8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

"مخيّم" ساحة رياض الصلح فَقَدَ مفاعيله وكشف عن التناقضات بين الحزب والتصعيديين

شهر كامل مضى على "مخيّم" ساحة رياض الصلح، والحال على حاله، وهذا "المخيم"، الذي جاء فوق مد بشري من المتظاهرين، حاملاً معه الخوف من تحول الشارع الى شوارع، وأن يكون مركز اندلاع حرب أهلية لا تبقي ولا تذر خصوصاً وانها من نتاج "العرقنة" الصافي، تحولت مع الوقت والحيثيات اليومية للفعل ولردود الفعل الى نوع من "الفولكلور" السياسي اللبناني.
واذا كانت جردة الحساب ضرورية كل نهاية عام في عالم التجارة، فإنها أكثر من ضرورية في عالم السياسية. فالمسألة تتعدى التدقيق في الأرباح والخسائر لتتناول كيفية التعامل مع الاستحقاقات القادمة التي ستحملها أيام وأسابيع العام القادم. ومما يعزز هذه الجردة، أن العام 2007 يبدو وكأنه يحمل مسبقاً الحسم في الخيارات على أكثر من صعيد اقليمي ودولي. ولأن لبنان ليس أكثر من "مركز" الحسم في عمليات التفاوض والمواجهة فإن الاستعداد واجب على الجميع سواء طلباً للمصلحة الذاتية لهذا الحزب أو تلك القوى أو سعياً لتحصين لبنان من ارتدادات هذه الاستحقاقات والخيارات القادمة.
توازن الرعب
لا شك، ان هذه الأزمة التي يعيشها لبنان منذ انتهاء حرب 13 تموز حتى الآن أثبتت ان التوازن اللبناني الداخلي بين القوى الموزعة على 14 و8 آذار الذي هو من نوع توازن الرعب قد ساهم بشكل أو بآخر في انقاذ لبنان من السقوط في مغامرة غير محسوبة علماً أن هذا الوضع الناشئ ليس نهائياً، بل ما زال معلقاً على مستقبل التطورات ولذلك فإن جهوداً كبيرة لا بل جبارة مطلوبة في العام المقبل أكثر مما حصل حتى الآن للاستمرار في مسار إبعاد لبنان كله عن الانهيار نهائياً باتجاه الهاوية.
وجردة الحساب، ليست لاعلان انتصار معسكر على معسكر خصوصاً وأنه كما سبق ما زال الوضع قائماً على التوازن الناشئ نتيجة لتداخل الداخل اللبناني بالخارج الاقليمي والدولي. ومن الواضح الآن، ان "مخيم" ساحة رياض الصلح كشفت خللاً كبيراً في التخطيط السياسي لدى فريق 8 آذار. اذ لم ينتج "المخيم" النتائج التي أعلنها وهي اسقاط حكومة الرئيس فؤاد السنيورة رغم سابقة خروج الوزراء الشيعة من الحكومة ما أخلّ بتوازنها الطائفي لكنه خلق سابقة خطيرة على مستقبل لبنان، اذ ماذا سيحصل اذا أقدمت طائفة ما صغيرة أو كبيرة على سحب وزرائها من أي حكومة أخرى، فوقع الخلل "الميثاقي" وبقيت الحكومة الحائزة على الشرعية الدستورية؟. ولو أن المخططين "للمخيم" قد أخذوا بالمبادئ الأولى للتحرك بوضع فترة زمنية محددة يمكن تجديدها تبعاً للتطورات لما حصل هذا المأزق الذي ترجتمه الواقعية مزيداً من الاحراج في الربح والخسارة.
ولعل تحول "المخيم" الى جزء من الحياة اليومية للبنانيين، يتعايشون معه بحيث لا يعود نصراً، ليس الا مظهراً آخر لتجربة الحرب الأهلية والغزو الاسرائيلي لبيروت، عندما نجح اللبنانيون في تكييف حياتهم اليومية تبعاً لمخاطر خطوط التماس الوليدة، وصعوبات الحصار المفروض. ويبدو أن ترك الحكومة للمعارضة حرية التخييم بهذه السلبية الكاملة قد أفقد الطرف الآخر على الخلق. خصوصاً وأن "غزو" السرايا الحكومية مستحيل والتصعيد الشارعي (قطع طريق المطار والمرفأ) أكثر خطورة مما ظن البعض، اضافة الى أن رغبة بعض الأطراف وخاصة العماد عون في التصعيد على أساس ان ما يحصل سيحصل بعيداً عن ساحته وهو يستطيع بذلك ان يقول لقاعدته الشعبية المسيحية "انني أعيدكم الى القرار دون أن تخسروا شيئاً" مع العلم ان اشتعال أي مواجهة ولو محدودة هي خسارة للبنان ولكل اللبنانيين. ويبدو أن حزب الله وحركة أمل قد أدركا أن التصعيد سيكون على حسابهما وطائفتهما بوضوح ولذلك وضعا خطاً أحمر لأي نوع من هذا التصعيد غير المحسوب. وبذلك ظهر على السطح خط زلازل واضح في قلب القوى التي تخيم في ساحة رياض الصلح.
أزقّة بيروت القاتلة
واذا كان "حزب الله" قد أعاد تأكيد قدراته على تجييش جماهيره ودفعها الى الشوارع والساحات مع قدرة تنظيمية عالية المستوى، فإن "التخييم" في ساحة رياض الصلح وارتفاع حدة الموجات المذهبية، قد سحب من الحزب الكثير من رصيده. وهذا الوضع يبدو طبيعياً، لأن الحزب عندما يخاطب ويتحرك باسم المقاومة ضد العدو الاسرائيلي فإن شعبيته تتمدد على مساحة العالمين العربي والاسلامي، أما عندما يدخل في تسوية الحسابات الصغيرة للسياسة اللبنانية، فإنه يتقزم وينحصر حضوره في طائفة واحدة مهما كانت كبيرة ومؤثرة فإنها تبقى احدى طوائف لبنان المتعددة. ومما يؤكد ذلك، ان لا أحد كان يسأل عن طائفة السيد حسن نصر الله بصفته قائداً للمقاومة، أما عندما يكون قائداً للمعارضة في وقت تهب فيه رياح "العرقنة" على المنطقة وخصوصاً لبنان فإن الكثير من اللبنانيين والعرب والمسلمين استعادوا هويته المذهبية. ولهذا فإن الخسارة كبيرة وهي تجسدت أكثر فأكثر في هذا التصعيد غير المسبوق في الخطابين السياسي والاعلامي اليومي الى درجة سقوط كل المحظورات.
لا شيء يمنع بقاء "مخيم" ساحة رياض الصلح حتى الربيع القادم، حيث تكون قد ظهرت المفاعيل الحقيقية لكل المواجهات الاقليمية والدولية سواء بالدخول في مرحلة التفاوض الكاملة أو الاندفاع نحو المواجهة المباشرة. لكن الخسارة ستتمدد مثل بقعة الزيت على مساحة لبنان، ولا شيء يبدو محصناً، خصوصاً وإن البعض من القوى المتواجدة تعمم خطابا يؤكد على أن خسارة لبنان لمبلغ يصل الى ثمانين مليون دولار يومياً (أي نحو مليارين ونصف المليار في شهر واحد) ليست أمراً مهما لأنه سيضاف الى الديون المستحقة وهي 41 مليار دولار، فمعنى ذلك اظهار رغبة دفينة بقتل لبنان خنقاً بعد أن فشلت حتى الآن بقتله بنار الحرب الأهلية، وفي الحالتين المسؤولية واحدة والجرم نفسه.
أما أبرز نتائج جردة العام 2006 وخاصة في هذه الأسابيع الأربعة الأخيرة، ان نقاط الاختلاف قد تبلورت فقد ظهر جلياً ان انشاء المحكمة الدولية هي "أم المعارك"، وأن الباقي ليس سوى جزء من هذه القضية. والى جانب ذلك، فإن هذا "المخيم" قد سحب الحديث عن المقاومة ومزارع شبعا والأسرى من التداول اليومي الضروري والملح، وحل محلها جميعاً الحديث عن "الثلث المعطل" و"الوزير الملك" وانتظار المبادرة العربية والمبادرة الأخرى التي ستنضم اليها لاحقاً أي التركية ـ الايرانية.
رغم كل هذه الحصيلة، فإن المأزق واحد لمختلف القوى. والعنوان الأساسي لهذا المأزق مع اطلالة العام 2007، ان كل الطروحات لهذا الفريق أو ذاك طروحات يوميات تبقى أسيرة الفعل وردود الفعل.
ولذلك فإن الكلام عن المستقبل تتم ترجمته في رؤيا مبرمجة حقيقية تقوم على وضع خطة اقتصادية واجتماعية متكاملة يمكن أن تفتح الباب أمام لبنان نحو الأمل بمستقبل مخطط له مسبقاً ما زال غائباً وكان الطموح فقط هو النجاة من هذا الزلزال الذي يضرب لبنان وما يستتبعه من زلازل ارتدادية.
ومهما كانت النجاة مرغوبة وملحة حالياً، فإن هذا لا يكفي لبناء لبنان يكون فيه الحلم الكبير للبنانيين الحصول على جواز سفر غير لبناني يضمن لهم ولأبنائهم وسيلة انقاذ لهم من الحروب والزلازل الموسمية مع كل أزمة اقليمية أو دولية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00