القرى الباردة، عندما لا يبقى من النار سوى الفحم القاتل.
أعياد بلا هدايا
المعارضة تعرف أكثر من غيرها ان الاعتصام في وسط المدينة قد استنفذ أغراضه، وانها كما يعترف البعض منها وصلت الى حالة تجد نفسها فيها "مرغمة على الاستمرار في موقفها". فلا هي قادرة على الانسحاب من دون اسقاط الحكومة، ولا الحكومة ستقدم "رأسها" هدية لها بمناسبة الأعياد التي تنكرت لها أصلاً وساهمت في إفقار آلاف العائلات عن سابق تصور وتصميم وسوء تقدير لخياراتها المفتوحة على المجهول.
وحتى لو أخذ بمقولة الحاضنة الشعبية للمعارضة التي وإن اختلفت الاعداد المحشودة، فان للأكثرية حضورها الواسع كما ظهر في 14 آذار وفي تشييع النائب الشهيد بيار الجميل. ومما يؤكد دقة هذا التوازن، الحضور العربي المتكامل دولياً حيث زار لبنان خلال اسبوعين 14 موفداً أجنبياً بعضهم من أعلى المستويات في بلادهم.
هذا التوازن القائم يفرض من جديد تنفيذ معادلة "لا غالب ولا مغلوب"، والمسألة ان بعض المعارضة يرى في هذه القاعدة فشلاً له، وأن لعواصم أخرى وخاصة دمشق حسابات أخرى تقوم على أن "المحكمة الدولية لا تعنيها" فيما هي "أم القضايا" واقرارها بوابة الحلول للأغلبية المطلقة للبنانيين، والذي تجسد في استفتاء تبثه وسائل اعلامية للمعارضة نفسها.
مرة أخرى لن تحمل الأعياد للبنان واللبنانيين ولو "هدية" الاستقرار، ولذلك أمام لبنان مسار طويل يجب عبوره حتى يخرج من الأزمة الحالية. المهم أن تبقى الأزمة تحت السقف الحالي أي مظاهرات وحشود وشعارات من دون صدامات تضرب السلم الأهلي البارد وتحول الشارع الى شوارع.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00