8 آذار 2019 | 00:00

أرشيف

ترؤس شيراك ومشاركة رايس في "باريس ـ3" احتضان للأمن

لم يكن للولايات المتحدة الأميركية "سياسة لبنانية". كان لدى واشنطن "سياسة سورية" وقبلها "سياسة مصرية" في فترة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. ومن خلال تلك السياسة كانت الادارة الأميركية تتعامل مع الملف اللبناني، تصعيداً او تهدئة، على قاعدة الفعل وردة الفعل. حالياً، وليس من فترة بعيدة، حدث هذا التحول الكبير والمهم جداً، لأن معنى ذلك أن خطاً واضحاً يقوم على ثوابت ومتغيرات هو الذي يتحكم ببوصلة هذه السياسة.
وفي محاولة لقراءة هذا المسار، يرى ديبلوماسي أمضى فترة من عمله في واشنطن، أن لبنان كان "ورقة" مهمة للتفاوض سواء مع القاهرة ـ عبد الناصر، أو دمشق ـ الأسد. ولعل "تلزيم" لبنان لدمشق طوال الفترة التي أصبحت تعرف بفترة الوصاية، هو خير دليل على ذلك، لأنه كان "جائزة" الترضية الكبيرة التي قدمت للرئيس الراحل حافظ الأسد لانخراطه في الحرب ضد العراق من جهة وتثبيتا للهدوء الشامل والعميق في الجولان المحتل.
زلزال اغتيال الحريري
"زلزال" اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هزّ السياسة الأميركية، ولا شك أن الموقف الفرنسي الذي رسمه ونفذه الرئيس جاك شيراك قد فعل فعله في ولادة هذا المسار الجديد للسياسة الأميركية. لكن طوال فترة 22 شهراً تقريباً، بقي الموقف الأميركي معلقاً على التشديد على رؤية لبنان مستقلاً وسيداً وحراً. لكن ذلك لم يطمئن معظم اللبنانيين. فالخوف كان حقيقياً وكبيراً من رؤية واشنطن وهي تفاوض دمشق على حساب لبنان، خصوصاً أن دمشق قدمت أوراق اعتمادها وهي تتضمن التعاون في العراق، الشغل الشاغل للرئيس بوش، هذا دون الحديث عن عروض ضمنية تطال الملف الفلسطيني، وطبعاً لبنان حيث كان العرض كاملاً ومتكاملاً، يتضمن الاستعداد لحل الوضع فيه خلال 24 ساعة أما عدم التعاون فإن "الأسف الدمشقي" كبير جداً لدخول "القاعدة" على خط الساحة اللبنانية.
ترجمة هذه "السياسة الأميركية" في لبنان، عنوانها الأساسي، ان لبنان ليس للمقايضة، وأن أي "مرونة اقليمية لن تنعكس عليه". وبدايات هذه السياسة كانت في الدعم الكامل وغير المحدود لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة عنواناً منها للبنان المستقل عن الوصاية السورية، لكن هذه السياسة تبلورت أكثر فأكثر، مع هذا الدعم لأمن لبنان الاقتصادي.
تأييد أميركي ـ فرنسي مبرمج
فالقرار الأميركي ـ الفرنسي المشترك بدعم مؤتمر باريس ـ 3، ليس قراراً بسيطاً ولا عادياً. ففي الماضي لم يتجاوز تأييد واشنطن لدعم الأمن الاقتصادي اللبناني أكثر من اعلان تأييد انعقاد باريس ـ 1 وباريس ـ2، رغم إلحاح الرئيس جاك شيراك. ولذلك كان اشتراك صندوق النقد الدولي شبه رمزي في المؤتمرين. أما في مؤتمر باريس ـ3، فإن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ستشارك بنفسها في المؤتمر وهذا وحده يشكل "رسالة" علنية لكل الدول المشاركة أو المستعدة للوقوف مع لبنان لتفعيل مواقفها في تقديم دعم مالي مهم، كما ان الرئيس شيراك سيرأس بنفسه المؤتمر تأكيداً منه للانخراط الفرنسي الكامل.
وهذا الموقف الأميركي ـ الفرنسي المشترك من المشاركة في مؤتمر باريس ـ3 يأتي رغم كل ما قامت وتقوم به المعارضة من تحركات وتظاهرات واعتصامات، وبعيداً عن "مخيم" ساحة رياض الصلح المستمر رغم استنفاده لكل أغراضه، الى درجة أن البعض من المراقبين أخذ يقارن اقامته واستمراره، بسوء تقدير وخطأ في الحسابات يماثل ما حصل في 12 تموز عندما جرى أسر الجنديين الاسرائيليين.
وقد سبق اعلان المشاركة الأميركية في المؤتمر على هذا المستوى الرفيع، اعلان تقديم مليار دولار مساعدات للبنان، علماً أن أي ادارة أميركية سابقة وطوال عقود لم تنجد لبنان بأكثر من عدة عشرات من الملايين في أفضل الأحيان.
لبنان ليس جزيرة
كما أن هذه السياسة الأميركية تتأكد في ابلاغ مختلف القوى اللبنانية حرص واشنطن ومعها المجتمع الدولي على اقرار المحكمة الدولية والسير بها. وأن هذا القرار يشمل تذليل الخلافات حول بعض البنود عبر ادخال تعديلات عليها بعد تسليم المعارضة لملاحظاتها بدلاً من الاصرار على وجوب بحث تفاصيل القانون وكل ذلك يدخل في اطار الرفض من باب القبول، خصوصاً أن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل.
هذا المسار الجديد للسياسة الأميركية نحو لبنان لا يعني أبداً فصل لبنان عن المنطقة والتعامل معه كحالة مستقلة، فلبنان ليس "جزيرة" أولاً وهو كان دائماً "مركزاً" للحسم تتفاعل فيه كل ملفات المنطقة ومشاكلها فتؤثر فيه ويؤثر فيها. ولذلك فإن سؤالاً كبيراً يواجهه لبنان من خلال التحولات التي تعيشها الادارة الأميركية للرئيس جورج بوش هو: ما هو نصيب لبنان من هذه التحولات، خصوصاً انها تشكل مساراً متكاملاً في المنطقة انطلاقاً من العراق؟
يبدو أن التقديرات بأن ادارة الرئيس بوش مضطرة للدخول في مسار الاعتدال بعد انتصار الديموقراطيين وصدور تقرير بايكر ـ هاملتون، ليست هي التي سيأخذ بها جورج بوش. لأنه اذا كان النصر الأميركي مستحيلاً في العراق، فإن الانسحاب نتيجة للهزيمة أكثر استحالة لأن هذه الهزيمة لن تكون نتائجها محصورة بهذه الادارة وبالحزب الجمهوري، وانما بالولايات المتحدة الأميركية ومعها الغرب كله، خصوصاً في جانب الحرب ضد الارهاب منها.
ويبدو حتى الآن ان الرئيس بوش، قرر التصعيد في الحرب ضد الارهاب لينفذ من خلال هذه السياسة خطة المواجهة في العراق. ولعل فتح جبهة القرن الافريقي عبر الصومال بواسطة أثيوبيا أولاً ثم مباشرة بالقصف الجوي وبعد فترة من خلال تشكيل أسطول سادس لمنطقة القرن ومعها افريقيا، يؤكد هذا التوجه.
واذا كان الرئيس بوش قد اعتمد هذا التصعيد العام، فما هو نصيب ايران والملف النووي، وسوريا وباقي الملفات؟ ثم السؤال المكمل للأول وهو كيف ستتعامل طهران ودمشق مع هذه السياسة؟ وهل ستعتمدان الهدوء حتى تمر عاصفة العراق للعمل استناداً الى معطياتها ونتائجها، أم أنهما تفضلان مواجهة التصعيد بالتصعيد؟
مهما جاءت خيارات دمشق وطهران وواشنطن، فالسؤال يعود من الخارج الى الداخل اللبناني، وهو كيف ستتصرف القوى اللبنانية في ظل هذه المواجهة، خصوصاً أن لبنان كله يقف قلقاً وحتى خائفاً أمام خطر الانتقال من الحرب الأهلية الباردة الى الحرب الأهلية الدموية، لدى أي خطأ ولو صغير في الحسابات، أو حتى في حال قرار خارجي باتجاه فتح المواجهة الى أقصاها عبر أطراف خارجة عن ارادة القوى الأساسية المنضبطة؟
أمام مثل هذا الاحتمال، فإن الواجب الوطني، حتى ولو كان لبنان ما زال ساحة، يقضي بتحصين الأمن الاقتصادي للبنان، ليس فقط من خلال اعتبار المال الذي سيهطل من باريس مالاً مقبولاً وإن لم يكن حلالاً، بل بالدخول في حوار منتج أوله الخروج من سياسة الغموض، وعمادها اسقاط احتمال اسقاط لبنان في منطقة فراغ عبر تعطيل كافة مؤسساته، بحيث يأتي استحقاق انتخاب رئيس للجمهورية حيث لم تعد الجمهورية.

يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.

8 آذار 2019 00:00