الحرب الأميركية ضد الجمهورية الاسلامية في إيران لم تعد مجرد سيناريو تتدارسه مراكز الأبحاث أو يتهامس به الخبراء. في باريس القناعة كبيرة وواسعة وحقيقية، بأن الرئيس جورج بوش يستعد للحرب وكأنها ستقع غداً، وأن هذه الاستعدادات تجري على قدم وساق عسكرياً وإعلامياً وسياسياً. فحاملات الطائرات والأساطيل تحشد بكثافة على أبواب إيران البحرية، والاتصالات السياسية يومية مع مختلف الأطراف والقوى المعنية بمثل هذه المواجهة والتسريبات الاعلامية يومية وفي جميع أنحاء العالم وليست الولايات المتحدة الأميركية وحدها.
الأسباب الموجبة للحرب
ويتفق عدد من الخبراء المخضرمين في الشأنين الأميركي والايراني، على ان احتمال الحرب قائم خلال الأشهر الثلاثة المقبلة على أبعد تقدير. وحتى الذين كانوا من المجموعة يرون استحالة مثل هذه الحرب حتى قبل ثلاثة أشهر من الآن، يرون ان عداً عكسياً قد بدأ، وأن تغيرات انقلابية وحدها قادرة على قلب ساعة الرمل حتى لا تقع الواقعة. أما لماذا هذا التحول والوصول الى هذا التأكيد، فإن هؤلاء الخبراء، ومنهم من كان في واشنطن أو في طهران مؤخراً، يرون:
ان الرئيس جورج بوش ومعه "صقر الصقور" ديك تشيني مقتنعان مئة في المئة أن إيران ومعها سوريا، سبب "الهزيمة المحتملة للجيش الأميركي في العراق"، و"الخسارة الفاجعة" سياسياً لمشروع الشرق الأوسط الكبير مع كل ما يترتب على ذلك من هزيمة تاريخية لتيار المحافظين المتشددين قد تعيدهم الى بداياتهم قبل ربع قرن من جهة، وخسارة الانتخابات الرئاسية بعد عامين، استكمالاً لخسارة الحزب الجمهوري للانتخابات التشريعية ومجلس الشيوخ من جهة اخرى.
ان حصول إيران على القوة النووية، وخصوصا القنبلة النووية ولو بعد سنوات قليلة، ستكون نتيجته انقلابا كاملا لموازين القوى على مساحة الشرق الأوسط سواء باتجاه اسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية. ومجرد التفكير في مثل هذا الاحتمال يجعل واشنطن قلقة وخائفة لأن مستقبل إسرائيل سيصبح في الميزان، حتى لو كانت القنبلة النووية سلاح ردع لا يستعمل الا ان وجوده في حالة اسرائيل سيلغي حضورها في المنطقة وستكون مضطرة للتقوقع وعدم الاطلالة على محيطها من موقع القوة. في حين أن الولايات المتحدة الأميركية ستجد نفسها في مواجهة قوة اقليمية عظمى معادية لها، ومضطرة للتعامل معها في ظل موازين قوى مختلفة، أهمها عدم قلق إيران من أي عمل عسكري ضدها لأن اليد الإيرانية ستكون طويلة ومتحركة وتأثيرها على دول المنطقة عميق وقوي ومؤثر. وترجمة كل ذلك، انتهاء هيمنة الولايات المتحدة التي تصيغ سياسات العديد من الدول، من جهة وتراجع الخوف من اسرائيل من جهة أخرى.
ان عملية تجييش واسعة للرأي العام الأميركي تجري بقوة، ويلعب اللوبي اليهودي في أميركا دوراً أساسياً في هذه العملية، بحيث ان هذه المواجهة تشكل جزءاً من الحفاظ على الأمن القومي الأميركي، لأن هذا الأمن يكفيه حالياً الحرب المفتوحة ضد الارهاب.
قناعة واشنطن على مستوى الادارة، وليس بوش وتشيني وحدهما، ان الحرب ضد إيران، لن تؤدي الى تحرك شيعي مضاد في المنطقة. وبذلك فإن الأمن الداخلي لدول المنطقة محفوظ، وأن مثل هذه الحرب ستعيد تصحيح موازين القوى بعد سقوط نظام صدام حسين لمصلحة الشيعة في العراق.
ان المشكلة ليست فقط في امتلاك إيران للسلاح النووي وإنما في استمرارية هذا النظام. والمطلوب التسريع في قلب هذا النظام بكل الوسائل، بما فيها الضغط العسكري.
استخدام قوى الداخل والخارج
ولذلك فإن واشنطن مستعدة وتعمل على استخدام كل القوى المعادية للنظام في الداخل او الخارج وأبرز هذه القوى "مجاهدي خلق" الموجودين في العراق تحت الحماية الأميركية.
ان واشنطن تستطيع الاعتماد على نقص الدعم المباشر والشعبي في المنطقة نتيجة للشحن القائم سياسياً ومذهبياً ضد إيران.
هذه الأسباب لقيام الحرب الأميركية ضد إيران تبدو منطقية وفي سياق المسار الذي بدأ مع الحرب ضد العراق، ودوماً على خلفية العداء المستحكم لواشنطن ضد النظام الحالي. وتأكيداً لذلك، فإن التسريبات العسكرية تراوح بين إعداد قائمة بعدة آلاف من الأهداف وصولاً الى ألف وخمسمئة هدف تشمل المواقع النووية والقواعد العسكرية الجوية والبحرية والبرية والمقارّ الأمنية والقيادات السياسية لافتعال فراغ في قمة السلطة وحتى في أطرافها بهدف ضرب مركزية القرار وتوزيعه على قوى غير مُعدّة سابقاً لاتخاذ قرارات الحرب والسلام.
لكن رغم ذلك، فإن باريس تريد ألا تقع الواقعة ويقع الرئيس جورج بوش في فخ الحرب مع ايران، فيذهب ومعه الغرب كله الى مغامرة مفتوحة على كل المخاطر. ولذلك تركز باريس على أن طهران خائفة من المقاطعة الاقتصادية، وان كل التقارير الواردة من طهران تؤكد ان نتائج الحصار اذا ما فُرض تنفيذاً لقرار من الأمم المتحدة سيؤدي الى كارثة اقتصادية لأن النظام الايراني أهمل كل القطاعات واقتصاده يقوم على النفط وأي حصار محكم على هذا القطاع سيحرم طهران من 80 في المئة من عائداتها، ولذلك فإن مجلس الشورى، وكما جرى كشفه من وثيقة وقّع عليها أكثر من مئة نائب، ستعاني كثيراً من الحصار وقد يجري اللعب على هذه الأزمة الاقتصادية لافتعال أزمة سياسية وتهيئة الأجواء لاحتجاجات شعبية تقلب الموازين.
لكن ماذا سيحدث اذا فشلت الحرب ضد ايران ولم يسقط النظام؟.
هنا يرى هؤلاء الخبراء أن في الاجابة عن هذا السؤال يكمن ألف سبب وسبب لعدم وقوع الحرب أو لتجنبها مهما كانت الاغراءات كبيرة. ذلك ان بقاء النظام ومع ما يعرف عن الايرانيين من تعصّب قومي يعني منح النظام قوة اضافية لسنوات طويلة. كما ان النظام الايراني قادر على تعريض الأميركيين لأخطار حقيقية في العراق، وأيضاً في أفغانستان، خصوصاً أن لإيران حضوراً قوياً معروفاً سبق اختباره في الحرب ضد الطالبان. وهذا الاحتمال خطير جداً على كل القوات العاملة في أفغانستان خصوصاً مع اقتراب حلول فصل الربيع الذي يعيد الفعالية للعمليات العسكرية الميدانية.
والأخطر من كل ذلك ان انفجاراً واسعاً في منطقة الشرق الأوسط قد يقع سواء على يد "حزب الله" أو "حماس".
هذا السيناريو الخارج من الجحيم يقابله قراءة هادئة لخبير ايراني مخضرم، فهو يرى أن ايران قادرة على التعامل مع مثل هذا الاحتمال الخطير الذي لا تريده بشراء الوقت عبر الالتفاف على التصعيد حول ملفها النووي، بالقبول بحل يسحب خيار الحرب من الواجهة. واذا كان لا بدّ من الخيار بين الحرب الآن، والتوقف لعام أو عامين عن متابعة برنامج التخصيب النووي حتى تستنفد الادارة الأميركية الحالية كل أوراقها في العراق، فإن الحل الثاني يبقى الخيار الأسلم ويلبّي المبدأ الايراني المعروف وهو "اذبح عدوك بالقطنة".
وتكون المقدمة لمثل هذا التوجه المساهمة في وقف التصعيد في لبنان وحل الأزمة فيما بعد بالتنسيق مع السعودية "كرسالة" اعتماد من طهران لواشنطن وكتاب تطمين منها للعرب عبر السعودية.
من الآن وحتى تدق ساعة الحسم، وهي على أبعد تقدير قبل نهاية نيسان المقبل ومع الذكرى الرابعة للغزو الأميركي للعراق، فإن شد الحبال سيستمر ومعركة عض الأصابع ستقوى، ولبنان هو الى جانب العراق مركز الحسم النهائي للحرب أو السلام.
يلفت موقع Mustaqbal Web الإلكتروني إلى أنّه ليس مسؤولًا عن التعليقات التي ترده ويأمل من القرّاء الكرام الحفاظ على احترام الأصول واللياقات في التعبير.