8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

الانفراجات المؤجلة في المنطقة فرضت التصعيد المتزامن في لبنان وفلسطين والعراق

الترابط بين الأزمات الثلاث في منطقة الشرق الأوسط، في العراق وفلسطين ولبنان، لم يعد مجرد تكهن أو تحليل، انه واقع مرّ. فالعراق هو "قلب" المنطقة ومن الطبيعي عندما يرتجف القلب أو يتعرض لما هو أكثر أن تهتز الأطراف وتنكمش. وفلسطين هي "أم الأزمات" في المنطقة، التي منها تولد يومياً كل أشكال الظلم والعنف معاً. ولبنان هو "الجسر" الذي لا يمكن لأحد أن يتنقل عبر الممرات المكشوفة المخفية، إلا ويضطر لعبوره ولذلك تتردد فيه أصداء كل الأزمات الاقليمية والدولية معاً.
قبول هذا الواقع، يفسر هذا التصعيد في الأزمات الثلاث، في وقت واحد وعلى الوقع نفسه، رغم الفوارق بين كل ملف وملف. فما يجري في العراق وفلسطين هو تناحر على السلطة تحت "سكين" الاحتلال. في حين أن ما يجري في لبنان يجري ضمن الدائرة الجغرافية التي ظلمته وجعلته، كما قال الرئيس الفرنسي، "رهينة جيرانه".
في لبنان، لم يعد بمقدور المعارضة بقيادة "حزب الله"، سوى الاعتراف باستنفاد "مخيم" ساحة رياض الصلح أغراضه. فقد نجحت الحكومة ومعها قوى 14 آذار في استيعابه وهضمه، فتحولت خيمه الى ما يشبه فقاعات الصابون التي تملأ بسرعة مساحة واسعة ثم تنتثر لتتبدد في الفضاء. والتصعيد الجديد مهما كان مدروساً ومختاراً بعناية فإنه لن يحلّ الأزمة، لأنه لن يسقط الحكومة ولن يدفع بقوى 14 آذار لتقديم نفسها "هدية" لها.
اغتيال باريس ـ 3
بالعكس ما سيحصل سيكون "محاولة اغتيال واضحة" لمؤتمر باريس ـ 3، مهما تعددت الأسباب وتنوعت "الأسلحة". وهذه العملية ستؤذي الحكومة، لكن الضحية الكبيرة ستكون لبنان واللبنانيين، خصوصاً ان لا أحد يضمن، ضمن المهل الزمنية المعروفة، أن يبقى المجتمع الدولي مشدوداً الى لبنان بمثل هذه القوة وهذا الاهتمام الى درجة الاحتضان. وعندها لن يبقى سوى انتظار هطل مزيد من "المال الحلال" في عزّ الصيف، حتى لو هطل، فإنه لن يكفي سوى بعض المتضررين من زلزال حرب 12 تموز من العام الماضي. أما الباقي من اللبنانيين فربما عليهم الوقوف في صفوف طويلة أمام السفارات طلباً للهجرة، لأنه عندما يُنخر الاقتصاد عن سابق تصور وتصميم يموت الأمل.
وفي فلسطين، انفجر التصعيد بعد اشارات نحو التهدئة والهدوء. واذا بلغة جديدة تدخل على يوميات الفلسطينيين وعلى يد قيادات بعضها أمامه ألف علامة استفهام وعلامة. ولغة التخوين المشتركة في فلسطين ولبنان، تبدو غريبة وعجيبة، وخصوصاً ان حركة "فتح" محكومة بالجلوس مع حركة "حماس"، و"حزب الله" محكوم تحت سقف اتفاق الطائف والتركيبة الخاصة للبنان بالجلوس مع من خوّنهم وأسقطهم، ولذلك فإن الفتنة المستيقظة أصلاً في فلسطين وفي لبنان تبدو حالياً وكأنها على سلاحها تنتظر دقة ساعة الموت لتزحف فتحرق الأخضر واليابس. ثم يصرخون انها المؤامرة ألم نقل لكم!، مع أن السقوط في وحول هذه "المؤامرة" ليس قدراً، وانما مسار له نقطة بداية يجب الابتعاد عنها والعمل على كسر مفاعيلها منعاً لمساراتها وآثارها المدمرة.
وفي العراق، بدا الاستعجال في اعدام الرئيس السابق صدام حسين صبيحة يوم عيد الأضحى، وكأنه اعلان للذهاب الى نهاية المسار حيث الجحيم لا شبيه له سوى الاقتتال بين أهل البيت الواحد. وهذا التصعيد في العراق لم يكن ليقع بهذا الاندفاع وهذه القوة لأسباب عراقية فقط. فالواقع يؤشر أيضاً الى اشتباك لم تظهر خطوطه نهائياً بين الداخل العراقي والداخل الأميركي في وقت واحد.
رفض بوش للهزيمة
هذا التصعيد لم يكن ليقع وفي وقت واحد وعلى وقع واحد في لبنان وفلسطين والعراق لولا ظهور مناخات جديدة في المنطقة. ومن الواضح ان الانفراجات مؤجلة. والتقدير بأن هزيمة المحافظين المتشددين ومعهم كل الحزب الجمهوري واعلان تقرير بايكر ـ هاملتون، سيجبر ادارة الرئيس جورج بوش على التسليم فوراً بدون قيد ولا شرط لإيران وسوريا معاً، يبدو خاطئاً. فالرئيس بوش لا يريد أن يترك البيت الأبيض وهو يحمل على كتفيه في وقت واحد هزيمة تاريخية في العراق، من جهة والحزب الجمهوري وطموحات المتشددين منه لعقد أو أكثر خارج السلطة.
ولذلك، فإن بوش مجبر على التصعيد سياسياً وعسكرياً. وهذا التصعيد يتم برفع سقف شروطه الى أعلى حد ممكن وحشد الأساطيل في الخليج واستقدام الآلاف من الجنود الى العراق. وهذه العملية حتى لو لم تكن مقدمة لحرب شاملة، فإنها على الأقل نوع من الضرب على طاولة المفاوضات متى انعقدت بالقوة.
ومن الطبيعي أن ترد ايران وحليفتها سوريا على هذه التحركات الأميركية بقوة. وطالما أن ايران تبدو مطمئنة الى حصانتها من الغزو العسكري فلا بد لها من التلويح بوجودها في العراق (علماً أن أفغانستان تحت وطأة الجليد في الشتاء) وفي فلسطين ولبنان معاً. أما دمشق التي تنام على "حرير" الهدوء الدائم في الجولان وصعوبة وحتى استحالة، التحرك في لبنان عبر "الخط الأزرق"، فإن الساحة الوحيدة المتبقية تبقى الداخل اللبناني الذي يعيش الأزمة تلو الأزمة منذ زلزال 14 شباط قبل نحو 23 شهراً.
وما تريده دمشق حالياً، ومهما كان الثمن الذي دفعه اللبنانيون ويمكن لهم أن يدفعوه مستقبلاً، هو اقامة "شبكة أمان لبنانية لها في مواجهة المحكمة الدولية". فالحل يكون لبنانياً وبين اللبنانيين وفوراً وبدون تعقيدات بمجرد أن يتم سحب المحكمة الدولية من التداول. وهذا الطلب يزداد صعوبة يوماً بعد يوم. فإذا كانت موسكو حليفة دمشق التي ترأس مجلس الأمن حالياً تجد ضرورة الاسراع في البحث بهذه القضية فماذا يفعل اللبنانيون؟
طبعاً تستطيع الأطراف المتواجهة أو المتصارعة في العراق وفلسطين ولبنان اعلان براءتها من التدخل الايراني ـ السوري. ولكن اعلان البراءة هذا لا يكفي، لأنه عندما يدخل "الفيلة" مخازن الزجاج لا يجدي هذا الاعلان، فالكارثة لا بدّ أن تقع!
في العراق، الفرز مستمر خصوصاً في بغداد. وخطوط التماس بين الحارات تتبدل يومياً بفعل عشرات الجثث المجهولة الهوية. وفي فلسطين حيث الفرز المذهبي غائب، إلا أن الفرز بين الأخوة في التحرير أخطر بكثير لأن الحَكَم سيكون المحتل الاسرائيلي.
أما في لبنان فإن تقدم الأطراف المسيحية في المعارضة الى الواجهة في عملية التصعيد الجديدة لن يعفي "حزب الله" من مسؤولياته في قيادة هذه المعارضة. والكارثة في لبنان، أن النحر الاقتصادي قائم من جهة، وأن "الخط الأحمر" للوحدة الوطنية معرض بقوة للاختراق في وسطه الشيعي ـ السّني، لأن ساحة المواجهة في هذا التصعيد هي في قلب بيروت من جهتها الغربية، رغم بشاعة العودة الى هذا القاموس، والدليل أن كل شيء سيبقى هادئاً على الضفة الشرقية!

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00