8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

العودة إلى الشرق "أمّ الأزمات"، بإحياء اللجنة الرباعيّة ومزيد من الرعاية للبنان

ليس جديداً إعلان الرئيس جاك شيراك بأن منطقة الشرق الأوسط أصبحت "مركزاً للتوترات الدوليّة" وانه في هذه المنطقة من العالم "تتراكم الأزمات ثم تخرج منها إلى العالم". أي باختصار انّ الشرق الأوسط قد تحوّل إلى "أمّ الأزمات" التي يعاني منها المجتمع الدولي. وفي قلب هذه الأزمات النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وبعد كل هذه السنوات في السلطة، يبدو شيراك انه "الخبير الغربي الأول بالمنطقة"، وقد جاءت قراءاته ومواقفه لأحداثها ونتائجها صحيحة، والدليل الكبير موقفه من الغزو الأميركي للعراق.
ولكن توقيت هذا الكلام ـ الرسالة للرئيس الفرنسي مهمّ جداً، فهو اختار المناسبة السنويّة لإطلالته على الجسم الديبلوماسي الدولي في فرنسا، وفي الوقت الذي تجتمع فيه مستشارة المانيا انجيلا ميركل مع الرئيس الأميركي جورج بوش في واشنطن، وأيضاً في الأيام القليلة السابقة على تولّي ألمانيا لرئاسة الاتحاد الأوروبي للفترة القادمة، لكي يدفع بالشرق الأوسط إلى واجهة القرار الدولي، مركزاً في ذلك على مثلث الأزمات الذي يضم: النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وأزمة "المغامرة" في العراق، ولبنان "رهينة جيرانه".
عودة مدروسة
ويبدو أنّ العودة الدوليّة إلى الشرق للعثور على حلول ولو موقتة لبعض أزماته، ليست بنت ساعة كلام شيراك ولا لقاء ميركل ببوش. ففي "المطابخ" الدوليّة، تتم التحضيرات لكل "طبخة" قبل وقت معقول أو على الأقل مدروس، ولا شك ان الفشل الأميركي في العراق، والتثبّت من عمق خط الزلازل الذي يضرب المنطقة بفعل التفجيرات اليوميّة "للعرقنة" والتي كانت منها مشاهد إعدام الرئيس السابق صدام حسين احد مفاعيلها، قد دفع باتجاه هذه العودة إلى الشرق.
والبداية في هذه العودة، إحياء "اللجنة الرباعيّة"، كما أشار بوش، والتي ستكون طليعة استكشاف مفاعيلها في الجولة الشرق أوسطية لميركل. والملاحظ في كل هذا التوجّه الجديد توافق الرئيسين الفرنسي والأميركي حول لبنان وسوريا، فالمطلوب "أن تساهم دمشق بعودة الاستقرار إلى لبنان لكي تأخذ موقعها داخل المجتمع الدولي"، وانطلاقة هذا التوافق في الدعم الكامل لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة الشرعيّة. ولا شك انّ هذا الموقف الثابت يجد ترجمته الفعليّة والمؤثّرة في عقد مؤتمر باريس ـ 3 والرغبة بنجاحه في دعم لبنان مالياً واقتصادياً، بما يبعد عنه شبح الانهيار الاقتصادي.
هذا التحرّك الدولي وخصوصاً الأميركي ـ الالماني ـ الفرنسي باتجاه المنطقة، لا بد أن يدفع بقوى المعسكر المضاد إلى "التأهّب الكامل والشامل"، سواء لمعرفة كيفيّة مواجهته أو للتحضير لكيفية التعامل معه في معرض التفاوض وتحسين التفاوض عبر المواقع والأوراق المملوكة. ومجرّد بقاء هذا المعسكر "على سلاحه" كما يقال، يعني ان جموداً لا بد أن يحصل لفترة زمنيّة محدودة من نوع الهدوء الذي يسبق العاصفة.
الترابط بين لبنان والمنطقة
وطالما توجد قناعة كاملة، لدى مختلف الأفرقاء، بما فيهم "حزب الله" بأن "الأزمة في لبنان مرتبطة بالوضع في المنطقة"، فإن السؤال الذي يطغى على كل شيء، هو كيف ستتعامل القوى اللبنانيّة في هذه الفترة التي يتشكّل فيها المسار الجديد للسياسة الدوليّة وخصوصاً الأميركية منها في المنطقة؟
والجواب البسيط هو طالما انه يجري تحضير شيء ما للمنطقة، فإنه ليس أمام الحكومة ومعها قوى 14 آذار سوى الانتظار والصبر من جهة وتسريع كامل لعملية التجاوب مع الإرادة الدوليّة في عقد مؤتمر باريس ـ 3 من جهة أخرى، لأن في انعقاده وفي الحصول على المليارات الموعودة يحصل اللبنانيون على فترة سماح ضرورية وملحّة للصمود اقتصادياً، بكل ما يعني الأمن الاقتصادي من تكامل مع الأمن السياسي. وهذا كله يعني إبقاء الحرب الأهلية الباردة التي يعيشها اللبنانيّون تحت السيطرة وعدم تحوّلها إلى حرب أهلية مشتعلة ودامية.
ومما يؤكد انّ الفترة المقبلة ستكون فترة انتظار ومواكبة لما يحصل في الخارج دولياً واقليمياً وعربياً، انه لا توجد مبادرات مصاغة قابلة للتنفيذ حالياً. ولذلك فإن كل الجهود الخارجة من الرياض والقاهرة وأنقرة إنما تهدف إلى تحقيق أمر يعد إنجازاً كبيراً حالياً وهو تهدئة الأجواء ووقف التصعيد. فلعل هذا الإنجاز يؤدي إلى تجميع "للأفكار" ومن ثم "جوجلتها" وصياغتها بشفافية مستورة بقدرات متكاملة ومتكاتفة على مسار بلورة مبادرة تؤدي إلى إنجاح عملية إخراج لبنان من الأزمة.
المشكلة أنه أثناء فترة الانتظار، تتجاذب القوى المتواجهة الرياح القادمة من الخارج في وقت يكون فيه الضغط النفسي في أعلى درجاته، ولذلك يقع الخوف من حصول خطأ ولو بسيطا في الحسابات الداخليّة فيقع المحظور. ولذلك إمكانية بقاء الوضع الحالي على حاله لفترة طويلة قد تمتد لأشهر، يرفع من درجة المخاطر خصوصاً في وقت تتوالى فيه المفاجآت في تشكّل الأحداث. ومن هذا انّ عملية إعدام الرئيس صدام حسين البشعة، قد رفعت من درجة التوتر المذهبي. فالمنطقة كلها تعيش حالياً مرحلة "الرقص فوق صفيح العرقنة الساخن". ولذلك تزداد القناعة لدى مختلف القوى المحلّية والاقليميّة والدوليّة ان اشتعال "العرقنة" في دائرة جغرافية خارج العراق، وخصوصاً في "الخاصرة الضعيفة" فيها وهي لبنان، لن تكون محصورة وهي ستنتقل مهما كانت المناعة موجودة سابقاً لدى الآخرين ولعل كلام رجب الطيب اردوغان رئيس الوزراء التركي في هذا الفهم الواضح لخطر "العرقنة" ما يؤكد ذلك.
المشكلة الكبرى في لبنان، ان قوى المعارضة وعلى رأسها "حزب الله"، ترى في ظل هذا السباق القائم بين "العرقنة" والعمل على دفع لبنان خارج خطرها، انّ الهدف الأوّل لها هو "كيفيّة إعادة تكوين السلطة وتحقيق الشراكة" وإذا كان الهدف نفسه في عالم الديموقراطيّات سليماً، فإن توقيته من جهة والوسائل المستخدمة لتحقيقه يشكّلان خطراً كبيراً ليس على السلطة القائمة وإنما على لبنان كله. وأمام هذا المأزق، فإن عمليّة "لبننة" الأزمة يبقى هو الحل.
وأول مفاعيل هذه "اللبننة" بجانبها الإيجابي ترك لبنان يستثمر هذا الاهتمام الدولي في عقد باريس ـ 3 أولاً والعثور على صيغة تخرج "الساحة اللبنانيّة" من مفاعيل المتغيّرات الاقليميّة والدوليّة حالياً ليس أكثر، إذ انّ القوى ليست جاهزة لتحرّر من انشدادها إلى الخارج إلى حين أن يقوم لبنان ـ الوطن.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00