هل بدأ رسم خطوط تماس جديدة لحرب أهلية قادمة؟.
البعض ومنهم من عاش ولعب دوراً في الحرب الأهلية السابقة يؤكد انه يشم رائحة البارود تتصاعد من الشوارع والمخابئ المنتشرة على مساحة لبنان. الجميع يتبرأ من هذه الحرب القاتلة ولكن مسار الأحداث يقود إلى الجحيم.
"حزب الله" الذي يملك ثلاثين ألف صاروخ وآلاف المقاتلين، يحلف بالثلاثة أن سلاحه لمقاومة العدو الصهيوني، والدليل انه لم يحمل السلاح مرة واحدة ضد الداخل. والواقع أنه إلى حد كبير صادق في قوله هذا إذا استثنينا بعض الأحداث المحدودة التي دفع إليها دفعاً، وفي النهاية خرج منها مثخناً بمرارة التجربة ودروسها الأساسية التي جعلته يصمّم على عدم تكرارها.
و"تيار المستقبل" يؤكد ومعه كل الوثائق التي تثبت صدقيته، أن سلاحه الوحيد هو الإعمار والعلم، وهو يتمنى قلباً وقالباً أن يبقى علمه الملون بألوان الإعمار والعلم مرفوعاً.
والقوى الأخرى التي حاربت وأنتجت "أمراءها" تؤكد ليلاً ونهاراً انخراطها في التجربة الديموقراطية شروطاً وقيوداً ومفاعيل ونتائج ملزمة لها وللآخرين من حلفائها.
حتى "الحزب السوري القومي الاجتماعي" الذي وقع في فخ فضح مصادرة سلاحه، أعلن براءته بالعودة إلى التزامه بالمقاومة في الثمانينات، أي أيام "المقاومة الحردانية" (نسبة إلى أسعد حردان)، علماً أن المهم والأكثر خطورة في هذا السلاح انه مصنوع في العام 2005 أو قبل ذلك بسنة أو أكثر، ومع ذلك تم العثور عليه في مخابئ تعود إلى الثمانينات. ومع ذلك، فإن "حزب الله" أمّ المقاومة وأباها ينجرف بحكم التحالف للدفاع عن حليفه وكأنه يعطي شرعية لهذا السلاح الذي انتفت وظيفته في المقاومة وبفعل القانون.
من يريد إذاً إشعال الحرب الأهلية؟.
الخوف والعجز
لا أحد. ومع ذلك فإن "قطار" الحرب الأهلية يسير بسرعة معقولة حتى الآن بحيث يمكن إيقافه في أيّ محطة وتعطيله، وهو لم يتحول إلى قطار سريع إن أوقفته قتل وإن أطلقته سقط في الهاوية.
والأسوأ من كل ذلك أن الخوف قد دخل قلوب جميع اللبنانيين، وهو يتسلل يومياً إلى عقولهم ويتمدّد إلى حواسهم ليشلهم ويحوّلهم فريسة سهلة للقادمين الحاملين للنار لقذفها على برميل البارود، ومع ذلك يتابعون التطورات وكأنها القدر المحتوم.
لماذا ينتحر اللبنانيون بوعي أو بلا وعي؟، لماذا يتركون للآخرين دفعهم إلى نار الحرب الأهلية ولا يستمعون إلى العقل؟، لماذا لا يفتحون بالأمل ثغرة في النفق ليخرجوا منه؟، كيف يرفعون في كل الساحات والشوارع العلم اللبناني، ثم عندما يدخلون بيوتهم، يقتاتون من يوميات الأحقاد ليصلبوا أكثر فأكثر؟.
93 في المئة من اللبنانيين كما أكدت وسيلة إعلامية للمعارضة، يريدون المحكمة ذات الطابع الدولي، ومع ذلك فإنه يتم يومياً العمل لوأد مشروع هذه المحكمة بكل الوسائل، ويتم يومياً تسريب مختلف الحجج للوصول إلى وضع اللبنانيين أمام المفاضلة بين المحكمة والوطن. مع ان الأساس أن هذه المحكمة هي لصون هذا الوطن ولحمايته في المستقبل، وللتأسيس على هذه السابقة في الوطن العربي وحتى في العالم الثالث بحيث لا تمرّ جريمة سياسيّة بلا عقاب فيتمادى المجرم في غيّه بلا رحمة طالما انه في أمان.
في التفاصيل يكمن الشيطان، وفي التركيز يومياً على ضرورة التعمّق في تفاصيل بنود قانون المحكمة محاولة حقيقية لقتلها، سواء بالدرس أو بمرور الزمن، ومما يؤكد ذلك هذه الإرادة المعلنة نهائياً من دمشق برفض المحكمة جملة وتفصيلاً.
الوحدة من أجل البناء
دمشق هي بيروت، وبيروت هي دمشق. ولا أحد يقبل بالمفاضلة بينهما إذا كانت هذه العلاقة للبناء والإعمار، وخصوصاً في اطار الوطن العربي. لكن هل يجوز التضحية ببيروت لحماية إرادة مَن في دمشق اغتيال المحكمة مع أنه يؤكد يومياً انه غير معني بها؟.
لا شيء أسوأ من تغطية موقف دمشق في حربها الخفيّة سابقاً والعلنية حالياً، سوى الاختباء خلف العمل بالنظام التوافقي وقلب الأقلية المؤكدة إلى أكثرية قائمة، ولو على حساب كل الاقتصاد اللبناني ولقمة عيش العامل البسيط قبل أصحاب المؤسسات، إلا إذا كان "المال الحلال" الوارد يكفي لتوزيعه على كلّ العمّال الذين لا يعملون منذ 12 تموز والمزارعين الذين لم يحصدوا حقولهم ولم يقطفوا بساتينهم فرأوا محاصيلهم تغطي أراضيهم وجرارهم تفرغ في الشتاء. واقع الحال حالياً هو بطالة ومؤسسات من دون إنتاج ومؤسسات تقفل أبوابها، وهجرة كفاءات وشباب ودين عام يتنامى وعجز في الخزينة يستمر ويتزايد وما تنذر به من مضاعفات. فهل توجد أسباب أقوى من هذه الوقائع لقتل وطن بكامله؟، أليس الجوع "سيفاً" أمضى للقتل من كلّ "السيوف" والصواريخ؟!.
السباق حالياً هو بين حلّ توافقي لبناني يطبخ على نار توافق عربية ـ دولية من جهة، وعملية "عرقنة" للبنان تطبخ بدورها على نار انقسام لبنان فوق نار اقليمية ـ دولية. وإذا كانت "اللبننة" قد سمحت لقوى عديدة وفي مقدمها دمشق باستثمار الكثير من مآسيها لمصلحتها حضوراً ووصاية، فإن جرائم "العرقنة" (وبعض ما يجري في العراق يؤكد ذلك)، غير قابلة للاستثمار لبنانياً. هذه المرة ستكسر "العرقنة" الدوائر المغلقة لتكمل دورتها، فالدول بما فيها القوى العظمى والحضارات الكبيرة إنما تقتل من داخلها قبل أن يجتاحها الخارج.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.